7 سنوات على مجزرة ضحيان بصعدة.. فاجعة لا تُنسى!
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
9 أغسطس 2025مـ – 15 صفر 1447هـ
يذكرنا أغسطس بالكثير من المآسي والآلام والأحزان، نتيجة العدوان الأمريكي السعودي على اليمن الذي بدأ في 26 مارس 2015م، وملأ سجله الأسود بالمئات من الجرائم بحق المدنيين في اليمن.
وفي كل زاوية من زوايا محافظة صعدة شمالي اليمن، لا تزال أصداء جريمة استهداف حافلة ضحيان تتردد رغم مرور 7 سنوات من الفاجعة، وهي تذكر الجميع بأن جراح وآلام وأحزان صعدة لا يمكن أن تمحى من الذاكرة أو أن تُشطب مع مرور الزمن، فالعدو يجب أن يحاسب على جرمه ووحشيته.
في مثل هذا اليوم 9 أغسطس آب، من العام 2018م، ارتكب العدوان السعودي الأمريكي أبشع جريمة حرب وإبادة جماعية بحق الطفولة في اليمن، من خلال استهداف حافلة تقل 130 طالباً كانوا في رحلة للمراكز الصيفية، في سوق مدينة ضحيان بمحافظة صعدة. وتم ذلك بـ 6 غارات عدوانية.
أسفر هذا القصف الوحشي عن استشهاد 53 بينهم 45 طفلاً و79 جريحاً بينهم 56 طفلاً، وسط سوق المدينة المكتظ بالمتسوقين، في أبشع جريمة حرب وإبادة جماعية عن سابق إصرار وترصد، هزت الوجدان العالمي.
في هذه الرحلة، كان الطلاب يتوقعون قضاء يوماً ممتعاً وسعيداً، فيما العدوّ ومرتزِقته يتربصون بهم الدوائر، ويتابعون حركة سير الحافلة وتجميعها للطلاب واحدًا تلو الآخر من منازلهم في صباح ذلك اليوم، والأهالي يودعون أطفالهم بالقبل والحب والدعاء.
وعندما اكتمل العدد، ووصلت الحافلة إلى المكان الأفضل لخيارات العدوّ الإجرامية، أطلق العدوّ طائراته الحربية، وفي دقائق تحلّق فوق سماء مدينة ضحيان، وتقترب قليلاً نحو الهدف المقصود، وتأخذ وضعية إفراغ حمولتها من الصواريخ والقنابل المتفجرة على هيكل الحافلة الواضح على شاشة غرفة القيادة والسيطرة في الرياض و[تل أبيب] و البيت الأبيض، وعلى شاشة المراقبة أمام عيني كابتن الطائرة.
وفي هذه اللحظة من الثانية، تنفجر صواريخ وقنابل الغارات، وتغتال ضحكة وبسمة وفرحة وسعادة الأطفال، قبل أن تقتل وتحرق أجسادهم النحيلة، وتمزق أحشاءهم وتسحق جماجمهم، وتقطع أصابعهم المتمسكة بالقلم الرصاص، وتحرق وتبعثر الأجساد في الحديد والنار، وعلى الأتربة وبين الدمار والخراب والشظايا، تتخاطف الوجوه التي كانت مشرقة بالأمل، وبشرى العودة إلى ديارهم وآبائهم، ومعهم بعض الحلوى التي شروها من السوق قبل دقائق.
يتسمر قادة العدوان ووزراء الدفاع ورؤساء هيئة الأركان لأمريكا والسعودية و”إسرائيل” ومن تحالف معهم، على اليمن أمام شاشات المتابعة في غرف القيادة والسيطرة، والمشاهد تبث تباعاً عبر الأقمار الصناعية، فيصفقون وينهضون من مقاعدهم، ويتبادلون تبريكات إنجاز المهمة بدقة عالية.
مشهد كيوم القيامة
المشهد لم ينته بعد، بل الصرخات تملأ ساحة السوق وشوارع المدينة، وأطفال جرحى يستعيدون وعيهم وأجسادهم مكسّرة وبعض أطرافهم مفقودة، والدماء والنار والغبار والدمار من حولهم، في مشهد رعب لن ينسوه، وبات يؤرقهم وينتابهم في الكثير من الليالي والأيام، فيما أهاليهم أسوأ حالًا منهم. هذا، وذاك، وكلّ من وصله خبر المجزرة المروعة يتحرّك إلى المكان ويلحق بسيارات الإسعاف، ليتعرّف على فلذات أكباده بين الجرحى والشهداء، والأشلاء والقطع الصغيرة فاقدة الملامح والجثث المتفحمة.
طفل جريح لا يقدر على النهوض، يصرخ وهو يشاهد جزءاً من وجه أخيه، فيعلو صراخه مرةً ومرةً وأخرى، ينادي دون جدوى، لا مجيب سوى الله. الكل في مشهد الطامة، فيفقد الوعي، وتنهار أعصابه، وينعقد لسانه، ويجف ريقه ودمه النازف، ومثله آخرون بالعشرات من الجرحى، منهم من جراحه غائرة لا تسعفه على التحرك، وقلة من امتلك القدرة على الحركة ليواجه صدمة الجريمة ومشهديتها أمام ناظريه، فيمسح بيديه على عينيه مراتٍ متتالية عله يكون كابوس رعب في المنام.
كل ما يمسح يعود بنظره إلى كفيه للتأكد، فيشاهد دماءه تسيل على وجهه وفي يديه، والغبار كثيف عليه، والحقائب والأشلاء، وجثث زملائه ومدرسيه ومتسوقين من يمينه ويساره وفي كل اتجاه. فيسارع بخطواته المحدودة باحثاً عن أخيه، لا يبالي بنجاته هو من عدمها، يفقد أعصابه وينهكه الرعب والخوف والتعب في آن واحد، فيرقد جوار جثة متفحمة تشبه إلى حد ما ملامح أخيه، فيرمي بنفسه عليه لحد تنال منه النيران، فيحترق منه القليل ولا يبالي، ولكن المسعفين يأخذونه، هو أولاً ليسعفوه، وهو يردد: “أخي، أخي، اتركوني أنا بخير”، دون علمه بأن الدماء تسيل منه وعليه حروق.
يصل الأهالي إلى مكان الجريمة، وعند أول طفل أمام ناظريهم، الكل يقول: “هذا ابني”، فيتأكّد، ولم يكن هو ابنه، فيواصل البحث بين الجثث والأشلاء والمسعفين في المستشفيات. ليصل في آخر بحثه إلى ابن شهيد أو جريح أو مفقود بين الأشلاء والجثث المتفحّمة التي يصعب فرزها والتعرف عليها.
أشلاء متفحمة
وعند باب مستشفى الطلح بصعدة، كان الآباء يبحثون عن أبنائهم بين الجثامين بعد أن لم يجدوهم بين الجرحى، ليخبر كُـلٌّ الآخر عن ما كان يرتديه أبناؤهم عَلَّ أحداً رآهم أَو وجد شيئاً يدل عليهم.
رحلة بحث الأهالي عن أبنائهم وعودتهم بهم إلى المنزل غير مكتملة، ما لم تكن بجثمان شهيد طاهر، ليُوَدَّع من قبل أمه وإخوانه وأهله، أَو جريح في العناية المركزة، وغرف العمليات الجراحية والحروق، لأسابيع وشهور، وتستمر المعاناة، منها معاناة المعاقين والمقعدين، الذين قطعت غارات العدوان أطرافهم.
“هذه الجريمة ليست كبقية جرائم العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، وما أكثرها، بل هي جريمة كشفت التعمد في ارتكاب الإبادة مع العلم والدراية الكاملة أن من فوق الحافلة أطفال طلاب، كانوا في رحلة فرح وابتهاج بتتويج دورتهم الصيفية التي تعلموا خلالها القرآن الكريم وعلومه، وغيرها من العلوم الدينية المتعلقة بالصلاة والوضوء وحسن التعامل مع الوالدين والآخرين، والأكبر منهم، والعطف على من هو أصغر منهم، وبعض المهارات والأنشطة الرياضية.”
استهداف طلاب حافلة ضحيان جريمة حرب، وإبادة جماعية، وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، والأعراف والقيم والمبادئ الدينية والأخلاق والمواثيق الإنسانية، وتتحمل جميع الدول المشاركة في العدوان على اليمن المسؤولية الجنائية والقانونية.
إن جريمة وأد الطفولة بحق 130 طفلًا على متن حافلة في صعدة واحدة من عشرات الجرائم المماثلة بحق الأطفال في المدارس والمنازل والأسواق والطرقات والمناسبات الاجتماعية، وهي جريمة حرب وإبادة جماعية من آلاف جرائم العدوان السعودي الأمريكي بحق الشعب اليمني، والذي لا يمكن أن ينسى أو أن يغفر للعدو كل هفواته ووحشيته ضد الأبرياء في اليمن.
هذه المأساة رسخت في الذاكرة الجماعية اليمنية والعالمية كدليل على وحشية الحرب، وانتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الإنسانية. الأرقام وحدها تصرخ: 53 شهيدًا، 45 منهم أطفال، و79 جريحًا بينهم 56 طفلًا، في سوق مكتظ، في وضح النهار، وبقرار عسكري واعٍ.
إنها ليست مجرد حدث في التاريخ، بل جرح مفتوح يذكر بأن استهداف المدنيين، وخاصة الأطفال، هو جريمة حرب لا تسقط بالتقادم، وأن المساءلة والعدالة أمران لا بد منهما مهما طال الزمن.