الخبر وما وراء الخبر

السيطرة الأمريكية على اليمن وخيانة صالح.. لا عودة لزمن الوصاية

5

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
23 أغسطس 2025مـ – 29 صفر 1447هـ

مضى أكثر من 10 سنوات على رحيل المارينز الأمريكي من العاصمة صنعاء، وحتى الآن تحاول واشنطن العودة إلى زمن الوصاية، لكن رجال الله ووعي الشعب اليمني يحولان دون ذلك.

ولسنوات كثيرة قبل ثورة 21 سبتمبر 2014م، كان السفير الأمريكي هو الرجل الأول في اليمن، وهو المتحكِّم في الشأن اليمني؛ يعين الحكومة ووزراءَها، ويتنقل من مكان إلى آخر، في مخالفة صريحة للعرف الدبلوماسي، فيما كان اليمن بجغرافيته الواسعة مكانًا مناسبًا للمخابرات الأمريكية ولأنشطتها الدعائية، وفي مقدمة ذلك انتهاك الأجواء اليمنية عبر الطائرات بدون طيار وارتكاب أبشع الجرائم بحق الأطفال والنساء تحت ذريعة استهداف عناصر إرهابية.

في عام 2001، كان مِلف ما يسمى “بالإرهاب” هو المتصدِّر عالميًّا، وكانت واشنطن تتحَرّك في الدول بعصا غليظة تلوِّح بها ضد الأنظمة المرتهنة.

وفي مسرحية هزلية تمثلت باستهداف المدمّـرة الأمريكية [يو إس إس كول] في 12 أُكتوبر عام 2000، أتاحت هذه الذريعة للأمريكيين الدخول إلى اليمن تحت مبرّر “مكافحة الإرهاب”.

ومن بعد هذا التاريخ، بدأت الطائرات المسيَّرة الأمريكية تخترق الأجواء اليمنية وتستهدف من تشاء وأينما تشاء، والمفارقة أن بعضَ الطائرات المسيرة الأمريكية كانت تُسيّر من قواعدَ في جيبوتي، وتُطالِبُ بالتحليق فوق محافظات لا تحتوي على أية عناصر إرهابية، بحسب الأجهزة اليمنية؛ مما يشير إلى أهداف تتجاوز مكافحة الإرهاب.

علي عبد الله صالح كخائن كبير

ويعد الخائن علي عبد الله صالح، الذي كان آنذاك على رأس السلطة في اليمن، أبرز أدوات أمريكا في المنطقة، وقد عمد إلى تنفيذ كُـلّ ما يريده الأمريكيون بدون تردّد، ومن ضمن هذه التسهيلات سماحُه بنشر عدد من الخبراء الأمريكيين، إضافة إلى التواجد البحري الأمريكي قبالة السواحل اليمنية، حَيثُ بلغ عدد السفن فيه سبع وحدات بحرية، بينها غوّاصة وحاملة طائرات عمودية.

من أبرز مظاهر وأشكال التدخل الأمريكي في اليمن، ما بات يُعرف بالخرق المتكرّر للاتّفاقيات الدبلوماسية، حَيثُ استخدمت الولايات المتحدة ما يسمى بـ”الحقائب الدبلوماسية” لتمرير معدات وأجهزة غير معلومة دون خضوعها لأي نوع من التفتيش، في مخالفة لاتّفاقية فيينا التي تضمن حصانة للحقائب الدبلوماسية، لكن الوثائق تكشف كيف استغلت السفارة الأمريكية هذه الحصانة لتمرير شحنات يتراوح وزن الواحدة منها إلى 50 كيلوجرامًا، بل وأكثر، دونَ رقابة من السلطات اليمنية.

ويكشفُ تحقيقٌ لقناة “المسيرة” أنه في بعض الحالات، كانت الشحنات ترافقها فرق من قوات المارينز الأمريكي، ويصل عددهم أحيانًا إلى 20 فردًا؛ مما يعكس طبيعة غير دبلوماسية لتلك “الحقائب”.

وبحسب القناة، فَــإنَّ وثائقَ صادرةً عن وزارة الدفاع اليمنية تؤكّـد أن طائرة أمريكية من طرازC-141 اقتحمت مطار صنعاء الدولي، تحت عنوان “نقل معدات للجيش اليمني”، ليتم لاحقًا تعديل الغرض إلى دعم السفارة الأمريكية؛ الأمر الذي اعتُبر إهانةً للسيادة الوطنية، موضحة أن الضبابية التي أحاطت بمحتوى الشحنات، والتي كانت تُمرر تحت بند “مساعدات”، أثارت حفيظة الجهات الأمنية، التي وُضعت أمام أمر واقع دون إمْكَانية رفض أَو اعتراض فعليّ.

وفي عام 2002، أنشأت وكالة الاستخبارات المركَزية الأمريكية (CIA) محطة استخبارية إقليمية في اليمن، بعد أن قدَّمَ الخائن صالح وعودًا بتسهيل عمل مدير المحطة بشكل مباشر، حَيثُ لم يكن الأمر مقتصرًا على ضابط ارتباط واحد، بل شمل فريقًا متخصصًا في العلاقات العسكرية والسياسية والدبلوماسية.

أولاد صالح.. الخونة الجدد

أعقب لقاء الخائن صالح بالرئيس الأمريكي بوش زيارات رفيعة المستوى إلى اليمن، منها زيارة مدير الـCIA جورج تينيت ونائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، فأسست هذه الزيارات لما بات يُعرف بـ”الشراكة الأمنية” بين البلدين، لكنها في الواقع أسست لحالة من التبعية، خُصُوصًا بعد انهيار المنظومة الأمنية والسياسية اليمنية تدريجيًّا.

وفي إبريل 2002م، التقى وزير الداخلية اليمني آنذاك الخائن رشاد العليمي بالسفير الأمريكي أدموند هول، وبحثا آلية مستدامة لعبور مختلف المعدات الأمريكية لبناء غرفة عمليات مشتركة، وبعدها بأسبوع، اقتحمت طائرات أمريكية مطار صنعاء الدولي محملة بأجهزة لصالح الـCIA.

ما بدأ كتحالف أمني لمكافحة الإرهاب، تحول تدريجيًّا إلى شكل من أشكال السيطرة شبه المباشرة على القرار اليمني الأمني والسيادي؛ فالحقائب الدبلوماسية أصبحت قناة لتهريب المعدات، والطائرات الأمريكية سيدة الأجواء، والمحطات الاستخبارية تدار من قلب صنعاء.

لكن بعد مرور عقد من الزمن، وعلى الرغم من العدوان الأمريكي السعوديّ المتواصل على اليمن، إلا أن الأمريكيين يواجهون صعوبةً كبيرة في العودة إلى حلم السيطرة الذي كان في الماضي خلال حكم الخائن صالح.

وتحاول أمريكا تجريبَ الكثير من الأوراق لتحقيق هذا الحلم، حَيثُ تدفع بأدواتها من الأنظمة الخليجية والعربية، وعلى رأسها السعوديّة والإمارات ومصر وغيرها، للقضاء على ثورة 21 سبتمبر لكنها فشلت، ثم دفعت بأدواتها من الخونة والعملاء اليمنيين، وعلى رأسهم حزب (الإصلاح) والخائن علي محسن الأحمر، لكنها فشلت أَيْـضًا.

وتلجأ أمريكا اليوم إلى تحريك أدوات جديدة، من خلال الدفع بالخائن أحمد علي عبد الله صالح إلى الواجهة، في محاولة للعودة إلى الوضع السابق، غير أن ثباتَ اليمن وبسالة أبنائه وقواته المسلحة يبقى الشوكة في حلقوم الأعداء، وأبطالُه هم الصخرة التي تتحطم عليها كُـلّ المؤامرات.