قراءة في خطاب السيد القائد.. التهجير ومخطط “الإمارات التسع”: صفقات العار الجديدة
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
10 يوليو 2025مـ – 15 محرم 1447هـ
تقريــر ||عبد القوي السباعي
وقف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- اليوم الخميس، ليجدد بصوته الجهوريّ الموجع في ضمير الأمة، ويطلق شهادةً لا تنقصها الدلائل، وصرخةً لا تغيب عن الوعي الإنساني، وهو يقرأ مجازر هذا الأسبوع في قطاع غزة.
أسبوعٌ تحوّل إلى مرآة تعكس أقبح ما في هذا العالم من عجزٍ وتواطؤ، وفضيحة أخلاقية وإنسانية تسطر فصولها أمام أعين البشرية التي أدمنت الصمت.
وفي قراءةٍ متأنية لخطاب السيد القائد الذي كشف عن استراتيجيةٍ صهيونية للتهجير تحت وقع الإبادة، ومخطط “الإمارات التسع” في الضفة المحتلة، التي هي نتاج صفقات العار الجديدة، وعن غزة الجريحة ومظلوميتها، المسكوت عنها أمميًّا والمدعومة أمريكيًّا.
جريمة مستمرة وأكبر فضيحة في العصر الحديث:
أكد السيد القائد أن ما يشهده قطاع غزة هذه الأيام هو أكبر وأقبح انحطاط بلغته الحضارة الغربية والمجتمع الدولي بأسره.
أكثر من مليوني إنسان، جلّهم من النساء والأطفال والمرضى، يتعرضون لأبشع صور الإبادة الجماعية والتجويع، في وضح النهار، وعلى مرأى من عواصم القرار العالمي، وأمام كاميرات العالم التي باتت عاجزة عن تحريك الضمائر، أو ربما متواطئة في التغطية على الجريمة.
ويرى السيد أن القضية ليست فقط في عدد الشهداء والجرحى -الذين تجاوز عددهم 3700 في أسبوع واحد معظمهم من الأطفال والنساء- بل في الطريقة التي يُمارس بها القتل.
العدو يستخدم “مصائد الموت” ضد المجوعين المدنيين يستدرجهم، ثم يقصفهم أثناء تجمعهم لتسلم مساعدات غذائية، كما حدث في مجزرة دير البلح -صباح اليوم- حيث ارتقى أطفالاً رضعًا وأمهاتهم وهم يتجمعون بحثاً عن فتات الحياة.
أمريكا: الشريك الكامل في الجريمة
لم يترك السيد القائد مجالًا للمواربة؛ بل سمّى الأمور بمسمياتها: “أمريكا طاغية مجرمة، ترعى الصهاينة وتشاركهم الجريمة بشكلٍ مباشر”، تدّعي قيادة المجتمع الدولي لكنها ترسل الدعم العسكري والمالي والسياسي لآلة القتل الإسرائيلية.
وبحسب توصيفه الدقيق؛ فإن “الغرب لم يبقِ وسيلة قتل إلا وأمدّ بها المجرمين الصهاينة، حتى صار رغيف الخبز أغلى بثلاثة آلاف مرة من قيمته في غزة”، وهو في الأصل ممنوع من الوصول، في جريمة تجويع تندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية.
السيد القائد كشف عن مخطط العدو الجديد تحت مسمى “الإمارات التسع”، وهو مشروع استخباراتي صهيوني هدفه صناعة كيانات محلية عميلة من داخل النسيج الفلسطيني تعمل لصالح الكيان، في تكرار فجّ لنموذج “روابط القرى” الذي فشل في سبعينيات القرن الماضي.
إذ لم يكن غائبًا عنه أن هذا المخطط يُراد له أن يكون غطاءً سياسيًا وأمنيًا لتمزيق الصف الفلسطيني من الداخل، وتسهيل السيطرة على الأرض والإنسان معًا؛ لذا جاء مذكرًا ورابطًا الماضي بالحاضر.
ومع أن السيد القائد اعتبره “سيئًا” ويشكل خطورةً على مسار القضية؛ إلا أنه أكد ثقته بأن “الله سيفشله”، كما فشلت محاولات سابقة أمام وعي الفلسطينيين وثبات المجاهدين.
القدس في مرمى التهويد.. والعالم يشاهد:
وفي قراءة عميقة للواقع، نبه السيد القائد إلى ما يجري في القدس من انتهاكات وتهويد منظم، “هدمٌ يوميّ لبيوت الفلسطينيين، تهجير ممنهج من الأحياء، واستحداث بؤر استيطانية في قلب المدينة ومحيطها”، وكل ذلك وسط صمت عالمي مطبق.
هذا الصمت هو ذاته ما سمح بتحويل المسجد الأقصى المبارك إلى ساحة اقتحامات شبه يومية، فيما تغيب الحناجر التي كانت تلهج بـ”الأقصى في خطر”، وتغيب المنابر الرسمية في العواصم العربية التي ترضخ للإملاءات الأمريكية.
هُنا أوصل السيد القائد رسالة بالغة الدقة والمرارة في آنٍ معًا؛ “فالعدو لم يكن ليتجرأ إلى هذا الحد، لولا التخاذل العربي والإسلامي الرسمي”.
ويرى أن المشكلة ليست في قوة العدوّ وغطرسته؛ بل في استقالة الأمة من مسؤولياتها، وفي صمت أنظمتها، وتطبيع بعضها، وخنوع البقية تحت وطأة النفوذ الأمريكي.
ومع كل ذلك، يؤكد القائد أن ما يجري اليوم سيكون وقودهُ هذا الجيل، الذي لن ينسى؛ بل “سيكون شاهدًا على أعظم فضيحة عرفتها البشرية، وأبشع انحطاط أخلاقي سجّله التاريخ” بحق ما يُسمّى “المجتمع الدولي”.
الثبات الأسطوري للمجاهدين.. وكمين بيت حانون:
رغم حجم العدوان، والخذلان من المحيط العربي الرسمي، يقف المجاهدون في غزة، بحسب وصف السيد القائد، “بثباتٍ عظيم، وبروح معنوية عالية، تدهش العدو وتربك تكتيكاته”.
عمليات كتائب القسام هذا الأسبوع فقط سجلت 16 عملية نوعية، منها 10 عمليات استهداف مباشر لآليات العدو، و5 عمليات قصف مركز، إلى جانب عملية مباغتة للقوات الراجلة.
لكن ما استوقف القائد حقًا كان “كمين بيت حانون”، الذي وصفه بأنه قمة في الإبداع القتالي، ونتاجٌ مباشر للإيمان واليقين والانغماس في ثقافة الشهادة.
السيد يلفت إلى أن العدو الإسرائيلي ورغم تنوع تكتيكاته ومحاولاته الحثيثة لاجتياح قطاع غزة والسيطرة عليه؛ إلا أنه لم يحقق شيئًا منذ 21 شهرًا، حتى مع كل ما يحظى به من دعمٍ أمريكي لا محدود.
وكشف السيد أن العدو يواجه ثغرات كبيرة في بنيته النفسية والعسكرية، وأن ما يظهره جنوده من رعب في الميدان عند مواجهة المجاهدين، هو الترجمة العملية لحالة التفكك والانهيار في داخل المؤسسة الصهيونية، التي لا تجرؤ على الصدام الحقيقي مع من يحمل السلاح واليقين، لكنها تفتك بالمدنيين العزل بلا رحمة.
وما بين ضعف العدوّ الإسرائيلي وداعمه الأمريكي والغربي وخذلان المسلمين، وضع السيد القائد عبد الملك بن بدرالدين الحوثي شهادة صادقة في زمن الارتباك، وسردية جهاد ومقاومة في زمن الاختراق والتردد، وقدَّم قراءةً تستشرف نهاية المشروع الصهيوني من قلب المأساة.
خطابٌ كُتب بدم الشهداء، وبصبر المجاهدين، وبلغة الأمهات الثكالى، ودموع الأطفال في غزة ودمائهم.. وجملةٌ واحدةٌ تختصره: “هذا الجيل” شاهدٌ على المأساة ومن تسبب فيها أو تواطئ وسكت أو تفرج خذل، ولن يُخدع مرتين.