الذكاء الاصطناعي: أداة ثورية أم تهديد للسيادة الرقمية؟
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
16 سبتمبر 2025مـ 24 ربيع الأول 1447هـ
تقرير || هاني أحمد علي
شهد العالم منذ عام 2022 تحولًا رقميًا غير مسبوق مع ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل “شات جي بي تي” و”جيناي”.
هذه التقنيات، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فتحت آفاقًا واسعة للتطور في شتى المجالات، ولكنها في الوقت ذاته أثارت تساؤلات خطيرة حول أمان البيانات والسيادة الرقمية.
وقد سلط الخبير في الذكاء الاصطناعي، المهندس عمير عبدالجبار، الضوء على هذا التحدي الكبير، مؤكدًا أن الاعتماد الكامل على النماذج الأجنبية يضع اليمن في موقف ضعيف، مما يستدعي استراتيجية وطنية لحماية الخصوصية وتحقيق الاستقلال التكنولوجي.
وأكد المهندس عمير في لقاء مع قناة المسيرة، صباح اليوم الثلاثاء، ضمن برنامج نوافذ فقرة جدار ناري، أن فوائد الذكاء الاصطناعي لا يمكن إنكارها، فهي تسرع الإنتاجية وتختصر الوقت وتسهّل المهام المعقدة، لكنه يحذر من المخاطر الجسيمة التي تواكب هذا التطور، فعندما يتفاعل المستخدم مع أي نموذج ذكاء اصطناعي أجنبي، فإنه لا يتبادل معلومات مع الفراغ، بل مع خوادم خارجية تابعة لشركات عملاقة مثل “أوبن إيه آي” و”جوجل” و”مايكروسوفت”.
وأشار إلى أن هذه الشركات تقوم بجمع وحفظ كم هائل من البيانات، تتجاوز مجرد المحتوى المكتوب، فهي تجمع:
معلومات شخصية دقيقة: مثل موقعك الجغرافي، ونظام التشغيل الذي تستخدمه، وحتى وقت استخدامك للخدمة.
بيانات سلوكية: مثل طريقة صياغتك للأسئلة، أخطائك الإملائية، المصطلحات التي تستخدمها بكثرة، وحتى أسلوب تفكيرك ومخاوفك واهتماماتك.
وأفاد الخبير في الذكاء الاصطناعي، أن كل هذه البيانات تشكل “بصمة رقمية” فريدة، يمكن استغلالها بطرق متعددة، فبناءً على تصريحات رئيس “أوبن إيه آي”، سام ألتمان، فإن هذه البيانات قد تُطلب من قبل الحكومات أو المحاكم الأجنبية، كما يمكن استخدامها لأغراض تجارية، مثل بيعها للمعلنين أو تدريب نماذج مستقبلية عليها، وقد يتطور الأمر إلى استخدامها في “التصيد الاحتيالي” أو “الهندسة الاجتماعية”، حيث يتم استهداف الأفراد بناءً على معرفة دقيقة بتفاصيل حياتهم.
قضية السيادة الرقمية: لماذا يجب بناء نماذج محلية؟
ويكشف تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024 عن حقيقة صادمة: معظم بيانات العالم تقع تحت سيطرة شركات أمريكية وصينية. هذا الواقع يعني أن الدول التي لا تمتلك نماذجها الخاصة تواجه خطر فقدان السيطرة على خصوصية مواطنيها، وإمكانية التلاعب بالمحتوى والمعلومات بما يخدم أجندات خارجية.
لذلك، يرى المهندس عمير أن الحل يكمن في بناء نماذج ذكاء اصطناعي وطنية، هذا الحل ليس ترفًا، بل ضرورة قصوى لتحقيق التالي:
السيادة والاستقلال: بناء نماذج محلية يضمن أن القرارات المتعلقة بالبيانات والاستراتيجيات الرقمية تكون في أيدي وطنية، مما يعزز استقلالية القرار السياسي والاقتصادي.
حماية البيانات: الحفاظ على بيانات المواطنين داخل حدود البلاد يجنبها مخاطر الاستغلال من قبل جهات أجنبية.
تنمية الاقتصاد الرقمي: بناء نماذج محلية يفتح فرص عمل جديدة، ويشجع على الابتكار، ويدعم الشركات الناشئة، مما يساهم في بناء اقتصاد رقمي قوي ومستدام.
تحديات وحلول: طريق وعرة لكنها ممكنة
وأقر الخبير في الذكاء الاصطناعي بوجود تحديات كبيرة أمام هذا المشروع الطموح، فبالإضافة إلى الحاجة لدعم مالي وبنية تحتية قوية، هناك معوقات إضافية مثل العقوبات التي تمنع استيراد الشرائح الإلكترونية (GPUs) الضرورية لتدريب هذه النماذج.
وأضاف المهندس عمير أن الحل ليس في الانعزال التام عن التطورات العالمية، بل في تحقيق التوازن، فبدلاً من الارتهان بالكامل للنماذج الأجنبية، يمكن لليمن أن تستفيد من خبرات العالم وتستثمر في عقولها وكوادرها المحلية، وهذا ما أثبتته تجارب دول مثل الهند والصين التي طورت نماذج لغوية خاصة بها.
ووجه نصيحة عملية للمستخدمين قائلاً: استخدموا الذكاء الاصطناعي بوعي وتحفظ، تجنبوا مشاركة المعلومات الحساسة والأسرار الشخصية أو المهنية، ففي ظل غياب الحماية الوطنية، يقع عبء الحماية على عاتق المستخدم الفرد، مبيناً أن بناء سيادة رقمية حقيقية يتطلب قرارًا سياسيًا ودعمًا مجتمعيًا لضمان أن تكون هذه التقنية أداة للنمو لا للاستغلال.