إعدام أحمد علي صفارة إنذار .. الخيانة لا تصنع زعامة .. وعملاء الداخل إلى السجون لا إلى السلطة
ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
2 أغسطس 2025مـ – 8 صفر 1447هـ
بقلم // عبدالحافظ معجب
لم يكن في يوم من الأيام غازٍ أو محتل قادراً على اجتياح بلد أو تقويض سيادته دون أن يكون له أدوات داخلية تُمهّد له الطريق، وتسبقه في فتح الأبواب، وتوفر له الغطاء السياسي والمجتمعي، وتعينه على تنفيذ مخططاته.
لم يكن السيف الأجنبي وحده كافياً، بل دائماً ما سبقه خنجر محلي يُغرس في خاصرة الوطن من الداخل. وهذا ما أكده التاريخ مراراً وتكراراً في مختلف بقاع العالم، حيث لعب العملاء والخونة دوراً محورياً في كل كارثة وطنية أو استعمار أجنبي.
لقد سجل التاريخ في ذاكرته وصفحاته السوداء أسماء أحزاب وجماعات وقيادات باعت أوطانها بثمن بخس، وتحولت إلى أبواق للمحتلين، لا فرق بين من رفع السلاح في وجه شعبه، ومن مهّد الطريق للعدو بالذريعة والموقف السياسي والإعلامي، وكلهم في خانة واحدة من الخيانة الوطنية.
ففي العراق مثلاً، لعبت بعض الفصائل السياسية والمنظمات “المعارضة” دوراً خطيراً في تمهيد الطريق للاحتلال الأمريكي عام 2003، ورأينا قيادات عراقية، ممن كانوا يزعمون الوطنية، يعودون على متن الدبابات الأمريكية ويجلسون على كراسي الحكم، بينما كانت البلاد تحترق. وفي ليبيا، فتحت جماعات داخلية أبواب البلاد للناتو لتدمير الدولة الليبية بذريعة “التحرير”، فانتهت البلاد إلى حالة فوضى وانهيار شامل.
وفي سورية، عملت أطراف داخلية على استدعاء الخارج والتنسيق مع قوى إقليمية ودولية لتقسيم البلاد وتمزيقها طائفياً ومناطقياً، والنتيجة ما نراه يومياً من الساحل الى السويداء ودمشق وريفها.
اليمن لم يكن استثناءً من هذه القاعدة المأساوية، بل يمكن القول بأنه بات نموذجاً حياً ومعاصراً لكيفية اشتغال منظومة العمالة في الداخل، وكيف يسهم الخائن المحلي في تنفيذ مخططات الخارج مقابل وعود زائفة ومصالح آنية.
فمنذ بداية العدوان، الذي مضى عليه أكثر من عقد، انقسمت أدوات العدوان في الداخل اليمني إلى فئتين رئيسيتين: الفئة الأولى أعلنت خيانتها بلا مواربة، وجاهرت بارتباطها بالمعتدين، فمارست التحريض الإعلامي والسياسي من عواصم العدوان، وشاركت بشكل مباشر في العمليات العسكرية التي استهدفت أبناء شعبها من معسكرات السعودية على الحدود، أو من المعسكرات التي موّلتها ودرّبتها الإمارات والسعودية في مأرب والساحل الغربي وبعض محافظات الجنوب المحتل.
هذه الفئة لا تخجل من عمالتها، بل تحاول أن تبررها بأنها “مصلحة وطنية” أو “خلاص لليمن”؛ لكن الحقيقة أنها ارتضت أن تتحول إلى أداة رخيصة في مشروع تدمير اليمن وتقسيمه ونهب ثرواته.
أما الفئة الثانية فهي الأكثر خطورة؛ لأنها تحترف التمويه والتخفي، وتُجيد اللعب على الحبال، حيث اختار العدو إبقاءها في الداخل لتعمل كأوراق استخبارية مرحلية، تُستخدم حسب الضرورة وفي توقيتات دقيقة.
هذه الفئة تتظاهر بالوطنية والانتماء، وتختبئ خلف شعارات الشراكة والدولة المدنية والديمقراطية، والبعض منها للأسف استطاع التوغل داخل الدولة والأنصار وتمكن من الوصول إلى مناصب عليا في الدولة؛ لكنه في الحقيقة يُمارس التحريض ضد الدولة، ويثير الفتن، ويشيع الشائعات، ويُربك المشهد السياسي والاجتماعي، في محاولة لاستنزاف صمود الدولة وضرب الجبهة الداخلية.
وقد كانت فتنة ديسمبر 2017 واحدة من أولى محطات كشف هذه الأوراق، حين ظهر رأس الخيانة، مدعوماً بمخطط خارجي مُحكم، محاولاً إسقاط العاصمة من الداخل، بالتواطؤ مع تحالف العدوان. إلا أن يقظة الأجهزة الأمنية وحكمة القيادة الثورية أجهضت هذا المخطط، وانتهت الفتنة بمصرع الخائن وفضح الخطة التي كانت تحاك في الظلام.
بعد تلك الأحداث، لجأ العدو إلى إخفاء ما تبقى من أوراقه، والتشبيك بينها وبين قيادات الخارج، بعناوين مختلفة؛ غير أن الاستراتيجية لم تتغير، بل استمر العمل على اختراق الدولة والمجتمع، بزرع عناصر انغماسية تتصدر الإعلام الوطني والفعاليات الرسمية والمجتمعية، وتتقن خطاب الوطنية بينما تعمل ضدها ليل نهار.
تلك العناصر تجدها في كل محفل؛ إلا في ميادين الشرف. لا تراهم في جبهات القتال، ولا في ساحات التضامن مع قضايا الأمة وعلى رأسها غزة؛ لكنهم لا يتخلفون عن حضور مآدب وولائم الأعراس، ومجالس ومحافل العزاء، حيث يحاولون إثبات حضورهم وادعاء أنهم يمثلون “الأغلبية”.
والحقيقة أنهم قلة محدودة فقدت وزنها وتأثيرها، وتعيش على أوهام الماضي، وتتغذى على الفساد والمصالح الضيقة، وهم اليوم تحت أعين الأجهزة الأمنية، التي ترصدهم وتوثق كل خطواتهم السرية والعلنية والمموهة، لتكتمل ملفاتهم ويحين وقت الحساب.
أبرز هؤلاء من لا يزال يحلم بدور سياسي في المستقبل القريب، معتقداً أن انخراطه في المشاريع التخريبية سيدخله إلى السلطة من بوابة التآمر، وهم في غفلة تامة عن حقيقة أنهم مكشوفون بالكامل، وأن بوصلة الأجهزة الأمنية تتابعهم لحظة بلحظة.
إن حكم المحكمة العسكرية بإعدام الخائن العميل أحمد علي عبدالله صالح لم يكن إلا رسالة مباشرة وقوية لكل من لا يزال يتوهم أن بوسعه العبث بمصير الوطن من الداخل، بأن لا حصانة لأحد، وأن العقاب آتٍ لا محالة.
في هذا السياق، فإن الأيام القادمة، لاسيما بالتزامن مع ذكرى المولد النبوي الشريف وذكرى ثورة سبتمبر، ستشهد تحولات كبيرة وملموسة في المشهد السياسي والأمني، وسيتم خلالها إسقاط أوراق جديدة من أوراق الرهان على الخارج، وسيتم إعلان مخططات سقطت وسقط المتورطون بها قبل اكتمال مهمتهم، وستبرز مؤشرات حاسمة إلى التمكين لجبهة الحق، التي صمدت طيلة عقد كامل رغم التحديات والمؤامرات.
إن النصر لا يأتي إلا بعد تطهير الداخل من الخونة والعملاء، وهذه سُنَّة إلهية لا تتبدل، وقد آن أوان تصفية الحساب مع أدوات العدوان في الداخل، الذين شكلوا لعقد من الزمن أخطر عائق أمام تحقق النصر الكامل.
السؤال الجوهري اليوم أمام هؤلاء: هل سيتداركون أنفسهم قبل فوات الأوان؟! هل سيفتحون صفحة جديدة مبنية على التوبة والعودة الصادقة إلى حضن الوطن، ويستثمرون ما تبقى أمامهم من كرم القيادة وسعة صدرها؟! أم أنهم سيواصلون أحلامهم الغبية، حتى يسقطوا تباعاً تحت ثقل خيانتهم، ويكونوا عبرة لمن بعدهم؟!
في كل الأحوال، الرصد مستمر، والعدالة قادمة، وما النصر إلا صبر ساعة، وسيأتي بإذن الله اليوم الذي تُطهَّر فيه الأرض من رجس كل الخونة، وتعلو فيه راية السيادة اليمنية خالصة من كل شوائب الارتزاق والتبعية.