ترامب ونتنياهو: مصالح متضاربة أم متشابكة في مفاوضات إيران؟
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
24 مايو 2025مـ – 26 ذي القعدوة 1446هـ
تقاريــر || إبراهيم العنسي
يعود مشهدُ التصعيد الأمريكي بوجه إيران، من بوابة كَيانِ العدوّ (إسرائيل).. ما يتم تسريبُه اليومَ يسيرُ في طريق ما تحاول واشنطن استغلاله لإحداث ثغرة في ثوابت طهران التفاوضية.
تستند أمريكا على افتراضات تقول إن إيران بحالة ضَعف بعد سقوط النظام السوري، وتوقف جبهة لبنان المقاومة، وتدمير قطاع غزة، أَو ما تفترض أنه ضَعفُ محور المقاومة؛ رغم أن المحور ذاته هو الذي يقود أمريكا اليوم للنكوص على عقبَيها، وإن تعرَّض لبعض الضربات الموجِعة.
أمام هذه الافتراضات ينظر فريق ترامب -رغم أنه لا يميل إلى استخدام القوة في هذا الظرف وهذه المرحلة- إلى أن هناك حاجةً لإيصال إيران إلى الوضع المرهق جِـدًّا في المفاوضات، بالتوازي مع استمرار التلويح باستخدام القوة العسكرية واستمرار سياسة العقوبات القصوى، فالواضح أن لا خيارات أُخرى جدية غير الاتّفاق والتهدئة في الوقت الراهن.
مقابل هذا، كان هناك استباق غير واثق في جدية واشنطن، وإدارة ترامب للسير نحو اتّفاق، ذلك الاستباق يستند على إلغاء اتّفاق 2015 النووي؛ فمن يفاوض إيران اليوم، هو نفسه من قام بتمزيق الاتّفاق النووي السابق مع إيران. إلى جانب هذا ينظر الإيرانيون أن أمريكا متقلبة الرأي، خَاصَّة إدارة ترامب.
بالأمس كان مبعوث ترامب [ستيف ويتكوف] يرى في إمْكَانية اتّفاق يسمح لطهران بتحصيب جزئي، ثم فجأة يتحول الأمر إلى رفض تام للفكرة.
ومقابل سقف الخطاب الأمريكي المرتفع هناك سقف خطاب إيراني مرتفع كذلك، ففي إبريل الماضي قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو: “كنا واضحين للغاية بشأن أن إيران لن تمتلك سلاحًا نوويًّا أبدًا، وأعتقد أن هذا هو؛ ما أَدَّى إلى هذا الاجتماع”.
ردّت طهران في اليوم التالي قائلة إنها “تمنح” الولايات المتحدة “فرصة حقيقية” على الرغم مما وصفتها بأنها “دعاية عدائية دائمة” في واشنطن. وتأكيدها (إيران) أن سلاحًا نوويًّا لن يكون جُزءًا من منظومة السلاح الإيراني.
يمكن ملاحظة أن المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي، قبل أن تبدأ المفاوضات في أولى جولاتها، كان قد أكّـد أن إيران لا تتوقع اتّفاقًا مع أمريكا.
قبل أَيَّـام خاطب السيد الخامنئي المسؤولين الأمريكيين قائلًا: “حاولوا ألَّا تتكلموا هراء.. إن القول بأننا لن نسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم خطأ كبير، الجمهورية الإسلامية لا تنتظر الإذنَ من هذا أَو ذاك”.
وفي سياق الحديث يكشفُ أن مفاوضات طهران الأخيرة مع واشنطن “لم تحقّق نتائجَ”، وأنه لا يتوقع أن تكون المفاوضات الحالية ناجحة.
ويختصر الإيرانيون المسألة على الأمريكيين، بالتأكيد على أنه إذَا كان التفاوض الأمريكي يهدف إلى منع التخصيب الإيراني؛ فلا حاجة لمفاوضات هي مضيعة للوقت.. هذا يظهر المزيد من ثقة إيران، والحرج لأمريكا مع رفع السقف، حَيثُ لا تبدو طهران مهتمةً بما يتحدث عنه الأمريكيون والأُورُوبيون وحتى الإسرائيليون عن المبالغة في ضعف إيران؛ فهناك تعقيد واسع يكبح جماح أمريكا في ما يخص التطاول على الإيرانيين.
في فبراير الماضي نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن مصدر إيراني قالت إنه مقرّب من المرشد الخامنئي، قوله: “بينما نقاوم الضغوط الأمريكية، سنظهر أَيْـضًا استعدادنا للتفاوض، بحيث تعمل إيران على تقليل الإجراءات التي قد تستفز واشنطن، حتى لو لم يتم التوصّل إلى اتّفاق معها نهاية المطاف”. والقول: “طهران تحتفظ لنفسها بأدوات لتغيير ساحة المعركة”. لكنه لم يعطِ تفاصيلَ عن تلك الأدوات.
حسنًا… إذَا كان آخر تصريحات مبعوث الرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، أن لا تخصيب يورانيوم إيراني، وَإذَا كان الإيرانيون يؤكّـدون أن لا تفاوض دون حق التخصيب؛ فماذا يريد ترامب وفريقه من مفاوضات لا اتّفاق أَسَاسًا على قاعدة مشتركة لها تقوم على حق أَو إلغاء حق إيران في تخصيب نووي سلمي؟
وهل للإصرار الإيراني على حق التخصيب علاقة بإثارة شبكة “سي إن إن” الأمريكية موضوع التهيؤ الإسرائيلي للعدوان على نووي إيران؟ وَإذَا كان التحضير الإسرائيلي ذاتيًّا لمواجهة إيران، فهل يجرؤ مجرم الحرب نتنياهو على هذا الخيار الصعب، دون موافقة أمريكية؟
من الواضح أن ترامب يقود سياسةً وتوجُّـهًا أمريكيًّا جديدًا في منطقة الشرق الأوسط، هذا التوجّـه كان مزعجًا جِـدًّا للكيان الإسرائيلي المحتلّ، وهو مزعِجٌ لدى الجناحِ التقليدي في حزب ترامب ولدى الديمقراطيين، وتيار العولمة الأمريكية عُمُـومًا.
بمتابعة حديث وتحليلات الداخل الصهيوني يمكن ملاحظة سخط كبير على سياسة ترامب؛ ذات السخط واجهه ترامب في شكل تظاهرات داخلية مناهضة لسياساته، والشعور المشترك لدى هؤلاء في أمريكا وفي كَيان الاحتلال أن هذا الرجل يسير في مسار مختلف، وإن ظلت توجّـهاته فيما يخص فلسطين كما هي لدى أسلافه، حَيثُ ظل يمنح المجرم نتنياهو الدعم الكبير في استمرار تدمير غزة وإبادة سكانها علنًا رغم بروز تنافر بينهما.
هذا التوجّـه الأمريكي الجديد الباحث عن جني المال والثروة والاستثمار، كما ظهر في زياراته للخليج، ورفع شعار “لا للمزيد من هدر ثروة أمريكا لصالح الآخر” -هو عكس ما كانت تفعل أمريكا الرأسمالية حتى عهد بايدن- دق جرس إنذار بالخطر في كيان الاحتلال، وإن كان لم يغيّر شيئًا في واقع ما يحصل في غزة والضفة والقدس اليوم.
والتسريبات الأمريكية باستعداد العدوّ الإسرائيلي لضربة في إيران، تحمل معنيَينِ: –
الأول أن إدارة ترامب تقود هذا الخيار كوسيلة للضغط في المقام الأول على إيران، خَاصَّةً بعد تلويح طهران أنها قد لا تستمر في هذه الأجواء في مفاوضات عبثية مع أمريكا، بينما تبحثُ واشنطن عن اتّفاق لتأمين رقابة على نووي طهران، إلى جانب استثمار تفاصيل ما قد يتمخضُ عنه هذا الاتّفاق.
أما المعنى الثاني فيرتبط بمساعي نتنياهو لوضع العصا في عجلة التفاوض الإيرانية الأمريكية، وتخريب أي توجّـه لعقد اتّفاق بينهما، خَاصَّة إذَا كان المسعى الأمريكي يسير نحو تحسين بنود اتّفاق 2015م، مع طهران؛ ما يعني أن لجوء العدوّ الإسرائيلي لضربة أولى على منشآت إيران النووية، قد يفسد جهود التفاوض ويدفع أمريكا للتدخل مع الكيان في ضوء حرص إيران على الرد السريع.. أي إجبار ترامب على خوض مواجهة واسعة في المنطقة، وهذا ما تتجنبه إدارة ترامب بينما يحرص على خوضها النتن ياهو؛ إنقاذًا لمستقبله السياسي.
ونعود بالسؤال: ما مدى جراءة نتنياهو على فعل هذا؟
هناك تيار قوي داخل كيان العدوّ يدفع بهذا الاتّجاه، ويرى في توجيه ضربة، حتى لو جزئية، لبعض المنشآت النووية الإيرانية خطوةً ضروريةً، وهذا التيار مقرّب من نتنياهو، ويحظى بدعم في صفوف الجيش وحتى داخل بعض دوائر المعارضة، لكن هذا غير كافٍ.
يسوِّق مسؤولون أمريكيون -تقول “سي إن إن” الأمريكية، أنهم مطلعون على أحدث المعلومات الاستخباراتية- أن مثل هذه الضربة ستُمثِّلُ قطيعةً صارخةً مع الرئيس دونالد ترامب، كما قد تُنذِرُ بصراع إقليمي أوسع في الشرق الأوسط.
وتسرِّبُ الشبكةُ الأمريكية، عن جوناثان بانيكوف، مسؤول استخبارات كبير سابق متخصص في شؤون المنطقة، أنه “لا يعتقد أن (المجرم) نتنياهو سيكون على استعداد للمخاطرة بتمزيق العلاقة مع الولايات المتحدة بالكامل من خلال شن ضربة دون موافقة أمريكية ضمنية على الأقل”.
لكن في حال الموافقة الضمنية الأمريكية، هل بمقدور الكيان الصهيوني المحتلّ أن يقوم بمثل هذه المهمة الكبيرة والخطيرة دون مشاركة أمريكية مباشرة؟
بحسب تقرير سابق لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، فَــإنَّ (إسرائيل) لا تمتلكُ القدراتِ اللازمة لتوجيه هذه الضربة، إلى جانب احتواء آثارها لوحدها، دون إسناد أمريكي مباشر، كما أن هذه المهمة تحتاج إلى قنابل هائلة القوة لا تمتلكها حَـاليًّا وتسمى قنبلة “جي بي يو 57 إيه بي” (GBU-57A/B)، التي لا تمتلكها سوى أمريكا، وهي تُعرَفُ بالقنبلة الخارقة للدروع الضخمة، وَتزن 13-14 طنًّا، والمفيد في هذا أنه لا يمكن حملُها بواسطة الطائرات المقاتلة الأمريكية العادية، بما في ذلك طائرات الجيل الخامس “إف-35” التي تحوزها (إسرائيل)..؛ أي إن هذه القنابل لا تحملها سوى قاذفات الشبح الأمريكية “بي 2 سبيريت” والتي لا يوجد منها سوى 21 طائرة لدى القوات الجوية الأمريكية.
وتتخطَّى العمليةُ مسألة القنبلة، حَيثُ يتطلب الأمر سربًا كَبيرًا من الطائرات لضرب العديد من المنشآت، وفي الوقت نفسه حماية القاذفات الأَسَاسية، وقد يحتاجُ الأمرُ إلى عدد من الضربات المتتالية لضمان إيقاف المشروع النووي الإيراني بشكل يمنعه من الاستقرار سريعًا.. هذا السرب من الطائرة والذي لا يمتلكُ كيان العدوّ إلا جزءًا منه، هو اليوم متوجِّسٌ من خوض مغامرة داخل الأجواء الإيرانية، لأسباب واقعية.
حول جُرأةِ الكيان على القيام بهذا العدوان، يعيد براندون ويتشرت، الخبير في شؤون الأمن القومي الأمريكي، التساؤلَ من زاوية أُخرى ترتبط بالعدوان الإسرائيلي على إيران العام الماضي، فيتساءل: “لماذا رفضت (إسرائيل) توجيه ضربة أُخرى لإيران بعد ضربتها الأولى؟ والأهم لماذا لم تُنفّذ تلك الضربات الأولية بحُزمة الضربات الأوسع التي أشيع أن (إسرائيل) كانت تخطِّط لها؟”.
ويجيب “لا نعلم يقينًا. لكن أحد الاحتمالات اللافتة هو أن الطائراتِ الحربيةَ الإسرائيلية رصدت شبكة دفاع جوي إيرانية أشملَ وأكثرَ قوةً، قادرةً على تحديد، وربما حتى تتبُّع، طائرات الاحتلال الصهيوني من طرازF-35.
هذا هو السببُ الوحيد لعدم قصف طائراتF-35التابعة للعدو الإسرائيلي المتطورة طهرانبعد اختراقها المجالَ الجوي الإيراني بغاراتها الجوية الأولى في أُكتوبر الماضي.
في كُـلّ الأحوال فَــإنَّ توجُّـهَ ترامب نحو المنطقة العربية بالتأكيد سيتقاطعُ كَثيرًا مع كيان العدوّ؛ فـ الاحتلالُ الصهيوني لا يريدُ بيعَ طائرات إف 35 للسعوديّة أَو لتركيا، ولا تريد برنامجًا نوويًّا سعوديًّا حتى وإن كان سلميًّا كما لا تريد اتّفاقًا نوويًّا.
وتبدو الصورة مع تعرجاتها وكثرة تعقيداتها التي يجيدُها الساسة، تشير إلى مسارٍ ونهجٍ مختلف؛ ما يعني أننا سنشهدُ اتّفاقًا نوويًّا بين طهران وواشنطن، حَيثُ يسعى ترامب إلى فتح الأسواق الإيرانية أمام الشركات الأمريكية، وبالتأكيد أن العدوَّ الصهيوني لا تريدُ هذا أَيْـضًا.