مفاوضات الخرائط على طاولة المناورات في الدوحة.. إلى أين تتجه؟
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
14 يوليو 2025مـ – 19 محرم 1447هـ
لا تزال مفاوضاتُ الدوحة خاضعةً للقرار الأمريكي؛ فقطر تدير حوارًا بلا أُفُقٍ واضح، في ظل إصرار ترامب على منح كيان العدوّ الإسرائيلي دعمًا مطلقًا، ليواصل المجرم نتنياهو مناوراته وطرح وتبني مقترحات تعجيزية.
[التهجير مقابل التهدئة، الاحتلال مقابل المساعدات]، معادلة يراد فرضها صهيونيًّا للضغط على المقاومة، بعد أن تحولت مفاوضات وقف إطلاق النار إلى مناورةٍ على الخرائط والخرائط البديلة، كما لا تزال عُقدة نزع سلاح المقاومة دون حَـلٍّ؛ فيما يُظهِر نتنياهو هروبًا إلى الأمام لضمان إنهاء محاكمته.
وفيما الأيّام تمضي والوقت في غزة يُحسب بالدم لا بالساعات؛ عــدَّ مراقبون مفاوضات الدوحة فخًّا سياسيًّا يُستغل لتكريس معاناة الفلسطينيين، واستخدام مأساتهم كورقةٍ تفاوضية بينما يواصل الوسطاء لعب أدوار مزدوجة؛ إذ يقتصر الضغط الدولي على المظاهر دون معالجة جوهر القضية؛ ما يجعل المفاوضات الحالية أدَاةً لشراء الوقت لا لإنهاء العدوان والحصار وبدء الإعمار.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية نشرت اليوم الاثنين، مقالًا اعترف فيه الصهيوني العميد “ميخائيل ميلشتاين” -مسؤول الساحة الفلسطينية في شُعبة الاستخبارات سابقًا- بالقول: “هناك رابطٌ بين مشروع “المدينة الإنسانية” المخطّط إقامتها بين خان يونس ورفح، وبين مشاريع آلية المساعدة التي أُنشئت قبل نحو شهرين (GHF)”.
وأكّـد ارتباطها أَيْـضًا “وبين تسليح الميليشيات -المدعومة إسرائيليًّا في القطاع جماعات “أبو شباب”- التي يُفترض أن تُشكّل بديلًا لحركة حماس، إلى جانب الإيمان بإمْكَان فرْض نزْع التطرف عن سكان غزة”، حَــدّ تعبيره.
وأشَارَ “مليشتاين” إلى أن “معظمَ هذه الخطوات تُدفع قُدُمًا في جنوب القطاع، وهي المنطقة التي يُفترض بها أن تكون المحرّك لتغيير القطاع بحسب رؤية ترامب، وجميعها تستند إلى الفرضية القائلة بإمْكَان هندسة الواقع والوعي عبر الدمج بين القوة العسكرية والروافع الاقتصادية”.
بدوره؛ يقول الصهيوني اللواء احتياط “عاموس چلعاد” للصحيفة: إن “الخطة الرامية إلى إقامة حكم عسكري مباشر في غزة هي وَهْمٌ سينفجر إلى شظايا، ربما يبدو الحكم العسكري المباشر جذابًا للبعض؛ لأَنَّه ربما يسمح بهزيمة حماس، لكنه في الواقع يمكن أن يُضعِف (إسرائيل)؛ لأَنَّ تكلفتَه تبلغ مليارات كثيرة لمُجَـرّد المحافظة على هذا الحكم المباشر، حتى وإن كان من سيدفع هم أصدقاؤنا الجيران”.
ووفقًا للمعطيات؛ فإن مضمونَ الخرائط ضمن الخطة التي طرحها الوفد الإسرائيلي تبقي قواته على 40 % من مساحة القطاع، مع التلويح بدفع مئات الآلاف من الفلسطينيين نحو مربع “غيتو” في أقصى الجنوب الغربي لرفح؛ ما سيثير مخاوف القاهرة التي دائمًا ما تشيرُ إلى خطرٍ ديموغرافي يهدّد أمنها القومي، ينسفُ مبدأَ السلام مع الكيان.
ووسط هذه المناورات، تحاول حكومة المجرم نتنياهو امتصاص ضغط الداخل الصهيوني، وتفادي انهيار ائتلافها الحاكم، عبر توازنٍ هش بين الموافقة الشكلية على الوساطة القطرية، والإصرار على فرض وقائع عسكرية جديدة في غزة، مدعومة أمريكيًّا.
حماس من جانبها، رفضت الخرائط الإسرائيلية جملةً وتفصيلًا، واعتبرتها محاولة لإعادة احتلال القطاع بوجه مختلف؛ فيما يسعى الوسطاء، وعلى رأسهم واشنطن، إلى تأجيل بند الانسحاب مقابل إحراز تقدم في مِلفات الرهائن والمساعدات.
المشهد المعقَّد يضعُ المفاوضات على حافة الهاوية، مع التهديد الإسرائيلي ببديلٍ عسكري “لقلب غزة”، حال فشلت المفاوضات وتمسك المجرم نتنياهو بما يسمى “مدينة الخيام الإنسانية” الأمريكية المزمع إنشاؤها كأدَاة للتهجير القسري.
في المقابل أربكت تكتيكات المقاومة في غزة، الاحتلال وأثّرت على مسار مفاوضات الدوحة، كـ”كمائن الموت” وسلسلة “حجارة داوود”، التي أوقعت خسائر كبيرة، أفقدت جيش العدوّ توازنه، لتفرض معادلة جديدة على طاولة التفاوض.
وفي الساعات المقبلة، سيكون على الوسطاء في الدوحة انتزاع اتّفاق مؤقت من فم المأزِق، أَو مواجهة احتمال انزلاق الأمور نحو مواجهاتٍ غير متوقعة، بعد أن شكَّل التنسيقُ العسكري الميداني الفلسطيني أدَاةَ ضغط فعالة لتحسين شروط المقاومة.
بل دفعت خسائر العدوّ المتراكمة -المادية والبشرية- كثيرًا من الأصوات الصهيونية للدعوة إلى سرعة إبرام الاتّفاق؛ إيمانًا بفشل الاحتلال وعمق أزمة الردع، وانكشاف عجز القوة عن فرض نظرية الاستسلام.
وتثبت المقاومة أنها قادرة على صناعة التوازن، فقد حوّلت كُـلّ توغلٍ إلى “حقل موت”؛ وستفرض غزة شروطها ونفسها، كمركزٍ للقرار الفلسطيني؛ إذ لا يمكنُ لأية تسويةٍ قادمة أن تتجاوزها، بعد أن تحوّلت إلى مرآةٍ تفضح النفاق الدولي والعجز العربي، والفشل الأمريكي الصهيوني، وتبقى شاهدًا حيًّا على جريمةٍ لا ولن تسقط بالتقادم.