اليمن يجدد العهد لغزة: رسائل المشاط.. بين السطور وخلف التصريحات
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
19 يونيو 2025مـ 23 ذي الحجة 1446هـ
في سياقٍ دموي متصاعد وحصار خانق تعيشه غزة منذ عشرين شهرًا، جاءت تصريحات المشير الركن مهدي محمد المشاط، لتعيد التأكيد –بل التثبيت– على موقف استراتيجي غير قابل للمساومة.
وقال رئيس المجلس السياسي الأعلى، القائد العام للقوات المسلحة اليمنية: إن “عملياتنا المساندة لغزة لن تتوقف، مهما كان حجم التضحيات”.
عبارةٌ اختزلت في مضامينها كلّ معاني الوفاء والنصرة، والتي يمكن قراءتها كبندٍ صلب في عقيدة الردع العسكرية التي فرضتها اليمن في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، وفي إطار معادلة المواجهة ضد كيان العدوّ الإسرائيلي، وضمن معركة طوفان الأقصى البطولية
أولًا: ثبات الموقف اليمني.. من التعاطف الإنساني إلى الالتزام العسكري
تصريحات الرئيس المشاط لم تكن تكرارًا للغة التضامن المعهودة عربيًّا؛ بل تأكيدًا على “استمرارية العمليات الميدانية”، وهذا ما يكشف تحولًا نوعيًّا في طبيعة الدعم اليمني لفلسطين، من حالة الدعم الرمزي إلى الفعل المسلح، المنهجي، والمؤثر استراتيجيًّا.
الإشارة إلى أن “عملياتنا المساندة لغزة لن تتوقف” تتعدى دلالة الالتزام، لتصل إلى رسم سياسة مفتوحة الأمد تجاه كيان العدوّ؛ ما يعني أن وقف العمليات مرهون فقط بتحقق هدفين محددين: “وقف العدوان ورفع الحصار”.
ثانيًا: الأبعاد الإقليمية.. كسر العزلة وتثبيت دور اليمن كلاعبٍ رئيس
حديثٌ لا يُقرأ بمعزلٍ عن السياق الإقليمي الذي تحاول بعض الأطراف عزله عن القضية الفلسطينية؛ فمن خلال تأكيده على استمرار العمليات “مهما كان حجم التضحيات”، يرسم الرئيس المشاط خطًا فاصلًا بين محورين: محور التخاذل والتواطؤ، الذي وصفه بأنه “يخزي المتخاذلين ويذل المجرمين”، ومحور الفعل والتضحية، حيثُ وضع اليمن نفسه في مقدمة قائمة الفاعلين.
هذا التقسيم يعكس توجهًا استراتيجيًّا لإعادة تعريف التموضع اليمني، كطرفٍ فاعل في معادلات ردع إقليمية كبرى، بدأت بالإسناد البعيد وقد تنتهي بالانغماس الكامل في ميدان المواجهة التي أعدت له صنعاء العدة اللازمة.
ثالثًا: الرسائل المزدوجة.. نداء إنساني بلسانٍ عسكري
لم يكن وصف الرئيس المشاط لما يحدث في غزة بـ “العدوان الصهيوني الإجرامي” و”التجويع وامتهان الكرامة والإنسانية” مجرد بلاغة لغوية؛ بل يهدف إلى تثوير البعد الأخلاقي للقضية، ودفع الأطراف الدولية والمجتمعات الحرة إلى تحرّكٍ فعلي.
ولكن بالتوازي؛ فإن لغة الخطاب لم تتخلَّ عن أدوات القوة؛ فالدعوة لـ “موقف عملي لرفض جرائم العدوّ” ليست دعوة للاعتصام أو إصدار بيانات؛ بل تحفيز علني لانخراط غربي إسلامي شعبي ورسمي أوسع في المقاومة الفعلية.
رابعًا: التوقيت.. تزامن محسوب وليس عبثًا
جاءت تصريحات الرئيس المشاط في لحظةٍ مفصلية، الكيان الصهيوني في حالة تخبط داخلي واستراتيجي، وأهلنا في غزة يتعرضون لأبشع المجازر وسط صمت عالمي، والتحالفات تتغير، والمعادلات العسكرية يتم إعادة كتابتها.
إذن فتصريحه إعلان استمرارية الدور والواجب الديني والأخلاقي والإنساني، والاستعداد العالي لدفع الثمن، في وقتٍ تعيد فيه دول المنطقة حساباتها بعين على الداخل وعين على واشنطن.
خامسًا: “نصرٌ من الله”.. بين الإيمان والعقيدة القتالية
خاتمة الرئيس المشاط التي جاءت بصيغة إيمانية: “نصرٌ من الله سيأتي قريبًا…”، ليست مجرد تعبير ديني؛ بل تعكس عقيدة قتالية تجمع بين الروح التعبوية والثقة الاستراتيجية، وهي العقيدة ذاتها التي انتهجتها صنعاء في بناء قوتها البرية والصاروخية والبحرية، والتي أثبتت فاعليتها في تأديب الأعداء وتغيير قواعد الاشتباك.
تصريحات الرئيس المشاط تمثّل إعادة تثبيت رسمية لثوابت استراتيجية في السياسة اليمنية المستمرة، المتمثلة بالدعم لغزة لم يعد ورقة تضامن، بل جبهة قتال مفتوحة ومتصاعدة.
اليمن لا تتحدث من موقع رمزي، بل من موقع الفعل الميداني القادر على قلب المعادلات؛ والرسالة للعدو، لا أمن لكم في البحر أو الجو أو البر ما دامت غزة تُذبح، والرسالة للأصدقاء، من أراد أن يكون في صف الإنسانية فعليه أن يتحرك، لا أن يراقب.
في النهاية؛ فإن كلمة “عهدًا لكم” التي افتتح بها الرئيس المشاط تصريحه، ليست وعدًا خطابيًّا؛ بل توقيع ميداني من اليمن الثائر الحر على استمرار المعركة حتى النهاية؛ وإنهُ لجهاد نصر أو استشهاد.