الخبر وما وراء الخبر

“فلسطين أكشن” منظّمة بريطانية تحت المقصلة.. وتصدّع جدار التواطؤ الأُورُوبي

4

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
5 يوليو 2025مـ – 10 محرم 1447هـ

تقريــر || عبدالقوي السباعي

لم يعد ما يحدث في فلسطين المحتلّة شأنًا محصورًا بأهلها، ولا ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي يُحسب فقط على حدود جغرافيته المصطنعة.

منذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أُكتوبر 2023م، تحوّلت القضية الفلسطينية من مِلف مُهمَّش في أدراج السياسات الأُورُوبية إلى كرة لهب تتدحرج في ميادين لندن وبرلين وبروكسل، وتهز أركان صناعة القرار الغربي، التي طالما تواطأت بالصمت، أَو بالتواطؤ العلني، مع كيان الاحتلال.

لكن هذا الحراك الشعبي المتصاعد في شوارع أُورُوبا، وإنْ كان لافتًا وغير مسبوق في زخمه، إلا أنّه يصطدم بحائط المصالح السياسية، والعُقد التاريخية، والهواجس العقائدية التي ما زالت تُكبّل مواقف الحكومات الغربية، وتجعل من حقوق الفلسطينيين مادةً للمساومة أَو التهرب، بدلًا عن أن تكون أَسَاسًا للعدالة.

تحوّلات عميقة على وقع المجازر:

المجازر التي ترتكبها كيان الاحتلال الصهيوني بحق المدنيين في غزة، وصور الأطفال المقطّعين تحت الأنقاض، والنساء المفجوعات، وصرخات الأُمهات الثكالى، أحدثت اختراقًا مهمًّا في المزاج الأُورُوبي العام.

ولم يعد المشهد محصورًا في زاوية اليسار المتضامن أَو النشطاء الملتزمين، بل تحوّل إلى تيار شعبي جارف عمّ العواصم الأُورُوبية من مدريد إلى لندن، ومن باريس إلى بروكسل، حتى أن الرموز الفلسطينية باتت تنافس الأعلام الوطنية في شوارع أُورُوبا.

موجةٌ كشفت أن الضميرَ الإنساني في أُورُوبا، وإن كان محاصرًا بالدعاية الصهيونية، لا يزال قادرًا على أن ينتفض، لا سِـيَّـما حين تكون الجرائم علنية والإبادة بلا مواربة وموثَّقة بالصورة والصوت.

لكن المأزِقَ الأُورُوبي لا يكمنُ في الشارع؛ بل في الغُرَفِ المغلقة لصناع القرار؛ إذ إنَّ الحكومات الغربية، وعلى الرغم من شعورها المتزايد بضغط الرأي العام، ما تزال تتذرّع بما تُسمِّيه “المسؤولية التاريخية” تجاه الكيان الإسرائيلي، وتتبنى معاييرَ مزدوجة في تقييم الجرائم والحقوق.

المواقف الضعيفةُ الباهتة والمتناقضة، التي صدرت عن مؤسّسات الاتّحاد الأُورُوبي، وما تعكسه؛ فشلت أكثر من مرة في اتِّخاذ قرارات ملزمة ضد الاحتلال رغم تصاعد الانتقادات لانتهاكاته الجسيمة في غزة والضفة والقدس.

اليوم، وفيما ناقش الاتّحاد الأُورُوبي 5 خياراتٍ للرد على الانتهاكات الإسرائيلية لبند “حقوق الإنسان”؛ جعلت الخلافات الحادة بين الدول الأعضاء هذا النقاش أقرب إلى ذرّ الرماد في العيون منه إلى تحَرّك سياسي فعلي.

“فلسطين أكشن”.. ضحية حرب الوعي وحملة إسكات الأصوات:

ويأتي القرار البريطاني الأخير بحظر منظمة “فلسطين أكشن”، في خطوةٍ صادمة تُضاف إلى قائمة طويلة من الانتهاكات الغربية لحرية التعبير والعمل المدني، وأكّـدت المنظمة أن “حكومة بريطانيا تخضع إلى لوبي إسرائيلي ولن نتوقف عن دعم فلسطين”.

قرار مجلس العموم إدراج المنظمة على لائحة الإرهاب، وما تبعه من تجميد أصولها وإغلاق مقراتها وصفحاتها الإلكترونية، يعكس حالة الذعر السياسي من تمدد الحراك المناصر لفلسطين إلى العمق البريطاني.

المنظمة، التي تميزت بأُسلُـوبها المباشر في تعطيل مصانع الأسلحة المرتبطة بـ”إلبيت سيستمز”، أثبتت فاعلية عالية، وأجبرت بالفعل على إغلاق 3 مصانع أسلحة إسرائيلية، وأضرت بعلاقات 12 شركة أُورُوبية على الأقل.

لذا؛ فَــإنَّ حظرها لم يكن بسَببِ العنف أَو الإرهاب –كما زعم وزير الأمن البريطاني– بلْ لأَنَّ ها أوجعت آلة الحرب الصهيونية في عمق الاقتصاد الغربي.

وردّ المنظمة جاء مدوّيًا، حين أكّـدت في بيانها أن “الحظر لن يمنع العمل المباشر”، وأن الحركة “فكرة لا يمكن حظرها”، مشيرةً إلى أن هذا القرار هو دليل نجاحها وليس العكس.

الشارع البريطاني لم يصمت طويلًا؛ ففي لندن، خرج المئات في مسيرةٍ صامتة، أحيوا فيها روح “فلسطين أكشن”، ورفضوا قرار تجريم النضال السلمي، مؤكّـدين أن تجريم المقاومة هو شكل من أشكال التواطؤ في الجريمة الأصلية: “دعم الاحتلال الإسرائيلي”.

وصرح محامو المنظمة أمام وسائل الإعلام معلنين أن القرار “استبدادي”، وأنه يُفرّغ الديمقراطية البريطانية من مضمونها، فيما واصل النشطاء الدعوات إلى مواصلة النضال، عبر الوسائل البديلة، وعبر توسيع قاعدة التأييد العالمي لفلسطين، رغم القمع والتجريم.

يبدو أن الغرب، في خضم هذه التحوّلات، يقف أمام امتحان مصيري؛ إما أن يُنصت لصوت الشعوب التي تنادي بالعدالة وتناهض الإبادة، أَو أن يواصل التستر خلف جدران تاريخية هشّة، تخدم الكيان الإسرائيلي وتمنحه الضوء الأخضر لارتكاب المزيد من الجرائم.

لكنّ المؤكّـد أن معركة الوعي قد بدأت، وأنّ الشعوب التي رفعت العَلَمَ الفلسطيني لن تُسقِطَه بسهولة، وأن المنظمات التي كُبّلت اليوم ستفرِزُ غدًا أشكالًا جديدةً من المقاومة، أكثَرً ذكاءً، وأكثر انتشارًا، وأكثر تأثيرًا.

الحقيقةُ لا يمكن إخمادُها بالحظر، كما أن الحَقَّ في الحُريةِ، وفي فلسطين، لا يُحظر بقرار من مجلس العموم البريطاني، و”فلسطين أكشن” اليوم ليست مُجَـرّد منظمة.. بل صارت رمزًا لعالم لا يزال قادرًا على قول: لا.