الخبر وما وراء الخبر

9 سنوات على مجزرة الصالة الكبرى.. جرائمُ محفورةٌ في الذاكرة!

2

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

8 أكتوبر 2025مـ 16 ربيع الثاني 1447هـ

يتذكَّرُ اليمنيون في كُـلّ عامٍ بقلوب مكلومة جريمتَي قصف “عرس سنبان” في الـ 9 من أُكتوبر 2015م، في ذكراها الـ 10، وقصف “الصالة الكبرى” بصنعاء في الـ 8 من أُكتوبر 2016م، في ذكراها الـ 9، حيث تظل أصداء هاتين الجريمتين لم تفارقا وجدان كُـلّ يمني، ولا سيما الأحرار الذين أحسوا وتجرعوا مرارة الحزن والفراق والألم والقسوة للجرائم التي ارتكبها العدوان الأمريكي السعوديّ على مدار السنوات الماضية.

وبالعودة إلى شريط الذكريات المليء بالأسى، فقد كان يوم التاسع من شهر أُكتوبر سنة 2015م، كابوسًا على قرية “سنبان” بمنطقة “عنس” بمحافظة ذمار؛ فالمنازل التي كانت عامرة بالأفراح والمسرات، تحولت في لحظات إلى مأتم وبكاء وحزن.

في تفاصيل المأساة؛ استشهد أكثر من 50 مدنيًّا معظمهم من الأطفال والنساء في قصفٍ لطيران العدوان الأمريكي السعوديّ المتوحش، وأُصيب أكثر من 35 آخرين ومن بين الشهداء العريسان وعروستاهما، وقد كانت هذه الجريمة فاجعة بكل ما تعنيه الكلمة للشعب اليمني الذي لم يتوقع على الإطلاق أن تصل السعوديّة إلى كُـلّ هذا القبح والتوحش والدناءة.

وبينما كان اليمنيون يتذكرون بعد عامٍ تمامًا هول ما حدث من قصف لعرس سنبان، كان العدوانُ الأمريكي السعوديّ الصهيوني يحضر لجريمة أكثر قبحًا ووحشية، ويبحثُ هذه المرة ليس عن قاعة أفراح، وإنَّما عن قاعة عزاء، ليضاعف مأساة اليمنيين ويعمق من جراهم.

واختار العدوان يوم الـ 8 من أُكتوبر عام 2016م، ليكون الأشد إيلامًا وقسوة على اليمنيين خلال مسيرة العدوان الغاشم عليهم، حَيثُ استهدف بطيرانه الحاقد قاعة عزاء بعد أنَّ تجمع الآلاف من المدنيين لتقديم العزاء في وفاة الشيخ “علي الرويشان” والد اللواء “جلال الرويشان”، وزير الداخلية آنذاك.

أكثر من ألف مواطن ما بين شهيدٍ وجريح، قيادات عسكرية وازنة، حيث استشهدت أمين العاصمة السابق “عبد القادر علي هلال” ومن بين الشهداء، أطفال، شباب في كامل أناقتهم، انتقلوا إلى جوار ربهم، في جريمةٍ ليس لها مثيل في تاريخ الإنسانية.

قاعة العزاء كانت مكتظة بالناس الذين توافدوا لتقديم واجب العزاء لأسرة “آل الرويشان”؛ وفجأةً أطلق الطيرانُ صواريخَه على الحاضرين، لتتحول القاعة إلى كومة خراب، وتفحّمت جثثُ البعض؛ فقد البعض قدمَيه، والبعض الآخر فقد بصرَه، والبعض مات بفعل الدخان الكثيف، والغازات السامة المتصاعدة عن القنابل الأمريكية المحرمة.

الفاجعة كانت تملأ المكان، وصنعاء حينها كانت تدور من هول الصدمة، وقلوب اليمنيين تتمزق لهول ما رأت وشاهدت عبر شاشات التلفزة، المستشفياتُ أطلقت نداءً للتبرع بالدم؛ فخرج الجميع للتبرع بالدم؛ فيما كانت صنعاء حزينة كئيبة غير مستوعبة ما حَـلَّ بها من دمار وخراب، وتوحش لا مثيل لها من قبل العدوان الأمريكي السعوديّ الصهيوني الغاشم.

ويمكن القول إنَّه لولا التغطية الإعلامية الواسعة والمكثّـفة لطُمست هاتان الجريمتان، وخُصُوصًا مجزرة القاعة الكبرى التي كانت القنوات تبث معظم تفاصيلها بشكلٍ مباشر، وهو ما مثّل عاملاً إضافيًّا في تخليد هاتين المجزرتين في ذاكرة الشعب اليمني إلى جانب صدور بيانات الإدانة والاستنكار بشكلٍ كبير جِـدًّا على المستوى المحلي والدولي من مختلف الجهات كمنظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة ومنظمات حقوق الإنسان والعديد من الدول العربية والأجنبية والكثير من الحركات والأحزاب والتجمعات الرسمية والشعبيّة والشخصيات المختلفة على مستوى العالم.

كما أنَّ التغطية الإعلامية لهاتين المجزرتين وصدور التقارير وبيانات الإدانة والاستنكار بشكلٍ كبير وعلى مستوى واسع ساهم في إبراز فداحة هاتين المجزرتين وبالتالي تخليدهما، كما ساهم أَيْـضًا في إبراز الصورة الحقيقية الإجرامية والبشعة لدول تحالف العدوان وفضح زيف أهدافها المعلنة من شن العدوان على اليمن، لا سِـيَّـما أنَّ قيادة تحالف العدوان العسكرية وتحت ضغط بيانات الإدانات والاستنكار الواسعة قد أقرت بارتكاب هاتين المجزرتين ووعدت بالتحقيق والمساءلة لمن قالت بأنّهم قد تسببوا في ارتكابها بالخطأ بحسب مزاعم البيانات الصادرة عن المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف الهمجي على اليمن.

ويوضح مراقبون أنَّ الواقع القائم يجعل من الانتصار لمظلومية الشعب اليمني بمحاسبة المجرمين والانتصار للضحايا المدنيين الأبرياء بعيدة المنال في الوقت الراهن ومن الصعب تحقيقه؛ لأَنَّ المنظومة الدولية المعنية بتعزيز وحماية حالة حقوق الإنسان وتحقيق العدالة حول العالم محكومة بقواعد وإجراءات وطرق محصورة وضعتها دول الهيمنة العالمية المتحكمة بقراراتها وفق أساليب وحدود معينة، وبالتالي فَـإنَّ إمْكَانية الوصول إلى المحاسبة والعدالة محكومة بتوجّـهات ورغبات هذه الدول المهيمنة على القرار الدولي وإجماع الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا.

والمعلوم للجميع أنَّ أمريكا وبريطانيا تمثلان الرأس المدبر والقائد المباشر صاحب القرار في شن العدوان على اليمن ويشتركان بصورٍ مباشرة وَغير مباشرة في ارتكاب جميع الجرائم بحق الشعب اليمني، والذي تكشف أكثر على مدى عامين كاملين من “طوفان الأقصى”، وهو ما يعني عدم إمْكَانية الوصول إلى تحقيق العدالة والانتصار لمظلومية الشعب اليمني عبر منظومة الأمم المتحدة وعبر مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية المسؤولة عن تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين والانتصار للضحايا جراء الحروب وذلك في ظل هيمنة أمريكا وبريطانيا على قرارها والتي لا يمكن أن توافق على محاسبة نفسها.

وأشار مراقبون إلى أنَّ هناك طُرُقًا ووسائلَ أُخرى يمكنُ من خلالها التوجّـُه بدعاوى محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم ذات البُعد الدولي الإنساني التي تمثل جرائمَ حرب وكذا تقديم دعاوى التعويض المالي للضحايا وذلك عبر محاكم بعض الدول الأُورُوبية التي تنص تشريعاتها على اختصاصها بنظر بعض الجرائم وفق مبدأ الوَلاية القضائية العالمية في بعض الجرائم.

وَهذا الطريق رغم إمْكَانية سلوكه على المستوى النظري؛ فهو بالواقع لا يمكن أنَّ يتم الوصول من خلاله إلى تحقيق العدالة الكاملة؛ لأَنَّ معظم الدول التي تعمل محاكمها وفق مبدأ الولاية القضائية الدولية تتصادم مع مبدأ الحصانة الدولية الممنوحة لفئة معينة من مسؤولي الدول، وهؤلاء غالبًا بلا شك قد يكونون هم المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية أثناء الحروب، وحصانتهم الدولية هذه تمثل عائقًا أمام مبدأ الولاية القضائية الدولية لمحاكم قضاء بعض الدول.

في المحصلة؛ وتعد هذه المجزرة التي ارتكبها التحالف بسلاح وقرار أمريكي، بحسب منظمة “هيومن رايتس” التي أكدت أنَّ السلاح المستخدم أمريكي الصنع من نوع “Paveway ll GBU-12” بوزن 225 كيلوغرام موجهة بالليزر نوع “MK82” ، جريمة حرب متكاملة الأركان وفقًا للقانون الدولي الإنساني؛ وعلى الرغم من كُـلّ هذا، لا ينبغي علينا السكوتُ ونسيانُ ما حَـلَّ بنا من مآسٍ وآلام، وفي مقدمة ذلك جريمتا “سنبان والصالة الكبرى”، حتى لا تدخل الجريمتان عتمةَ النسيان!