القفز غير المدروس نحو الانفصال.. تداعيات ما بعد أحداث حضرموت
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
22 ديسمبر 2025مـ – 2 رجب 1447هـ
تختزل الذاكرة الجنوبية بالكثير من المآسي قبل تحقيق الوحدة اليمنية في عام 1990م، كما أن هناك ثقوباً سوداء لمرحلة ما بعد الوحدة جراء حرب صيف 94م، وما نتج عنها من مظلومية لأبناء المحافظات الجنوبية.
ويبقى السؤال الأبرز هنا: هل القفز نحو خيار الانفصال هو الحل الأمثل، وما التداعيات المتوقعة بعد أحداث حضرموت على مستقبل اليمن بشكل عام ومستقبل الوحدة بشكل خاص؟
في البداية جاءت الأحداث سريعة وخاطفة، فالتحرك العسكري لمليشيا الانتقالي للسيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة جاء من دون عراقيل، وكان انسحاب المليشيا التابعة للسعودية أسهل من شربة الماء، وإذا كان إعلام الخونة ومموليهم يوحي بوجود صراع بين الطرفين، فإن الرسالة الواضحة لدى صنعاء بأن ما حدث هو احتلال بثوب جديد، وانتقال للمعركة من طور إلى آخر، ومن شكل إلى آخر، باعتبار أن اليمن لا يزال في حالة عدوان من قبل الأمريكي والسعودي، وأن ما يحدث في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية هو جزء من مخطط هذا العدوان، كما قال عضو المجلس السياسي الأعلى بصنعاء الدكتور عبد العزيز بن حبتور في مقابلة له على قناة “المسيرة” الجمعة الماضية.
ما يهم السعودية والإمارات من اليمن ليس الوحدة أو الانفصال، وإنما كيفية الاستحواذ على القرار اليمني، سواء أكان موحداً أو منفصلاً، والدليل على ذلك أن الإمارات، التي تضخ المليارات بسخاء دعماً لمليشيا الانتقالي التي تتبنى الدعوة نحو الانفصال، هي ذاتها التي تضخ المليارات للخائن طارق صالح عفاش المتمسك بالوحدة وبالعلم الجمهوري، في تناقض صارخ للسياسة الإماراتية، فهي مع الانفصال ومع الوحدة أيضاً.
بالنسبة للإمارات، فهي تتحرك في اليمن ضمن مخطط خطير يستهدف طرق الملاحة البحرية، خدمة للعدو الإسرائيلي الذي يطمح إلى تأسيس موطئ استراتيجي له في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والمحيط الهندي، ما يمكنه من الإشراف على أهم طرق الشحن الدولية، حيث يأتي ذلك في إطار اتفاقية التعاون البحري الموقعة بين شركات “موانئ دبي العالمية” و“دوفر تاور الإسرائيلية”، والتي جرى توقيعها بعد يوم واحد فقط من التوقيع على اتفاقيات إبراهام التي أدخلت الإمارات إلى التطبيع العلني مع كيان العدو الإسرائيلي.
أما المملكة العربية السعودية، فهي جار غير طيب لليمن منذ عقود، وقيل إن الملك سعود أوصى أبناءه بالحذر من استقرار وهدوء اليمن؛ لأن ذلك سيكون خطراً عليهم، وهي رؤية مستقبلية للملك عبد العزيز آل سعود، لأن اليمن في ظل الهدوء والاستقرار والرخاء والازدهار سيجعله يتربع مكانة مميزة في المنطقة، لما يمتلكه من مقومات اقتصادية وحضارية ودينية، وموقع استراتيجي، والسعودية تريد أن يكون اليمن تابعاً لها، ولن يتحقق ذلك إلا بإضعافه وتقسيمه، وزرع الفرقة بين أبنائه.
تخبط وعجز للخونة
وفي خضم هذه الأحداث والتطورات، فإن أدوات العدوان والخيانة، سواء من المليشيا التابعة للإمارات أو تلك التابعة للسعودية، تعيش في دوامة خطيرة جداً، فلا “الانتقالي” قادر على تحقيق “الانفصال”، ولا الإصلاح قادر على اتخاذ موقف لاستمرار الوحدة، وكلا الفريقين قرارهما مرهون بالقرار الذي تتبناه السعودية بالتحديد.
وعلى الرغم من السيطرة الكاملة لمليشيا الانتقالي على المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية، والانقسام في حكومة الخونة ما بين مؤيد للانتقالي ومعارض له، إلا أن الخائن عيدروس الزبيدي لا يجد الطريقة المناسبة للانفصال، فهو عاجز تماماً عن ذلك، وهذا ببساطة لأن القرار ليس نابعاً من إرادة جماهيرية ومن قيادة ثورية، وإنما هي خطوات تتحرك وفق ما يرسمه الاحتلال الإماراتي السعودي، ولذا تصطدم بواقع غير مرحب بهذه الخطوة، ومخاوف كبيرة من مآلاتها.
وتبقى السيناريوهات متعددة أمام هذا الواقع، فهناك السيناريو الأكثر ترجيحاً أن يتم إعادة تشكيل ما يسمى “المجلس الرئاسي”، بحيث يتم استبعاد الخائن العليمي والقيادات من حزب الإصلاح، والاكتفاء برئيس واحد، قد يكون الزبيدي، ونائب له كالخائن عفاش، مع استمرار الوضع كما هو عليه.
أما الخيار الثاني، وهو الدخول في مواجهة بين أدوات الاحتلال، فهذا مستبعد؛ لأن المعركة انتهت، والاقتتال بينهما توقف سريعاً؛ ولذا يبقى السيناريو الأخطر هو إعادة تشكيل أو تدوير مجلس الخيانة، لتحريكه نحو فتح جبهة جديدة مع صنعاء، تحت مبرر “تحرير الشمال”، وهو سيناريو يخدم في المقام الأول الكيان الصهيوني، الذي تجرع الويلات من القوات المسلحة اليمنية في معركة طوفان الأقصى، وبحث عن حلول كثيرة لإيقاف الحصار اليمني وفشل، كما فشل العدوان الأمريكي والبريطاني، ولذا تبقى هذه الخطوة في تحريك الخونة اليمنيين للقيام بعمل عسكري يأملون أن يحقق النجاح، لكنه، وبحول الله وقوته، سيكون مقدمة لكنس المرتزقة، وحماية الوحدة اليمنية من مخاطر التقسيم والانفصال.
