الخبر وما وراء الخبر

كيف أعاد اليمن رسم موازين القوة الإقليمية؟

1

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

30 أكتوبر 2025مـ 8 جماد الاول 1447هـ

تقارير || محمد ناصر حتروش

في أحدث تحرّك دبلوماسي يعكس جدية القيادة السياسية والثورية وتمسكها بخيار السلام العادل، كشف رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام عن مضمون لقائه بالمبعوث الأممي في مسقط، مؤكدًا أن البحث تركز على خارطة الطريق المتفق عليها مع العدو السعودي، وأن “الاستحقاقات الإنسانية – وفي مقدمتها صرف المرتبات ورفع القيود الاقتصادية – لا تحتمل مزيدًا من التسويف أو المماطلة”.

ووفقًا لعبد السلام، فإن التنفيذ الفعلي لبنود الخارطة هو معيار الثقة في أي مسار تفاوضي مقبل، مؤكدًا لفت نظر الأمم المتحدة إلى خطورة استمرار التعطيل في الملفات الإنسانية، مشددًا على أن “أي تسوية حقيقية تبدأ من معاناة الناس لا من حسابات السياسة”.

هذه التصريحات، التي جاءت في لحظة إقليمية مشحونة بالتحولات، مثّلت إشارة انطلاق لمرحلة جديدة من وضوح الموقف اليمني، ودفعت العديد من المراقبين – وفي مقدمتهم الناشط السياسي وسيم بزي – إلى قراءة المشهد كـ”انعطافة حقيقية في مقاربة تحالف العدوان السعودي للملف اليمني، بعد أن باتت موازين القوة تميل لصالح اليمن، سياسيًا وميدانيًا وإقليميًا على حد سواء”.

ويأتي لقاء مسقط كحلقة جديدة في سياقٍ متصل من الرسائل السياسية الواضحة التي ما فتئت القيادة الثورية والسياسية في صنعاء توجّهها تباعًا، مؤكدة من خلالها ثبات الموقف ووضوح الرؤية تجاه مسار العدوان والسلام.

فمن خطابات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، إلى تصريحات الرئيس مهدي المشاط، وصولًا إلى تحذيرات القائم بأعمال رئيس الوزراء العلامة محمد مفتاح، ثم مواقف النخب السياسية والثقافية المعبرة عن كافة الشعب اليمني، تتشكل لوحة واحدة مفادها: “زمن المراوغة انتهى، والسلام لا يكون إلا بإنهاء العدوان والحصار، واستعادة كامل الحقوق والسيادة اليمنية.”

وفي هذا السياق يقول وكيل وزارة الإعلام للعلاقات الدولية محمد منصور: “القيادة اليمنية لم تعد تتعامل مع ملف العدوان بوصفه قضية تفاوضية مفتوحة، بل بوصفه ملفًا سيُغلق لا يُدار”، مضيفًا: “زمن المماطلة والابتزاز انتهى، وأن السلام لن يكون إلا عبر إنهاء العدوان ورفع الحصار، واستعادة كامل الحقوق والسيادة اليمنية”.

وفي حديثه لقناة “المسيرة”، يؤكد منصور أن القيادة اليمنية تعمل على تعزيز التنسيق الداخلي بين جميع الجهات السياسية والإعلامية لضمان موقف موحد، مؤكدًا أن أي محاولات للضغط أو الابتزاز الاقتصادي لن تؤثر على تصميم حكومة صنعاء في حماية مصالح شعبها الوطنية، وأن الاستحقاقات الإنسانية والسياسية لن تكون رهينة المماطلة أو التفاوض المطوّل.

 

وفق مراقبين، فإن هذا الموقف يوضح تطورًا ملموسًا في العقل السياسي اليمني، من دور المتلقي للقرارات إلى دور الشريك المؤثر والمتساوي في التفاوض وصنع السياسات.

بدوره، يؤكد الناشط السياسي اللبناني وسيم بزي أن القيادة السياسية في اليمن تعتبر الملف الإنساني مقياسًا أساسيًا لمصداقية أي تفاهم سياسي، مشددًا على أن ما لم يتحقق على طاولة المفاوضات لن يُسمح بتحقيقه من خلال الضغط الاقتصادي أو الابتزاز المالي.

وفي حديثه لقناة “المسيرة”، يرى بزي أن الرياض أصبحت مدركة لتحوّل موازين الردع، وأن أهدافها الاستراتيجية باتت مكشوفة أمام القدرات اليمنية المتقدمة، سواء في دعم القضية الفلسطينية أو في السيطرة على الممرات البحرية الحيوية، مما يعكس قوة اليمن في موازين القوى الإقليمية.

ويضيف: “أي محاولة للمماطلة في تنفيذ خارطة الطريق ستقابل بتصعيد موازٍ”، مؤكدًا أن التهدئة لم تعد منحة سعودية، بل مسؤولية أممية، وأن استمرار الحصار أو تأجيل الملفات الإنسانية سيقوض فرص تحقيق سلام حقيقي ومستدام.

توافق تصريحات مختلف النخب اليمنية يترجم عمليًا تماسك الجبهة الداخلية ويعكس استراتيجيتها الواضحة، فالموقف الحالي لليمن يستند إلى ركائز ثلاثة: السيادة الكاملة على الأرض والثروات ورفض التدخلات الأجنبية واستعادة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب دون تأجيل والسلام القائم على الشراكة والمساواة وليس التبعية.

لقاء مسقط لم يكن محطة بروتوكولية عابرة، بل نقطة فاصلة أعادت رسم أطر الحوار بين صنعاء والمجتمع الدولي، فاليمن اليوم لم يعد طرفًا يُدار من الخارج، بل شريك يُحدد إيقاعه ويُعيد تشكيل أولويات التفاوض.

ومع استعداد سلطنة عُمان لجولات جديدة من الوساطات، تبرز صنعاء بموقف واثق وواضح، حيث تُدار السياسة من موقع القوة والندية، وليس من موقع الحاجة أو التبعية.

ويبقى القرار اليمني خالصًا، يرتكز على السيادة والمصلحة الوطنية، ويضع معايير السلام على أسس القوة والمصداقية لا على حساب التنازلات.

لقاء مسقط نقطة فاصلة: اليمن يضع أولويات التفاوض في قلب المعادلة