الأمريكي يمسكُ بالفتيل اللبناني والكيان يترقّب الغنيمة.. بلدًا كان منيعًا
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
10 أغسطس 2025مـ – 16 صفر 1447هـ
ظل الرأي العام اللبناني يفخرُ علنًا وفي قبولٍ تلقائي بمكانة حزب الله كجزءٍ من ثلاثية “الشعب والجيش والمقاومة”، ثلاثية كانت ولا تزالُ تضفي شرعيةً على سلاح المقاومة كجزءٍ لا يتجزأ من سيادة لبنان، وما بعد معركة “طوفان الأقصى”، ومعركة “أولي البأس” تولّت أمريكا مهمة ما فشل فيه العدو بالحرب بتحريك أتباعها في الداخل ليتناغموا والعدو في هدفه إنهاء المقاومة، بدءًا بنزع سلاحها.
وتساوقًا مع الرؤية الصهيوأمريكية، تصرّ الحكومة اللبنانية بخطوات تتخذها حَـاليًّا بشأن سلاح المقاومة، على معاكسة رؤية الشارع اللبناني وكسر هذه “الثلاثية” في وعيّه؛ كونها تنكر علنًا دورَ المقاومة كقوةٍ عسكريةٍ ضروريةٍ لأمن لبنان وحماية سيادته أمام الطامع المتربص على الحدود.
لبنان ولج طورًا غامضًا وخطيرًا، بعدما انكشفت خيوط خطة أمريكية مُحكمة، مدعومة بتمويلٍ خليجي سخيّ، هدفُها تجريد المقاومة الإسلامية من سلاحها وتفكيك بنيتها العسكرية، في أكبر محاولةٍ منذ عقودٍ لاختراق معادلة الردع التي حمت وتحمي لبنان من مشاريع الغزو الصهيوني.
الخطة التي أطلق عليها في الأوساط الدبلوماسية اسم “الخطة الأمريكية”، جاءت كمشروعٍ سياسي – أمني متكامل، بمراحل زمنية مدروسة تنتهي في 31 ديسمبر 2025م، ووعود اقتصادية ومساعدات وإعادة إعمار جميعها مشروطة؛ مقابل تسليم سلاح المقاومة.
وحتى وقتٍ قريب ورغم الأزمات المختلفة التي كانت تعصفُ به، ظل لبنان يكافح إملاءات السفارة الأمريكية، وكان في كثير من الأحوال يأنف الخضوع العلني؛ لكن ومنذ لحظة إقرار “الخطة الأمريكية” الجديدة؛ بات السؤال: هل تحوّل لبنان فعلًا إلى ساحة نفوذ أمريكية – إسرائيلية – خليجية مكشوفة وعلنية؟
وفقًا للمعطيات؛ فَــإنَّ الولايات المتحدة لم تكتفِ بإخراج الخطة من أدراج مراكز أبحاثها وإعلانها؛ بل أوكلت إلى مبعوثها “طوم باراك” مهمة الإنذار الأخير: إما أن “تنزع الحكومة اللبنانية سلاح حزب الله بالكامل، أَو تتوقف المساعدات، وتُترك البلاد فريسة الانهيار”، والتهديد بمنح العدوّ الإسرائيلي حرية الاستباحة للأراضي اللبنانية.
إنذارٌ لم يكن بريئًا -بحسب مراقبين- بل جاء متزامنًا مع تحَرّكاتٍ لوفود خليجية زارت بيروت تحت غطاء تقديم “المساعدات وعرض الخدمات”؛ بينما في الواقع تحمل مشاريعَ تمويلية لشراء الولاءات السياسية والإعلامية، وضمان تمرير الخطة بلا مقاومةٍ سياسية وشعبيّة واسعة.
حزب الله، الذي يواجه منذ الحرب العدوانية الأخيرة ضغوطًا غير مسبوقة، عقبَ اغتيالات طالت قياداته وتدمير لمراكز حيوية وخسارة شريان الدعم المباشر من محور المقاومة، عبر سوريا؛ يدرك أن واشنطن تراهن على إنهاكه الداخلي لإتمام الانقلاب السيادي في بيروت، بدماء لبنانية وأموال عربية وسلاح أمريكي.
ومع ذلك، جاءت تصريحات الأمين العام الشيخ نعيم قاسم لتؤكّـد أن “قرار نزع السلاح يُعد خضوعًا فاضحًا لإملاءات (أمريكية – إسرائيلية)”، وأن الحزب سيتعامل معه كأنه “غير موجود”، مع الاحتفاظ بحق الردّ في التوقيت الذي يراه مناسبًا.
داخلَ الكيان الصهيوني، يُقرأ هذا المشهد بقلقٍ متصاعد؛ فالتجربة التاريخية تقول إن أية محاولة لكسر شوكة المقاومة تولد انفجارًا غير محسوب، وإن الضغط على حزب الله قد يدفعُه لقلب الطاولة عسكريًّا، لا في الجنوب فقط؛ بل في العمق الفلسطيني المحتلّ، مستفيدًا من جبهة غزة التي لا تزال مشتعلة وبيئة إقليمية تغلي.
التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية المسرَّبة تتحدث عن مخاوفَ من أن يؤديَ فشلُ الخطة الأمريكية إلى توحيدِ الجبهات ضد الكيان، بما في ذلك عمليات بحرية وبعيدة المدى من اليمن والعراق وإيران، وهو ما يفسر الإصرارَ الأمريكي على فرض جدول زمني ضاغط؛ حفاظًا على عدم تتغير قواعد الاشتباك لموازين القوى الإقليمية.
لكن الأخطر أن الحكومة اللبنانية والتي تمثل الشرعية –بدعمٍ من دول التطبيع الخليجي– تُقامر بمستقبل السيادة الوطنية، وتفتح الباب أمام تفكيك آخر خطوط الدفاع عن البلاد، في وقتٍ لا تزال قوات العدوّ الإسرائيلي تحتل خمسة مواقع لبنانية وتقصف أهدافا مدنية بلا رادع من هذه الحكومة أَو حتى بيان.
تناقضٌ يفضح زيفَ الادِّعاء بأن الخطة تهدفُ لحماية لبنان السيادية، بينما هي في جوهرها مشروع لإسقاطه في حضن المحور (الأمريكي – الإسرائيلي)، الخياني للقضية الفلسطينية، إسهاما بتنفيذ المشروع التوسعي الصهيوني.
ووفقًا للمؤشرات؛ فَــإنَّ لبنان بات أمام مواجهة سياسية داخلية، ربما تتحول إلى معركة هُوية ومصير، تُحاك خيوطها من “واشنطن وتل أبيب وعواصم خليجية”، وتنتظر لحظة الانقضاض على ما تبقى من قوة ردع عربية حقيقية شمالي فلسطين المحتلّة.
الكيانُ الصهيوني إذ يترقَّب اليوم، سقوطَ جدار المقاومة في لبنان معوِّلًا على حكومة “نواف سلام” وبعض القوى الداخلية؛ يدرك أن فشلَ تمرير “الخطة الأمريكية” سيعني ارتدادَ السهم نحو صدره، وإشعال مواجهة ستعيد خلطَ أوراق المنطقة بأسرها.