الخبر وما وراء الخبر

معاناة اليمنيين في الحدود مع السعوديّة.. مأساة منسية

2

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
2 أغسطس 2025مـ – 8 صفر 1447هـ

تقريــر || إبراهيم يحيى الديلمي

تتصدّر جرائمُ الجيش السعوديّ في الحدود اليمنية مع المملكة المشهدَ؛ فالحدودُ لم تعد مُجَـرّد خط يفصل بين بلدَينِ فحسب، وإنما أصبحت جرحًا ينزفُ وذاكرةً تئن، وهناك تتشابَكُ الأماني والأوجاع، وتبكي الأرضُ من قسوة ووحشية الجنود السعوديّين ضد المسافرين والسكان اليمنيين في تلك المناطق.

الجرائم هناك، في الحدود، تُرتكَبُ في وضح النهار، وكل نقطة دم تُراق تكشف عن حكاية لم تُروَ بعدُ، حكاية مواطنين أبرياء لا ذنب لهم سوى البحث عن مصدر رزق لهم ولذويهم.

وفي واحدة من المشاهد القاسية والجرائم العبثية للجيش السعوديّ، لا تزالُ جريمة تعذيب مواطنين بالحرق والجلد، التي وقعت الأسبوعَ الماضي، عالقةً في ذاكرة اليمنيين؛ فحين ظفر الجنودُ السعوديّون بثلاثة مواطنين يمنيين كانوا في طريقهم نحوَ المملكة بحثًا عن عمل، تم التنكيلُ بهم بقسوة ووحشية غير مسبوقة.

تعرّض الضحايا، وعددهم ثلاثة، من أبناء مديريتَي الظاهر وحيدان بمحافظة صعدة، للتعذيب الوحشي عن طريق الجلد وحرق جلودهم بالحديد؛ ما أَدَّى إلى استشهادِ أحدهم، ونُقل الآخرانِ إلى المستشفى لتلقّي العلاج، وهما في حالة صحية ونفسية سيئة ومتعبة.

ومنذ العدوان السعوديّ الأمريكي على اليمن في 26 مارس 2015م، تتصاعدُ جرائم الجيش السعوديّ على الحدود مع المملكة، حَيثُ يلجأ الجنودُ إلى إطلاق النار الحي على المسافرين، إضافة إلى إطلاق قذائف المدفعية والهاون على منازل المواطنين في الحدود.

وتُظهِرُ الاعتداءاتُ المُستمرّة على المدنيين نموذجًا صارخًا لانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني؛ فمنذ عام 2017م، أصبحت الهجمات ممنهجة ومتكرّرة؛ ما أَدَّى إلى استشهاد المئات وتدمير واسع للبنية الاجتماعية والاقتصادية في تلك المناطق.

وقد نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش في أغسطُس 2023 تقريرًا اتهمت فيه حرس الحدود السعوديّ بقتل العديد من اليمنيين ومئات المهاجرين الإثيوبيين الذين حاولوا عبور الحدود، باستخدام أسلحة نارية مباشرة وقذائف مدفعية.

المنظمة وصفت ما يحدث بأنه قد يرقى إلى “جرائم ضد الإنسانية”، وبيّنت أن أساليبَ القتل قد تنوّعت بين استخدام المدفعية التي تستهدف التجمعات البشرية في المناطق الجبلية الحدودية، وبين إطلاق النار العشوائي على المهاجرين عند الاقتراب من السياج الحدودي، مشيرة إلى أن عددًا من المهاجرين الذين نجوا، أدلوا بشهادات تفيدُ بأن الجثث كانت تُترَكُ في العراء، وأن بعضَهم أُصيب بإعاقات دائمة.

وبالنسبة للقصف المدفعي العشوائي المتكرّر، الذي يستهدف به العدوّ السعوديّ مناطق حدودية مأهولة تقع في نطاق محافظة صعدة، مثل رازح ومنَبِّه وشِدَا وقطابر وغيرها؛ فلا يزال مُستمرًّا إلى يومنا هذا؛ حَيثُ لا تزال تلك المناطق تتعرض للاعتداء والقصف بين الحين والآخر، وكان آخرها اعتداء جيش العدوّ السعوديّ واستهدافه سكان المناطق الحدودية في منطقة آل ثابت بمديرية قطابر الحدودية بمحافظة صعدةَ؛ ما أسفر عن إصابة ثلاثة مواطنين.

ولم يكتفِ العدوُّ السعوديّ بالقصف المدفعي العشوائي المتكرّر، بل قام باستهدافِ أسواق شعبيّة، ومنازل مدنيين، ومزارعَ، وفي عدة حالات تم استهدافُ سيارات إسعاف وفِرَق إنقاذ أثناء عمليات الإغاثة، ناهيك عن تجاوزه كُـلّ ذلك إلى القيام بالاعتقالات التعسفية والتعذيب في مراكز احتجاز سعوديّة؛ حَيثُ تعرّض عشراتُ اليمنيين الذين دخلوا المملكة بحثًا عن فرص عمل أَو للعلاج للاعتقال في مراكز احتجاز سيئة السمعة مثل مركز الشميسي.

وتؤكّـد تقارير لمنظمة العفو الدولية وجود تعذيب جسدي ونفسي، من بينها الضرب المبرح، والحرمان من الطعام، والعزل الانفرادي.

من جانبه، وثّق مكتبُ حقوق الإنسان في صعدة، وتقاريرُ لعدة منظمات حقوقية وأممية، استشهاد 1383 مواطنًا، بينهم مهاجرون أفارقة، فيما أُصيب 3012 آخرون، بين عامَي 2017 – 2024.

وتُقابَلُ كُـلُّ هذه الاعتداءات بصمت مريب من قبل حكومة المرتزِقة القابعة في الرياض منذ بداية العدوان؛ حَيثُ لم تُكلّف نفسَها عناءَ إصدار إدانة رسمية حاسمة لتلك الانتهاكات والاعتداءات؛ بسَببِ ارتهانها للمال السعوديّ.

من جهتها، تطالبُ الأممُ المتحدة مرارًا بالتحقيق في “تقاريرَ أممية وحقوقية موثوقة” عن انتهاكات جسيمة على الحدود، حَيثُ وصفت لجنة الخبراء الدوليين بشأن اليمن الوضع بـ”الحرج”، ودعت إلى تحقيق دولي مستقل في سلوك القوات السعوديّة.

كما أكّـدت منظماتٌ حقوقية أن هذه الممارسات ترقَى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتستلزم محاسبة قانونية دولية فورية.

في المقابل، تُقابِلُ حكومة صنعاء هذه الاعتداءات بالاستنكار والشجب، مؤكّـدة أن الجرائم والانتهاكات السعوديّة بحق المواطنين وممتلكاتهم في المناطق الحدودية بمحافظة صعدة لم تتوقف يومًا واحدًا، حتى خلال ما سُمِّيَ بمرحلة “خفض التصعيد”.

وبحسب بيان سابق لوزارة حقوق الإنسان في حكومة الإنقاذ الوطني؛ فَــإنَّ الاعتداءات الإجرامية المتكرّرة على المناطق الحدودية منذ بداية مرحلة “خفض التصعيد” أَدَّت إلى استشهاد وإصابة ما يقارب ثلاثة آلاف مدني، وذلك في سياق استمرار العدوان السعوديّ على اليمن، الذي تسبّب في مقتل وجرح الآلاف من المدنيين، وتدمير البنية التحتية في مختلف أنحاء البلاد.

ويتطلّب الوضعُ في الحدود اليمنية مع السعوديّة تحَرُّكًا جادًّا من المجتمع الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان، والجهات القضائية المختصة، لوقف الاعتداءات، والتحقيق فيها بشكل مستقل، ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان كرامة وسيادة الإنسان اليمني على ترابه.