حين تصعد القيادة إلى مقام الشهادة

1

ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
27 ديسمبر 2025مـ – 7 رجب 1447هـ

بقلم// وفاء الكبسي

لم يكن اللواء الشهيد زكريا حجر مجرد اسمٍ في سجل القادة، ولا رتبةً عسكريةً تتصدر العناوين، بل كان مهندسًا للقوة، وقائدًا للطيران المسير الذي أرعب إسرائيل وجعلها تنام في الملاجئ. كان مشروع موقف ورجلاً من أولئك الذين إذا حضروا حضر اليقين، وإذا تقدّموا سقط الوهم، وإذا استُشهدوا ارتفعت الأمة درجةً في سلم العزة.

في زمنٍ اختلطت فيه المواقف، وارتبكت فيه البوصلة، خرج زكريا حجر من صفاء الإيمان لا من دهاليز السياسة، ومن مدرسة القرآن لا من حسابات المكاسب. كان يعرف أن المعركة ليست على الأرض فقط، بل على الوعي، والكرامة، والقرار، ولذلك مضى إليها كما يمضي العارف إلى قدره مطمئنًا.

لم يكن القائد الذي يُدار من الخلف، ولا الذي يختبئ خلف الجنود، بل كان في المقدمة؛ يقاتل بعقله كما بسلاحه، وبإيمانه كما بتكتيكه. وقاد الطيران المسير بكل إبداع هندسي ومهنية عالية، ليصبح هذا السلاح الرادع أداةً لردع الاحتلال، ونجاحه جعل الإسرائيليين تترقب السماء ويختبئون في الملاجئ خوفًا من ضرباته الدقيقة.

وحين اشتد أوار المواجهة، لم يسأل: هل النصر قريب؟
بل سأل: هل الموقف لله؟
وهنا، كانت الإجابة فعلًا لا قولًا… شهادة.

استشهد اللواء زكريا حجر، لكنه لم يسقط.

سقط الجسد، أما الروح فقد عبرت لتكتب سطرًا جديدًا في سجل القادة الشهداء الذين فهموا معنى قوله تعالى:
﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾.
لقد صدق، فاختاره الله.

كان يعرف أن العدو لا يُهزم بالسلاح وحده، بل بثبات الموقف، ووضوح القضية، والإيمان بعدالة المعركة. لذلك لم يكن حضوره العسكري منفصلًا عن حضوره القيمي، ولم تكن قيادته مجرد أوامر، بل كانت قدوة تمشي على الأرض، وابتكاراته في ساحة الطيران المسير أثبتت أن الشجاعة والإيمان تصنعان معجزة على الأرض.

وحين أراد الله أن يختم المسيرة، ختمها بأشرف الخواتيم:
أن يكون القائد شاهدًا بدمه على صدق ما قاله، وعلى صحة الطريق الذي سار فيه، وعلى أن هذه الأمة لا تزال تنجب رجالًا إذا ناداهم الواجب، لبّوا بلا تردد.

سلامٌ على روحه يوم وُلد حرًّا،
ويوم عاش مجاهدًا،
ويوم استشهد قائدًا،
ويوم يُبعث شاهدًا على هذه الأمة،
أن فيها من لا يساوم…
ومن لا يبيع…
ومن إذا خُيّر بين الحياة والكرامة
اختار الكرامة مضرّجة بالدم.