الخبر وما وراء الخبر

الخبير العسكري مجيب شمسان: الجبهات المتعددة أربكت العدو واليمن قلب المعادلة البحرية وأزاح أسوار الحماية عن الكيان

5

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

8 أكتوبر 2025مـ 16 ربيع الثاني 1447هـ

في ظل التطورات الميدانية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، أكد الخبير العسكري العميد مجيب شمسان أن طبيعة المواجهة الراهنة مع الكيان الصهيوني والأمريكي تمثل تحولًا استراتيجيًا غير مسبوق، حيث نجحت جبهات محور المقاومة في إعادة رسم معادلة الردع وتوزيع الضغط العسكري، بما انعكس على ميزان القوة في الميدان.

وأشار شمسان إلى أن الجبهة اللبنانية شكّلت أحد أهم المفاصل في هذه المواجهة، نظرًا لحجم التأثير والدور الكبير الذي لعبته، بفضل القدرات والإمكانات التي تمتلكها المقاومة الإسلامية في لبنان، مؤكدًا أن العمليات التي نفذتها المقاومة جاءت بذكاء ميداني وتخطيط دقيق، رغم إدراكها لحجم المخاطر التي قد ترتد عليها وعلى حاضنتها الشعبية.

وأوضح أن العدو الصهيوني كان يُعدّ منذ انتصار عام 2006 لسيناريو استهداف المقاومة الإسلامية في لبنان، مشيرًا إلى أنه منذ عام 2017 يجري مناورات مستمرة في قبرص لمحاكاة البيئة اللبنانية وكيفية اقتحامها والسيطرة عليها.

لكن واقع الميدان اليوم – بحسب شمسان – أثبت عجز العدو الكامل عن تحقيق أيٍّ من أهدافه، رغم الضربات المكثفة والعمليات الواسعة التي شنّها، مبينًا أن المقاومة، التي بدأت من المناطق الحدودية، استطاعت أن تُخلي تلك المناطق من العدو، وتنفّذ تدريبات وعمليات وصلت إلى عمق تجاوز 150 كيلومترًا داخ فلسطين المحتلة، مستهدفة قواعد عسكرية إسرائيلية متقدمة.

وأضاف أن المقارنة بين عدوان 2006 والعدوان الحالي تبرز حجم الفارق في الأداء الميداني للمقاومة، إذ تمكن العدو حينها من التوغل حتى وادي الحجير (32 كلم)، بينما في الحرب الراهنة عجز عن التقدم لبضعة مئات من الأمتار فقط، رغم ما يمتلكه من تفوق جوي وتسليحي ودعم غربي واسع.

ولفت إلى أن المقاومة الإسلامية في لبنان، رغم تلقيها ضربات كبيرة، صمدت وألحقت خسائر فادحة بالعدو، وصلت إلى تدمير ما معدّله ثلاث دبابات أو آليات يوميًا في أقصى نقاط التماس.

وأكد الخبير شمسان أن ما حققته المقاومة اللبنانية تكامل مع أداء المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ليعكس مدى تأثير الجبهة الشمالية في إرباك العدو الصهيوني، وكشف محدودية قدراته الميدانية والاستخباراتية.

وحدةالساحاتوتفككاستراتيجياتالعدو:

وفي تحليله لطبيعة المواجهة، أوضح شمسان أن الكيان الصهيوني خاض هذه الحرب مدعومًا بغطاءٍ غربيٍّ وعربيٍّ واسع من قبل الأنظمة المطبّعة، بل وحتى من بعض الدول التي تصف نفسها بالإسلامية وهي في الواقع مطبّعة.

وأضاف أن الرهان الصهيوني كان يقوم على إطباق كامل على القضية الفلسطينية دون وجود أي جبهة إسناد تتحرك، لكن المفاجأة جاءت عندما تحركت الجبهات اللبنانية والعراقية واليمنية في وقت واحد، الأمر الذي مثّل صدمة استراتيجية للعدو وحلفائه.

وبيّن أن مشاركة هذه الجبهات ضمن إطار وحدة الساحات ووحدة الجبهات، عكست صورة مختلفة تمامًا لما كان يخطط له العدو، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها سعوا منذ البداية إلى فرض ردع استباقي عبر التهديد بكلفة باهظة لأي طرف يشارك في المعركة، غير أن إرادة محور المقاومة كسرت هذا الردع المفروض.

ووصف شمسان ما جرى بأنه إنجاز صادم للعدو الصهيوني والأمريكي، إذ أثبت أن هناك قوى تمتلك الإرادة والقدرة على تحدي المشروع الأمريكي لرسم شرق أوسط جديد، مؤكدًا أن ظهور جبهات تمتلك إمكانيات غير متوقعة أربك جميع الحسابات العسكرية والسياسية للكيان.

ونوّه إلى أن الكيان الصهيوني وجد نفسه أمام جبهات متعددة الاتجاهات، في وقتٍ كان يعوّل فيه على الدعم الأمريكي المباشر، معتقدًا أن الأخير سيتكفّل بتحييد هذه الجبهات ليتمكن من التركيز على قطاع غزة. لكن ما حدث هو العكس، حيث شتّتت وحدة الجبهات قدرات العدو وإمكاناته الدفاعية والهجومية، وجعلته في حالة استنفار دائم.

ولفت إلى أن هذا التوسع في الجبهات ضاعف الضغط على الولايات المتحدة نفسها، التي وجدت أنها غير قادرة على تقديم الحماية أو إسقاط التهديدات، رغم حضورها العسكري المكثف في المنطقة عبر حاملات الطائرات والقطع البحرية، بعد أن قدّمت نفسها على مدى عقود كـ “سور الحماية” للكيان الصهيوني.

كما أكد شمسان أن الجبهة العراقية وجّهت رسائل مهمة للعدو، على المستويين القريب والبعيد، مفادها أن قدرات المقاومة في تزايد مستمر، مشيرًا إلى أن الكيان بات يواجه تهديدًا وجوديًا غير مسبوق منذ نشأته، بحسب ما اعترفت به جهاته الداخلية.

واعتبر أن ما نشهده اليوم هو نتيجة تراكم عناصر القوة لدى مكونات محور المقاومة، التي باتت ترى ضرورة وضع استراتيجية موحدة للمواجهة وإزالة التهديد الصهيوني، وهو ما تجسّد ميدانيًا في التنسيق العملياتي بين المقاومة في غزة، والمقاومة الإسلامية في لبنان، والمقاومة العراقية، والعمليات اليمنية، وصولًا إلى عمليات “الوعد الصادق” (1، 2، 3)، التي مثّلت ضربات قاصمة ومؤثرة، وأفقدت الكيان ما تبقى من صورة الردع التي حاول تسويقها.

وأشار شمسان إلى أن الاعتراف الأمريكي بتنفيذ اليمن أكثر من 170 هجومًا على السفن الحربية الأمريكية، يؤكد أن اليمن لم يعد طرفًا هامشيًا، بل أصبح فاعلًا رئيسيًا في معادلة الردع الإقليمي.

اليمنيقلبالمعادلةالبحريةويكشفالثغراتالدفاعيةالأمريكية:

وفي قراءته لدور الجبهة اليمنية، أوضح شمسان أن الإحصاءات العسكرية تشير إلى أنه خلال الفترة من 18 أكتوبر 2023 حتى 19 يناير 2025، نفذت القوات المسلحة اليمنية 3909 عمليات، منها 276 عملية معلنة رسميًا، و33 عملية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كان النصيب الأكبر منها لمنطقة إيلات (أم الرشراش).

وأضاف أن هذه المرحلة اتسمت بطابع تجاري وعسكري مزدوج، حيث شهدت 121 اشتباكًا بحريًا مع حاملات الطائرات، و228 عملية استهداف بحري، إضافة إلى 43 اشتباكًا خلال مرحلة إدارة ترامب مع حاملات الطائرات الأمريكية “إيزنهاور” و”كارل فينسون”، ما يُعد تحولًا استراتيجيًا غير مسبوق.

وأوضح أن هذا الأداء يُمثل انتصارًا نوعيًا غير مسبوق، ويؤكد أن اليمن أصبح ركيزة أساسية في إسناد المقاومة الفلسطينية، بالنظر إلى أن أحد أهم عناصر بقاء الكيان الصهيوني هو الحماية الغربية المتمثلة بالولايات المتحدة.

وكشف شمسان أن القوات المسلحة اليمنية تمكنت عبر اختبارات نارية دقيقة وقراءات ميدانية متقنة من اكتشاف أبرز الثغرات الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية، واستغلالها بفاعلية للوصول إلى أهدافها، عبر تكتيكات نوعية محكمة.

وتطرق

إلى أن العدو الصهيوني نفسه أقرّ بوجود ثغراتٍ كشفتها الهجمات اليمنية، خصوصًا في استهداف أبرز المطارات العسكرية في عمق القيادة الصهيونية.

وفي البحر الأحمر، تمكنت اليمن من كسر الهيمنة الأمريكية البحرية، وإزاحة أهم أسوار الحماية للكيان.

ونوّه إلى أن العملية التي نُفذت في 7 سبتمبر، والتي استهدفت مطار رامون، مثّلت إنجازًا كبيرًا، حيث لم تُرصد لا من قبل المنظومات الرادارية ولا من قبل أنظمة الإنذار المبكر، تلتها ضربات مؤثرة أخرى في 14 سبتمبر و14 أكتوبر.

وأكد شمسان أن نجاح اليمن في تنفيذ ضربات دقيقة على بعد 2000 كيلومتر، وتحقيق إصابات مباشرة في أم الرشراش، النقب، ديمونة، بئر السبع، وحتى حيفا، يعني أن الكيان بات أمام معادلة ردع جديدة، تجاوزت قدراته الدفاعية وكشفت هشاشتها.

ولفت إلى أن استخدام صواريخ متعددة الرؤوس زاد من تعقيد المشهد بالنسبة للعدو، الذي لم يكن يتوقع أن تواجهه قدرات يمنية متقدمة بهذا المستوى.

واختتم شمسان تحليله بالتأكيد على أن هذه الإنجازات تراكمت عبر عمليات متواصلة بين الطائرات المسيّرة، والصواريخ الباليستية، والصواريخ الصوتية الانشطارية، ما جعل اليمن اليوم جزءًا من الطوق الناري الذي يطوّق الكيان الصهيوني ويضعه أمام تهديد دائم، لم يعد بالإمكان تجاهله أو احتواؤه.