الخبر وما وراء الخبر

اليمن بلد الثروات المنهوبة.. أمريكا والسعودية تصران على موصلة ذات الدور في مصادرة حقوق الشعب

21

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

24 سبتمبر 2025مـ 2 ربيع الثاني 1447هـ

كشف الخبير الاقتصادي رشيد الحداد في حديث موسع للمسيرة، عن طبيعة الثروة النفطية والغازية في اليمن ومسار نهبها منذ عقود، مؤكدًا أن الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، بالتواطؤ مع الحكومات اليمنية المتعاقبة، شكّلت شبكة معقّدة لحرمان الشعب اليمني من موارده الطبيعية، وتحويل البلاد إلى ساحة للفقر والارتهان رغم امتلاكها مقومات تجعلها في مصاف الدول الغنية.

واستعرض الحداد المراحل الأولى لاستخراج النفط في اليمن، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة سمحت للنظام السابق بالدخول في عمليات التنقيب والإنتاج خلال ثمانينيات القرن الماضي، وبالتحديد في فترة الحرب العراقية–الإيرانية، حين أرادت واشنطن تحويل المنطقة إلى سوق طاقة بديلة.

هيمنة أمريكية ونهب منظم للثروات:

وقال إن الشركات الأمريكية لا تزال حتى اليوم تتحكم في قطاعات نفطية كبرى، بينها قطاعات يتجاوز احتياطيها 600 مليون برميل، مثل القطاع 5 وغيره.

وأضاف أن السيطرة الأمريكية لم تقتصر على الإنتاج، بل شملت عملية التصدير نفسها، إذ لم يكن يُسمح حتى للكوادر اليمنية العليا بالإشراف على الشحنات أو عمليات الاعتماد، ما جعل اليمنيين مجرد متفرجين على نهب ثروتهم الوطنية.

وأوضح الحداد أن ما يسمى بـ”نفط الكلفة” كان الأداة الأبرز التي منحت الشركات الأجنبية النصيب الأكبر من العائدات، إذ جرى تضخيم التكاليف التشغيلية والإنتاجية بشكل مبالغ فيه، ليصبح نصيب اليمن هامشيًا لا يوازي حجم موارده.

وبيّن أن الشركات الأجنبية، وفي مقدمتها الأمريكية، اشترطت أن لا يقل ربحها عن 70% من العائدات، فيما تُركت فتات النسبة المتبقية للحكومات اليمنية، وهو ما رسّخ نموذجًا للنهب الممنهج.

وتابع الحداد موضحًا أن عائدات النفط والغاز لم تُترجم إلى مشاريع تنموية ملموسة، بل جرى استبدالها بقروض خارجية أثقلت كاهل البلاد.

وأشار إلى أن حجم القروض وصل إلى نحو 6.7 مليار دولار بحلول عام 2015، لافتًا إلى أن 80% من هذه القروض خُصصت لتمويل مشاريع يفترض أن تكون قائمة من عائدات الثروة الوطنية، لكن الواقع أثبت أنها كانت مشاريع متعثرة أو وهمية.

وأضاف متسائلًا: “أين هي المشاريع التي انعكست على حياة المواطن من النفط والغاز؟”، مؤكّدًا أن المواطن اليمني ظل يرزح تحت وطأة الفقر بينما الثروة تُدار لمصلحة الخارج والنخب الفاسدة.

إفقار الشعب وتعطيل الاستثمار:

وتطرّق الحداد إلى القطاعات النفطية الواعدة التي جرى تعطيلها عمدًا، مثل قطاع حرب الذي كان مقررًا افتتاحه منذ عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، قبل أن يُوقف بفعل التدخل السعودي.

كما أشار إلى تعطيل الاستثمار في قطاع تموز والجوف، معتبرًا أن هذا كان جزءًا من سياسة سعودية لإبقاء اليمن ضعيفًا وتابعًا.

ولفت إلى أن أدوات الرياض داخل اليمن، وخصوصًا عبر اللجنة الخاصة وعملائها المحليين، لعبت دورًا مباشرًا في منع استثمار هذه الحقول، بما حرم البلاد من فرص هائلة.

وقال الحداد إن الثروة في اليمن لم تُوزّع يومًا بعدالة، إذ احتكرت 5% من النخب السياسية والحزبية عوائد النفط والغاز، بينما عاش أكثر من 90% من الشعب في ظروف قاسية، يبحثون عن لقمة العيش الكريم في ظل غياب فرص العمل والخدمات الأساسية.

وأضاف أن هذا الوضع جعل الكثير من رؤوس الأموال الوطنية تهرب إلى الخارج، حيث أنشأ اليمنيون شركات وعقارات خارج بلادهم نتيجة غياب البيئة الاستثمارية المحلية واستحكام الفساد.

إلى جانب النفط والغاز، أشار الحداد إلى وجود ثروات هائلة من المعادن والذهب والرخام والحجر الجيري، مؤكّدًا أن اليمن كان يمكن أن يكون ضمن أغنى 20 دولة من حيث الاحتياطيات المعدنية لو استُثمرت بشكل صحيح.

وضرب مثالًا بمنطقة جبال المحرق التي تضم كميات هائلة من الذهب، فضلًا عن مواقع متعددة للرخام والحجر الجيري، لكن جميعها بقيت خارج دائرة الاستثمار الحقيقي بسبب الفساد والتبعية.

العملة الوطنية.. من الاستقرار إلى الانهيار:

إلى ذلك،استعرض الحداد مسار العملة الوطنية منذ الثمانينيات، مبينًا أنها كانت تساوي 8 ريالات مقابل الدولار عام 1982، قبل أن تتراجع إلى 40 ريالًا منتصف التسعينيات، ثم تتدهور أكثر بفعل السياسات المالية الكارثية، مثل طباعة كميات ضخمة من العملة في حرب صيف 1994، ثم في أحداث 2011، وهو ما أدى إلى انهيار قيمتها وتآكل القدرة الشرائية للمواطن.

ولفت إلى أن الحكومات السابقة كانت تلجأ إلى طباعة مليارات الريالات لتمويل حملاتها الانتخابية أو لسد العجز، دون أي اعتبار للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية.

وتطرق إلى حرب صيف 1994 وما خلّفته من آثار مدمرة على الاقتصاد الوطني، موضحًا أن الخسائر المباشرة بلغت 11 مليار دولار خلال 70 يومًا فقط، إضافة إلى تضخم هائل ناتج عن الطباعة النقدية، وهي أعباء ظل اليمنيون يدفعون ثمنها حتى 2014 وما بعدها.

وأكد أن كل ما كان يطرح بعد الحرب من “إصلاحات اقتصادية” لم يكن سوى محاولات لترميم نتائج تلك الحرب الكارثية التي أجهضت أي أمل في الاستقرار.

وأشار الحداد إلى أن أكثر من 200 مشروع ممول خارجيًا توقفت أو تعثرت بسبب الفساد والروتين والنهب، معتبرًا أن هذا كان انعكاسًا لطبيعة الإدارة الحكومية التي حوّلت الدولة إلى أداة لخدمة المصالح الخارجية.

وشدد على أن اليمن، رغم كل هذا الخراب، لا يزال بلدًا واعدًا بالثروات، لكنه بحاجة إلى سيادة وطنية واستثمار رشيد قادر على تحويل هذه الإمكانات إلى واقع معيش أفضل، متبعاً حديثه: “اليمن ليس بلدًا فقيرًا كما يُصوَّر، بل بلدًا غنيًا بالموارد الطبيعية والبشرية، لكن هذه الثروات نُهبت بطريقة منظمة طوال العقود الماضية، فيما حُرم الشعب من أبسط مقومات العيش الكريم”.

واختتم الحداد حديثه بالتأكيد على أنه “لو استُثمرت هذه الثروات التوظيف الأمثل، لتحول اليمن إلى بلد مزدهر، ولما عاش شعبه عقودًا من الفقر والمعاناة، ولكن الهيمنة الأمريكية والسعودية والفساد الداخلي حوّلت اليمن إلى نموذج للنهب المنظم”، منوهاً إلى أن العدوان والحصار الحاليين يهدفان إلى إبقاء هذا الواقع قائمًا ومنع أي تحرر اقتصادي حقيقي.