لنعد إلى الوراء قليلا، وبالتحديد إلى تقرير لجنة “فينوغراد” التي تأسست لمعرفة اسباب هذه الهزيمة التي مني بها الجيش الاسرائيلي، بشقيها العسكري والنفسي، والاعترافات المفاجئة التي وردت على السنة الجنرالات والمسؤولين الإسرائيليين الكبار، وتقويماتهم لهذه الحرب، ونستخلص منها النقاط التالية للتذكير وإعطاء الفضل لأصحابه، وسط حملات التضليل والتزوير السائدة:

أولا: اقر شمعون بيريس رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بأنه لو كان الأمر يعود إليه لما ذهب إلى هذه الحرب، لأن استعدادات الطرف الآخر كانت متكاملة، والجيش الإسرائيلي لم يكن جاهزا.

ثانيا: دان حالوس رئيس هيئة اركان الجيش الاسرائيلي في حينها اقر بسببين رئيسيين لخسارة قواته هذه الحرب:

أ: عدم القدرة على وقف هطول صواريخ الكاتيوشا مثل المطر على مستوطنات الجليل ومناطق الشمال عموما (المقاومة اطلقت اكثر من خمسة آلاف صاروخ).

ب: اطالة امد الحرب لأكثر من ثلاثة وثلاثين يوما (بسبب صمود المقاومة)، وعدم قدرة الطيران الاسرائيلي على حسمها في ايام معدودة، مثلما جرت العادة في كل الحروب السابقة.

ثالثا: دفاع ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينها عن الانتقادات التي جرى توجيهها اليه وحكومته، وأبرزها عدم اصدار قرار بتوغل الجيش الاسرائيلي بريا في جنوب لبنان بقوله “لو دخل جيشنا الى لبنان لما عرف كيف يخرج”، وبذلك تصبح الهزيمة اكثر ضخامة، وكان محقا في ذلك.

رابعا: توصل العديد من الجنرالات والمسؤولين الاسرائيليين، بما فيهم الجنرال حالوتس بأنه لا يمكن هزيمة العقيدة، في اشارة الى المقاومة اللبنانية، والاقرار بأن الجيش الاسرائيلي تحول في هذه الحرب الى “كيس ملاكمة”.

تفتيت العقيدة الاسلامية، من خلال بث “الفتنة الطائفية” وتقسيم المنطقة وشعوبها على اسس مذهبية، من خلال تحريض اعلامي مدروس ومدعوم من “خبراء”، ودعاة متخصصين في هذا المجال، كان هو الرد السريع لعدم تكرار الهزيمة الاسرائيلية، واجهاض الانتصار العربي الاسلامي، واول خطوة في هذا الاطار قرار الجامعة العربية بوضع “المقاومة اللبنانية” على قائمة الارهاب، وفرض حصار تجويعي ظالم على مثيلاتها في قطاع غزة، وبالتحديد كل من حركة “حماس″، وشقيقتها “الجهاد الاسلامي”، ودعم مبطن للعدوانين الاسرائيليين الاخيرين على القطاع على امل استئصال ثقافة المقاومة من جذورها، وتدمير حاضنتها الشعبية والعقائدية، وتنفيرهم منها.

الصورة تبدو قاتمة، ولا يضيرنا الاعتراف بذلك، ولكنها قتامة لن تستمر لفترة طويلة، فحال الانكسار العربي التي نعيشها حاليا، لن تكون اسوأ من مثيلاتها في تاريخنا العربي والاسلامية، وآخرها  هزيمة حزيران عام 1967، وقد يكون الاسرائيليون يرقصون طربا وهم يشاهدون الصراعات الدموية بين ابناء الامة الواحدة والعقيدة الواحدة، ولكنه رقص لن يدوم، علاوة على كونه قناعا زائفا يخفي وجوها قلقة مرتجفة.

حرتسي هاليفي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، قال في مداخلته في مؤتمر هرتزيليا “للمناعة القومية الامنية الاسرائيلية”، الذي انعقد قبل شهر، وضم نخبة من الجنرالات ورؤساء الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين،  “الحرب المقبلة لن تكون سهلة كون حزب الله حصل على كمية هائلة من الصواريخ من مختلف الابعاد والاحجام، (هناك من يقدرها بستين الف صاروخ)، واكتسب خبرة قتالية جديدة من جراء حربه في سورية، ونحن نعيش في شرق اوسط فقير يشكل حاضنة جديدة للتطرف الديني وزيادة احتمال تسلل مسلحين الى داخل اسرائيل” بالتالي.

***

قبل عامين زرت الجنوب اللبناني، وبلدة مليتا، حيث متحف حرب تموز عام 2006 الذي اقامته المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله، وشاهدت الانفاق التي صنعت النصر، مثلما شاهدت دبابات الميركافا، فخر الصناعة الاسرائيلية مكسورة الهيبة والجناح بفعل ضربات المقاومين الاشداء، واعترف انني شعرت بالفخر، وازدت ايمانا بان هذه الامة، وهذه العقيدة، لن تهزم ابدا.

لن نتحدث في هذا اليوم التاريخي عن المطبعين مع الإسرائيليين، ولا عن المتآمرين على هذه الأمة، ومخططاتهم لإجهاض ظاهرة المقاومة الأشرف للاحتلال والغطرسة الإسرائيليين، لأننا لا نريد تعكير صفو الاحتفال بهذا النصر الكبير في ذكراه العاشرة.

هذه الأمة. وهذه العقيدة.. ستنهض من كبوتها الحالية حتما، مثلما نهضت من كبوات اكبر واخطر في الماضي، والمسألة مسألة وقت وتوقيت، وصبر وايمان، وكلها عناصر مدفونة تحت رماد جمر ملتهب.. والأيام بيننا.

نقلا عن رأي اليوم