الخبر وما وراء الخبر

مفاوضات شرم الشيخ: تفاؤل عربي حذّر يصطدم بثرثرةٍ أمريكية وتصلّب صهيوني في الموقف

3

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

6 أكتوبر 2025مـ 14 ربيع الثاني 1447هـ

تتجه أنظار العالم اليوم إلى منتجع “شرم الشيخ” المصري، حيث انطلقت جولة مفاوضات حاسمة وغير مباشرة قد تضع حدًّا لحرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة منذ عامين، وسط زخمٍّ دبلوماسي تقوده أمريكا، بحضورٍ ديكوري لمن يفترض بأنَّهم وسطاء.

وفي مشهدٍ يسوده مزيج معقد من التفاؤل الحذّر والترقب العميق، تغذيه تصريحات متفائلة من واشنطن وصمت شبه مطبق من كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ بينما تظل نوايا الأطراف الراعية والوسيطة غامضة ومليئة بالشكوك، في كونها تمارس الضغط على طرفٍ دون آخر.

الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها ترامب، هي المحرك الرئيسي لهذه الجولة؛ فبعد تصريحه المبالغ فيه، يوم أمس، أمام مشاة البحرية بأنَّه على وشك “إنهاء صراع عمره ثلاثة آلاف سنة”، تتوالى التسريبات من دوائر البيت الأبيض، التي تشير إلى منسوبٍ عالٍ من التفاؤل بإمكانية تحقيق اختراق في تنفيذ “خطة ترامب”.

خطةٌ صيغ معظم بنودها داخل كيان الاحتلال ولكنها تُقدَّم اليوم كـ”خطة أمريكية”، تمنح واشنطن ثقلاً ونفوذًا كبيرين، وتشير التقديرات إلى أنَّ ترامب الباحث عن جائزة “نوبل للسلام”، والذي يسعى لإنجازٍ تاريخي، لن يسمح بإفشال المفاوضات بسبب تفاصيل صغيرة، وهو ما يعزز الآمال لدى الوسطاء من مصر وقطر وتركيا.

غير أنَّ شخصية ترامب المتقلبة ورغبته في تحقيق نصر سريع خلال “يومين أو ثلاثة” تصطدم بواقع المفاوضات المعقد؛ حيث تتوقع مصادر مسؤولة أنَّ تستمر المحادثات “بضعة أيام”، وهو ما قد يختبر صبر ترامب ومصداقيته؛ إذ يكتنف الغموض تحركات المبعوث الأمريكي “ستيف ويتكوف” الذي يبتعد عن الأضواء، تاركًا مهمة التصريح للمسؤولين في واشنطن.

في المقابل، فرض المجرم نتنياهو صمتًا إعلاميًّا على وزرائه، في خطوةٍ تكتيكية تهدف إلى احتواء الضرر الناجم عن التصريحات المتطرفة السابقة من وزراء مثل المجرمين “كاتس وبن غفير وبتسلئيل سموتريتش”، والتي هددت باستئناف الحرب فور استعادة الأسرى.

تهديدات صهيونية متطرفة، أثارت مخاوف جدّية لدى الفلسطينيين والوسطاء من “نية الغدر المبيّت” للعدوّ الإسرائيلي؛ إذ لم تكن مجرد زلة لسان، كونها صدرت من أكثر من وزير صهيوني، وبنفس اللهجة، وهو ما دفع المجرم نتنياهو إلى الدعوة لضبط الخطاب الرسمي “لتجنب نسف المفاوضات قبل أنَّ تبدأ؛ لغرضٍ في نفس يعقوب”، وفقًا لمراقبين.

داخليًّا، يواجه نتنياهو ضغوطًا هائلة من شركائه فيما يسمى “اليمين” الصهيوني المتطرف لعدم تقديم أيّة تنازلات، وقد وجه وفده المفاوض “بالالتزام الصارم بخرائط الانسحاب التي قدمتها واشنطن دون إبداء أيّة مرونة”، وهذا الموقف المتصلب يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى جدّية الكيان في التوصل إلى اتفاق يتجاوز استعادة أسراها.

ووفقًا لتسريبات إعلامية في القاهرة؛ فالنقاش يتركز حاليًّا على إنفاذ المرحلة الأولى من الخطة: “تسليم حركة حماس للأسرى الـ 48 لديها -نحو 20 منهم أحياء وفق التقديرات- مقابل وقف لإطلاق النار”، ويُنظر إلى نجاح هذه المرحلة كمؤشرٍ حاسم على إمكانية استمرار العملية التفاوضية.

لكن ما يعكّر صفوّ التفاؤل هو استمرار القصف الصهيوني على غزة، والذي أودى بحياة مئات الفلسطينيين منذ دعوة ترامب لوقفه؛ ما يطرح تساؤلات حول مدى سيطرة الإدارة الأمريكية على حليفها المتفلت، خصوصًا بعد تصريحات أمريكية أكّدت أنّه “في حال عدم التوصل إلى اتفاق ستفرض الولايات المتحدة صيغة اتفاق على الطرفين”.

بينما تدّعي هيئة البث الصهيونية أنَّ التوصل لاتفاق قد يتم في “ساعات معدودة”، تشير تقديرات أكثر واقعية داخل الكيان إلى أنَّ الإعلان قد يتأخر حتى يوم الأحد المقبل، في دلالةٍ وصفت بأّنها تتلاعب بأعصاب عائلات وذوي الأسرى الصهاينة.

في الأثناء، تبدو مفاوضات “شرم الشيخ” كسباقٍ بين الإدارة الأمريكية الطامحة لتحقيق إنجاز تاريخي، وبين الواقع المعقد على الأرض الذي تحكمه حسابات سياسية داخلية صهيونية ضيقة، وانعدام الثقة لدى الجانب الفلسطيني ناتج عن تجارب سابقة -وما الاتفاق الصهيوني اللبناني عنهم ببعيد- وهو ما عبّر عنهُ قيادي في حماس لـ “رويترز”: “لن نتخلى عن السلاح حتى انتهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية”.

في السياق، يؤكّد مراقبون أنَّ النجاح مرهون بقدرة الوسطاء على أنَّ يكون لهم دور فاعل ومؤثر في مجريات المفاوضات، لا أنَّ يكون حضورهم مجرد ديكور في القاعة التي يقود تفاصيلها ويتكوف، من خلال الضغط لكسر حالة الجمود والتصلب الأمريكي والإسرائيلي، في تقديم ضمانات حقيقية للمفاوض الفلسطيني.

عمومًا؛ فالساعات والأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة لكشف ما إذا كان التفاؤل المُعلن سيُترجم إلى اتفاق حقيقي، أم أنَّ -“صراع الثلاثة آلاف عام”- الذي تحدث عنه المعتوه ترامب سينتظر جولة أخرى من الدماء والمفاوضات، حتى الـ 3 آلاف عام القادمة، وربما إلى يوم القيامة، شاهدةً على مقاومةٍ بالسلاح للاحتلال والهيمنة والاستكبار، (وإنَّ عدّتم عــُدّنا).