الخبر وما وراء الخبر

على غرار “البصمة الخفيفة” في أفغانستان.. تحركٌ مشبوه للأمريكي والصهيوني والأدوات ضد اليمن!

3

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

8 أكتوبر 2025مـ 16 ربيع الثاني 1447هـ

تقف قوى الهيمنة والاستكبار العالمية وأدواتها في المنطقة اليوم، في مواجهتها مع أحرار اليمن عند نقطة جمود استراتيجي معقد؛ فقد فشلت كل الحملات الجوية المتعاقبة بعد أكثر من عقدٍ من الزمن، بدءًا من عاصفة الحزم في ٢٦ مارس ٢٠١٥م، وانتهاءً بالعدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني من بعد طوفان الأقصى عام ٢٠٢٣م.

وأدى الفشل الملموس للقوة الجوية للأعداء إلى خلق فراغ سياسي في واشنطن؛ فالعمليات اليمنية في البحر الأحمر باتت تشكل تحديّاً مباشراً ومرئيّاً للهيمنة البحرية الأمريكية، وهذا يوجه ضربة قوية لهيبة الولايات المتحدة على الساحة الدولية.

ويبرز تساؤل هام بعد كل هذه التطورات، حول ما خيارات التدخل البري المحدود في اليمن المصمم على غرار نهج “البصمة الخفيفة” الذي اتبعته الولايات المتحدة في حملتها العسكرية ضد أفغانستان عام 2001م، وهل يمثل خياراً استراتيجيّاً محتملاً، وإن كان محفوفاً بمخاطر استثنائية؟

ويستند هذا الخيار إلى تلاقي ثلاثة عوامل قوية:

أولاً: الضرورة الملحة المتصورة لاستعادة الهيبة الأمريكية المتآكلة.

ثانياً: النفوذ المستمر للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي يرى في استمرار الصراع وتصعيده فرصة اقتصادية.

ثالثاً: وجود قوة وكيلة جاهزة على الأرض، وإن كانت مجزأة، تم بناؤها ورعايتها على مدى سنوات من قبل الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة.

ويبرز الدافع الأمريكي الرئيسي للتصعيد ليس في تحقيق نصر حاسم أو بناء دولة مستقرة في اليمن، بل قد يكون في استعادة “هيبة” الولايات المتحدة التي تضررت بشدة، فعجز البحرية الأمريكية عن ضمان حرية ملاحة العدو الاسرائيلي في البحر الأحمر يُنظر إليه في واشنطن على أنه إذلال استراتيجي قد يشجع خصوماً آخرين في جميع أنحاء العالم على تحدي القوة الأمريكية.

ومن هذا المنطق يعيد إلى الأذهان سوابق تاريخية استخدمت فيها الولايات المتحدة القوة العسكرية لإعادة تأكيد هيمنتها بعد إخفاقات أو إهانات متصورة، ومن أبرز هذه السوابق عملية “الغضب العاجل” (Operation Urgent Fury)، أي غزو غرينادا عام 1983م، على الرغم من أن الغزو تم تبريره رسمياً آنذاك، بأنه مهمة لإنقاذ الطلاب الأمريكيين واستعادة النظام، إلا أنه جاء في أعقاب صدمة حرب فيتنام وأزمة الرهائن في إيران، وكان يُنظر إليه على أنه “انتصار” ضروري لاستعادة هيبة أمريكا وإظهار تصميمها على استخدام القوة لحماية مصالحها.

تحشيدات عسكرية متواصلة

وتفيد تقارير متواترة بوجود استعدادات مكثفة للخونة والمرتزقة والعملاء التابعين للاحتلال السعودي الاماراتي بالتحرك في جبهة الساحل الغربي وميناء الحديدة وبعض المناطق شمالي اليمن، مع تقديم استشارات من متعاقدين عسكريين أمريكيين ودعم جوي أمريكي مباشر، حيث تشمل التحركات على الجبهة الجنوبية والشرقية، وعلى طول الساحل الغربي.

وتشير التقارير إلى دفعٍ صهيوني وحماس إماراتي كبير لتنفيذ العملية البرية المرتقبة؛ ودعم لوجستي وعسكري مؤثر للفصائل الموالية لها، خاصة في الجنوب والساحل الغربي، بعد التلميع اللافت الذي حضي به الخائن أحمد علي عفاش مؤخرًا.

ووثّقت مصادر غربية تصعيد الضربات الأمريكية ضد أهداف عسكرية يمنية رئيسية وتحركات لتجهيز موانئ وقواعد عسكرية سعودية لوجستيًا، موضحة أن هناك توافقًا مبدئيًا بين حكومة الثمانية بقيادة الخائن العليمي الذي صرح في اليوم الذي تم الاعتداء على بلاده مطالباً بتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة العالمية في البحر الأحمر، وبين الولايات المتحدة وبريطانيا حول شن عملية برية ضد صنعاء مع دعم جوي وبحري مكثف لاستعادة الحديدة؛ لكن التنفيذ الفعلي ما زال عالقًا بسبب الخلاف حول بعض التفاصيل المحورية وتردد بعض الأطراف المحلية والدولية.

وتتزايد المؤشرات على بدء تنسيق أمريكي-سعودي لنشر قوات ومعدات دفاع جوي متقدمة على الحدود السعودية-اليمنية وتكثيف التعاون الاستخباراتي والتدريبي بالتزامن مع تعزيز وحدات محلية (عملاء وخونة يمنيين وفصائل مدعومة)، ويُلاحَظ أن هناك تكتيكات إعلامية أمريكية تتعمد رفع وتيرة التصريحات بشأن النفط وإنتاجه لإرباك خصومها وشركائها على حد سواء.

وتزعم تقارير غربية وتقارير متخصصة أن الضربات الأمريكية الصهيونية عطّلت جزئيًا قدرات اليمنيين على إنتاج وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، ما يصوّر أنه يُهيئ بيئة عملياتية مناسبة لتحرك بري خصوصًا في الساحل الغربي ومناطق الشرق، ويترافق هذا مع تقديم خطاب “خفض سقف التوقعات” من خلال تقييمات أن أية عملية برية ستشهد مقاومة عنيفة وستكون تكاليفها مرتفعة؛ وأن حسم صنعاء أو الشمال قد يستغرق وقتًا وتواجه عقبات عصبية مناطقية وتوترات داخلية في معسكر التحالف.

وتداولت‎عدة تقارير إعلامية و”إسرائيلية” خلال الأسبوع الأخير من يوليو 2025م، أخباراً حول لقاءات جرت في عدن لوفد “إسرائيلي” مع مسؤولين في حكومة المرتزقة، بما في ذلك تأكيدات لقاء مع وزير الدفاع محسن الداعري، فيما يبدو أنه توطئة لالتحاق حكومة الخونة بالاتفاقيات الإبراهيمية والتطبيع مع الكيان الصهيوني قبيل عمل إعادة هيكلة واستعداد للحرب.

محاولات لسد الفجوة المعلوماتية

وخلال الأشهر الأربعة الماضية، شهدت الساحة اليمنية عدداً من التحركات والمبادرات البارزة من قبل مراكز البحث العربية والأجنبية، والمؤسسات العاملة بالشأن اليمني، لسد الفجوات المعلوماتية الكبيرة التي تعيق الفهم الدقيق والتحليل الشامل للأوضاع في البلاد.

وتتنوع هذه الجهود بين إنتاج دراسات معمقة، وتحديث قواعد البيانات، وابتكار أدوات تحليل جديدة، وتنظيم منتديات حوارية كبرى تجمع الأطراف المحلية والدولية، ومن أهمها ما يلي:

 

أولاً: مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، مقره في الرياض

• أطلق المركز أعداداً تراكمية من تقرير “The Yemen Review” تغطي بشكل مفصل التطورات الدبلوماسية، الاقتصادية، والسياسية الأخيرة، معتمدًا على شبكة من الباحثين المحليين والمقابلات الميدانية الخاصة.

ويهدف المركز إلى سد فجوة نقص المصادر المحلية المستقلة، خاصة عبر تحليل الأثر الحقيقي للتطورات على المدنيين والاقتصاد والمشهد السياسي، ونشر خلاصات دورية تسلط الضوء على المشكلات المعلوماتية، مثل غياب الإحصاءات الدقيقة حول العملة، والاحتياجات الإنسانية الحالية.

• نظم مركز ومنتدى اليمن الدولي “YIF III” في الأردن في منتصف 2025م، والذي جمع أكثر من 300 مشارك محلي ودولي لمناقشة قضايا المعلومات المفقودة وتحديات الحوكمة، مع تخصيص جلسات حول دور المجتمع المدني في إنتاج البيانات، وآليات بلورة المعرفة المحلية ونقلها لمتخذي القرار وصناع السياسات.

المنتدى اعترف صراحة بعمق الفجوة المعلوماتية كعائق للحوكمة والمصالحة، وطرح توصيات لمأسسة إنتاج المعرفة من الداخل اليمني.

• تم تطوير أدوات تحليل جغرافي تفاعلي (خرائط رقمية – مسارات تقدير المعاناة الإنسانية بشكل زماني ومكاني)، إلى جانب إدخال الذكاء الاصطناعي وتقنيات الحوكمة الرقمية في تحديث قواعد البيانات، لقياس التغيرات في المجتمع المدني اليمني من خلال تحديث البيانات.

ثالثاً: التحركات الدولية ومشاريع مراكز البحث الأجنبية

• مركزACAPS، بالتعاون مع الوكالات الإنسانية الدولية، أصدر خلال يونيو 2025م، تقارير دورية مُحدثة تستخدم نماذج كمية ونوعية لرصد المتغيرات المناطقية وبعض المؤشرات المعتمدة على بيانات معلومات ميدانية نوعية.

• مركز “تشاذام هاوس”Chatham House عزز جهوده منذ منتصف 2025م، عبر مشروعXCEPT متعدد التخصصات، يتضمن رسم خرائط دقيقة لأصحاب المصلحة المحليين والإقليميين، وتحليل شامل لتفاعلات الاقتصاد السياسي وتأثيراتها، والبحث في فرص وآليات السلام.

• المنتديات الدولية كمنتدى وشبكة “مراكز الأبحاث التابعة لمؤسسة التمويل الدولية” “IFI Think Tank Network” أطلقت مبادرات تعاون إقليمي لتعزيز التكامل المعلوماتي بين المؤسسات البحثية العربية، وتيسير مشاركة وتكامل البيانات والخبرات، وعُقدت اجتماعات دورية لبحث المشهد اليمني، مع جدول أعمال مستمر لعام 2025م، لتعزيز القدرات المحلية في إنتاج البيانات التحليلية.

• بدء حملات توثيق ميدانية وزيارات تفحص وإحاطة، بدعوى أنه لخلق مسارات جديدة في الدراسات المقارنة، تجارب العدالة الانتقالية، الإصلاح المؤسسي، وغيرها.

 

كيف نقرأ مؤشرات التصعيد الإعلامي؟

‎شهد الخطاب الإعلامي لوسائل الإعلام التقليدية والمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعية الموجه للداخل اليمني خلال الأشهر الأخيرة تحولات واضحة في أساليبه وأهدافه، وبرزت عدة ملامح منهجية لإبراز عيوب حكومة صنعاء أو لتعميق الانقسامات الطائفية والمناطقية بهدف تفكيك الساحة الداخلية.

وتوضح الدراسات البحثية والتحليلات الإعلامية جملة اتجاهات أساسية لترسيخ “بروباغندا”، منها:

• يستخدم تحالف العدوان وأدواته كل منصات التواصل الاجتماعي بنشاط متزايد لترويج سرديات طائفية بحتة، يتم شيطنة أنصار الله إعلاميًا بوصفهم “طائفة رافضية مدعومة من إيران” مقابل تصدير صورة “الحكومة الشرعية” أو القوى المناوئة كمدافع عن “الأصالة السنية” والنسيج اليمني، وتشجيع خطاب رافض للهوية الإسلامية القرآنية بوصفها “دخيلة”.

• في سياق آخر، يُتهم إعلام أنصار الله باستخدام خطاب عدائي وتحريضي تجاه الجماعات المذهبية والدينية الأخرى (كالسلفيين والبهائيين)، مع تصعيد واضح في التضييق ومحاولات الاستئصال الثقافي بحق هؤلاء، بما في ذلك إغلاق المراكز الدينية المخالفة وتحويلها لمنابر تعبئة ونشر كراهية.