الخبر وما وراء الخبر

العدو الإسرائيلي يوسع استباحته للبنان.. ما وراء استهداف الضاحية الجنوبية؟

1

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

23 نوفمبر 2025مـ –2 جماد الثاني 1447هـ

وسع كيانُ العدو الإسرائيلي دائرةَ الاستباحة في لبنان، وبعد استهداف الضاحية الجنوبية اليوم فإن كل الاحتمالات مفتوحة، فالصبر ـ كما يقولون ـ له حدود.

وعلى مدى ما يقارب العام من اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، لم يلتزم العدو الإسرائيلي بذلك، وظلت خروقاته تتواصل بشكل يومي، لتستهدف مناطق حيوية جنوبيّ لبنان، لكنها اتسعت قليلاً خلال الأيام الماضية لتصل إلى قلب لبنان، باستهداف مخيمات الفلسطينيين في صيدا، واليوم يتم استهداف الضاحية الجنوبية، ما يثير الكثير من التساؤلات عن السيناريو القادم.

ويصف الكثير من المتابعين ما حدث اليوم في ضاحية بيروت بأنه عدوان مكتمل الأركان وتصعيد جديد ضد السيادة اللبنانية، كما يقول نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله، الذي يؤكد أن العدو الإسرائيلي لا يحترم الاتفاقيات والعهود.

ويزعم الكيان الصهيوني أنه نفذ عملية اغتيال لرئيس هيئة أركان حزب الله اللبناني، في حين لم يصدر بيان من الحزب يؤكد أو ينفي. ومع ذلك فإن استهداف الضاحية هو تجاوز لكل الخطوط الحمراء، وإنذار كبير قد يدفع كرة اللهب نحو التدحرج أكثر، وهو ما يتمناه الأمريكي والصهيوني وفق المعطيات والمؤشرات.

ويرى الخبير والمحلل العسكري العميد عمر معربوني أن استهداف شقة سكنية وسط الضاحية الجنوبية لبيروت يعد تصعيداً خطيراً، مشيراً إلى أن الغارة كانت متوقعة، فعلى مدار الشهرين الماضيين كان العدو الإسرائيلي يوسع عدوانه على لبنان، ثم تزايدت مؤشراته منذ الأيام الماضية، ومنها الاستهداف في الضاحية.

ويوضح في حديثه لقناة “المسيرة” أن التصعيد يأتي في سياق وضعية الجبهة الحالية، والترويج المتواصل للعدو الإسرائيلي والأمريكي بأن حزب الله “يعاظم قوته”، ومزاعم الرئيس الأمريكي ترامب بأن حزب الله هو “المشكلة الأساسية في لبنان”، مؤكداً أن هناك “غطاءً أمريكياً أصلاً قائماً وموجوداً”.

وتوقع العميد معربوني أن نشهد تصعيداً كبيراً، مشيراً إلى أن المقاومة تتعامل مع معضلة؛ فإذا ردّت سنكون أمام موجات هائلة من الغارات العدوانية التي تستهدف لبنان، وإذا لم ترد فسيكون ذلك مدعاة لـ”غطرسة جديدة للعدو وتمادٍ كبير”.

وينتقد معربوني الموقفَ الرسمي اللبناني، واصفاً إياه بأنه “موقف مائع”، حيث يذهب رئيس الحكومة في اتجاه دعوة مباشرة للتفاوض، ويصف الأراضي المحتلة بأنها “أراضٍ تحتفظ بها ما تسمى إسرائيل”، مؤكداً أن العدو الإسرائيلي يعمل ضمن حالة الانقسام والتماهي بين الموقف الرسمي وموقف المقاومة لتحقيق هدفين: “تحقيق رادع للملأ، وتحقيق الصدمة والترويع”، مشيراً إلى أن نتيجة الغارة ـ وهذا أمر سنعلمه عند تبيان الوضع ـ تؤثر في معنويات بيئة المقاومة بشكل خاص، وكل من يناصرها سواء في لبنان أو خارجه.

 

وبناءً على ربط مجموعة من التصريحات والدراسات، فإن العدو سيوسّع أكثر من عملياته، وسيضطر حزب الله اللبناني في نهاية المطاف للرد، فالعدو الصهيوني يعتقد أن الحزب يمرّ بمرحلة ضعف خطيرة نتيجة الضربات التي تلقاها على مدى العامين الماضيين بعد معركة “طوفان الأقصى”، وهي فرصة ـ كما تشير إلى ذلك وسائل الإعلام العبرية ـ للقضاء عليه.

ويعتبر الباحث في الشؤون الاستراتيجية، الدكتور علي حمية، أن العدوان الإسرائيلي الذي استهدف حياً سكنياً في لبنان، وأصاب شققاً داخل بناية مأهولة، يمثل تصعيداً خطيراً، مشيراً إلى أن فرق الإسعاف ما تزال تعمل على إنقاذ وإجلاء الضحايا من موقع الاستهداف وسط غياب أي معلومات مؤكدة حول هوية الشخص المستهدف.

وبحسب تحليل حمية على قناة “المسيرة” اليوم، فإن هوية الهدف لا تزال غير واضحة، رغم الادعاءات الصهيونية التي تتحدث عن محاولة استهداف “الرجل الثاني” في حزب الله، مؤكداً أن هذا التطور يتناقض مع التقديرات السابقة التي كانت تشير إلى أن عمليات العدو الإسرائيلي ستبقى محصورة ضمن مناطق جنوب الليطاني والمواقع العسكرية أو الأمنية في المناطق الجبلية، إلا أن استهداف منطقة سكنية يشير إلى انتقال نوعي في مسار المواجهة.

وفي تأكيده على حالة العجز الاستخباراتي الصهيوني والتدخل الجوي الأمريكي، يوضح حمية أن كيان العدو عانى طوال الشهر الماضي من نقص واضح في المعلومات، رغم تشغيله المستمر لطائرات استطلاع متقدمة، من بينها طائرات تابعة لسرب 122 “اسكوادر 122″، وطائرات G-500 وG-550، إضافة إلى منصات جوية تشبه الأواكس، معززة بمقاتلات F-16، دون أن تحقق أي اختراق استخباراتي. مؤكداً أن الولايات المتحدة لعبت دوراً مباشراً في توفير التغطية الجوية عبر طلعات مكثفة لطائرات التجسس من طراز MQ-4 وMQ-9 وU-2 وغيرها، والتي كانت تحلق فوق لبنان على مدار الشهر بهدف دعم العدو الإسرائيلي في جمع معلومات حول الوضع الأمني المتغير لدى حزب الله.

وبحسب حمية فإن اعتداء اليوم على لبنان كان اعتداءً أمريكياً ـ إسرائيلياً مشتركاً ومباشراً، قائلاً إن تنفيذ الضربة تم بضوء أخضر أمريكي، خصوصاً أن القيادة الأمريكية التي يتولاها الجنرال كليرفيلد هي الجهة المفترض أن تشرف على ضمان تنفيذ الاتفاقيات القائمة، ومنها القرار 1701 ووقف الأعمال العدائية.

وبحسب قراءته، فإن الجانب الأمريكي رجّح تنفيذ العملية بشكل خاطف، إدراكاً منه أن الهدف لن يكون متاحاً لفترة طويلة، وعندما تم رصد الهدف بصورة مفاجئة، سارع الأمريكيون والإسرائيليون إلى تنفيذ الضربة قبل تبدّل الظروف الميدانية، حيث قد لا يتم إدراك الهدف مرة أخرى بسهولة.

ويأتي العدوان الصهيوني على بيروت في ذروة الأزمات التي تعيشها المنطقة جراء استمرار الاستباحة الصهيونية، ولا سيما في غزة وجنوب لبنان وسوريا. كما يأتي بعد يومين من زيارة لرئيس وزراء كيان العدو الصهيوني إلى الجنوب السوري، في دلالة على أن الكيان يريد الذهاب نحو المزيد من إشعال الحرائق.

ومهما كان المسار، فإن الواضح أن استهداف الضاحية الجنوبية لم يكن خطوة عابرة، بل جزءاً من عملية أوسع لإعادة رسم خرائط الضغط في المنطقة. فالمشهد الآن على حافة تغيّر قد يكون محدوداً أو شاملاً، تبعاً للخطوة التالية على الجبهة اللبنانية.