الخبر وما وراء الخبر

الجعدبي: الشركات الأجنبية نهبت 75% من ثروة اليمن النفطية والغازية.. الاتفاقيات أداة لسرقة الشعب

30

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

24 سبتمبر 2025مـ 2 ربيع الثاني 1447هـ

أكد الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي أن الواقع الاقتصادي لليمن قبل ثورة 21 سبتمبر كان كارثة بكل المقاييس، إذ تآكلت كل المؤشرات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، رغم أن البلاد دخلت نادي الدول المصدّرة للنفط منذ عام 1986، وانضمت إلى نادي مصدّري الغاز عام 2009 بعد أن بدأ المشروع فعليًا في 2006.

لكن، وبحسب الجعدبي، فإن هذه الثروة لم تنعكس على حياة الشعب، بل قاد سوء الإدارة والتبعية للخارج إلى انهيار العملة بما يقارب 76 ضعفًا، وهو ما يُعدّ مؤشرًا صارخًا على حجم الفساد والنهب الذي تعرضت له موارد اليمن.

ويرى الجعدبي أن أي دولة حباها الله بالثروات الطبيعية والقوة البشرية والقيادة الوطنية الصادقة، قادرة على تحقيق نهضة حقيقية، غير أن ما حدث في اليمن كان العكس تمامًا؛ إذ ارتهنت القيادة السياسية في النظام السابق للخارج والشركات الأجنبية، ومنحتها السيطرة على ثروات البلاد.

ويضرب مثالًا بالقارة الأفريقية التي تُعد أغنى قارات العالم بالثروات، لكنها تعيش الفقر بسبب العملاء والأنظمة المرتهنة، والمشهد نفسه تكرر في العالم العربي، خصوصًا في الدول النفطية الخليجية التي تعلن عجزًا في الموازنات رغم امتلاكها احتياطيات هائلة، وهو ما يراه الجعدبي نموذجًا لنهب الثروات وتكبيل الشعوب.

ويكشف الجعدبي أن اليمن صدّرت خلال العقود الماضية حوالي مليارين و900 مليون برميل من النفط، لكن العائدات لم تذهب للشعب كما كان مفترضًا، فوفق اتفاقيات المشاركة بالإنتاج كان من المفترض أن تحصل اليمن على 75% من الإيرادات مقابل 25% للشركات الأجنبية.

لكن الواقع كان معكوسًا تمامًا؛ إذ ذهبت 75% من العائدات إلى الشركات الأجنبية، بينما لم يتبقَّ للشعب اليمني سوى 25% فقط.

السبب وراء ذلك –كما يوضح الجعدبي– هو التلاعب باتفاقيات النفط عبر ما يسمى بـ”نفط الكلفة”، حيث حُسبت معظم التكاليف التشغيلية المبالغ فيها لصالح الشركات، ما جعلها المستفيد الأكبر.

ويضيف أن شركات أمريكية وفرنسية وكورية، بل وأخرى بواجهة “إسرائيلية”، كانت المتحكم الفعلي بالقطاع النفطي، بينما لعب مسؤولون محليون ومكاتب محاسبة يمنية وأجنبية دور الغطاء القانوني لنهب الثروات.

ويتحدث الجعدبي باستفاضة عن مشروع الغاز اليمني المسال الذي بدأ تصديره عام 2009، معتبرًا أن الشركات الفرنسية والأمريكية والكورية الجنوبية كانت المستفيد الأكبر منه.

ويشير إلى أن كلفة استخراج البرميل الواحد من النفط في اليمن لم تكن تتجاوز 13 دولارًا في أسوأ الظروف، ومع ذلك كانت الشركات الأجنبية تبيع النفط اليمني بسعر خام برنت في الأسواق العالمية، بينما تُبقي الفوائد الحقيقية خارج حسابات الخزينة اليمنية.

ويكشف أن الدعم “الوهمي” للمشتقات النفطية كان وسيلة أخرى للنهب، حيث كان يُعلن عن دعم يصل إلى 3 مليارات دولار سنويًا، بينما في الواقع كانت هذه الأموال تختفي ضمن صفقات فساد منظم.

وبحسب الجعدبي، فإن الفارق بين ما كانت تُسجله الخزينة اليمنية من عائدات وبين الأرقام الحقيقية في الأسواق العالمية كان شاسعًا.

ويتابع حديثه قائلاً: “فعلى سبيل المثال: في 2010 دخلت إلى خزانة الدولة نحو 3 مليارات دولار فقط من إيرادات النفط، بينما تؤكد البيانات العالمية أن الصادرات بلغت حوالي 7 مليارات دولار، أي أن هناك 4 مليارات دولار كانت تُخفى سنويًا، إضافة إلى 3 مليارات دولار من الغاز المنهوبة، و3 مليارات دولار من الدعم الوهمي، لتصل الفجوة إلى نحو 10 مليارات دولار سنويًا كانت تُنهب من الشعب اليمني”.

ويشير الجعدبي إلى أن توقيع النظام السابق مع السعودية على اتفاقيات نجران وعسير وجيزان أدى إلى انخفاض الإنتاج النفطي من 500 ألف برميل يوميًا إلى 178 ألفًا في 2013.

ويرى أن ذلك كان نتيجة مباشرة للتبعية السياسية والعمالة، حيث لعبت السعودية دورًا رئيسيًا في التحكم بالقرار الاقتصادي اليمني.

ويصف الجعدبي الفساد في قطاع النفط والغاز بأنه كان منظمًا وممنهجًا على مدى 25 عامًا، شاركت فيه شركات أجنبية، ومسؤولون محليون، ومكاتب محاسبة، وحتى بعض الأجهزة الحكومية.

ويقول: “تخيّل أن وزارة النفط عند استلامها القطاعات لم تجد سوى مخازن فارغة ومعدات مستأجرة، بينما كانت الشركات الأجنبية قد رحلت بالمعدات الحقيقية”.

ويؤكد الجعدبي أن ثورة 21 سبتمبر جاءت لتضع حدًا لهذا النهب، مشددًا على ضرورة تشكيل هيئة وطنية لاستعادة الأموال المنهوبة، ومراجعة جميع الاتفاقيات النفطية والغازية، ورفع دعاوى قانونية ضد الشركات الأجنبية التي نهبت اليمن، بالإضافة إلى محاسبة العملاء المحليين الذين غطوا على هذا الفساد.

ويحذر من أن استمرار تجاهل هذه القضايا سيُشكّل خطرًا على الأجيال القادمة، داعيًا إلى خطوات عاجلة لحماية ما تبقى من الثروات.

وبهذه المعطيات والأرقام، تكشف تصريحات الجعدبي أن الاقتصاد اليمني لم يسقط بالصدفة، بل أُسقط عمدًا عبر تحالف بين الشركات الأجنبية والأنظمة العميلة؛ فالفجوة بين الأرقام الرسمية والعالمية، وانهيار العملة، والدعم الوهمي، كلها دلائل على أن اليمن كان يُدار كـ”مزرعة” للشركات لا كدولة ذات سيادة.

ورغم أن ثورة 21 سبتمبر أغلقت الباب أمام الكثير من هذا النهب، إلا أن التحدي الأكبر اليوم –بحسب قراءة الجعدبي– هو تحويل هذا الوعي إلى إجراءات قانونية ودبلوماسية صارمة، تعيد الأموال المنهوبة وتحمي الثروة الوطنية، بما يضمن للشعب اليمني أن يعيش على خيرات بلاده لا على الفتات.