الخبر وما وراء الخبر

غزة في ذكرى الهجرة النبوية

2

ذمــار نـيـوز || مقالات ||
27 يونيو 2025مـ 2 محرم 1447هـ

بقلم//رويدا البعداني

من يغوص في سيرة نبينا الكريم، ويستشعر ثقل مسيرته الشاقة، تلك الرحلة التي بدأت من مهد الولادة حتى رحيله، فسيغمره فيض من الحب العميق الذي لا يتلاشى، ممزوجًا بحسرة موجعة على ما لاقاه من تنكيل، وتسلط، وجور، وخذلان قاس، هذا الألم يُشهر حسامه مجددًا في وجدان غزة اليوم، غزة التي استوطنها الوجع، وهزل جلمودها، وشاخ زيتونها تحت وطأة المصاب الجلل، فتفيض العين ما إن ترى حالها بدموع لا تنقطع، كأنها أنهار من الأسى، وتستقر في أعماق الروح قوافل من الأنين، تحملُ على عاتقها كل ألمً لا يُحتمل… ألمً يمزق أديم القلب، ويدمي شرايين الروح، ألمً يجعلنا نبصرُ من خلاله عذابات الأمس التي رافقت نبينا، وحشرجات اليوم التي نالت من أهالي غزة.

إن الحصار الذي يخنق غزة وينهش ما تبقى من نبض حياة، ويذيقها مرارة الموت البطيء حتى هذه اللحظات، كذلك حرب التجويع التي حطمت كل معاقل الصبر، وتركت الوهن يحفر تجاعيد من الألم على وجوه كل من في القطاع، لتغدو نهبًا للزمن القاسي والصمت المطبق، لاتقل وجعًا عن ماعاشهُ الرسول الأكرم ومن كانوا معه.

مشاهد الأطفال الممتدة في طوابير الانتظار التي لا تحصد سوى التعب والقهر، ووقوفهم الطويل الذي ينتهي بانتزاع الأرواح من أجسادٍ أنهكها الجوع، لتبقى مرارة الانتظار عالقة بين أسوار العجز، شاهدة على قسوة ما مرَّ بهم ، كل هذه الآلام المتجذرة في عمق القطاع، ليست إلا صدى مؤلما لحصار الأمس على بني هاشم، وإعادة موجعة لمعاناة رسولنا الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، مع الجوع والفاقة والخذلان الذي لاقاه في سبيل دعوته، ومواجهة طواغيت الكفر.

رسولنا الأكرم كان أكثرهم تعرضا للأذى، لم يُؤذ أحدًا قط بقدره، ولم يُبتل أحدا كما اُبتلي، مامن نائبة إلا ونزلت به، ذاق مرارة اليتم، ولوعة الفُقد، وخذلان الأقرباء، حتى الديار التي أحبها وأحبتهُ فارقها مرغما حين اشتد عليه الأمر.

إن بلاء النبوة و الثبات الذي لا يُضاهى يعلمنا دروسا في الصبرو الثبات، وإن النصر آت لامحالة ولو بعد حين، وهذا هو حال كل من يحاول التمسك بالعروة الوثقى، والثبات على مبدأ الحق، والبحث عن الحياة الكريمة… والله المستعان.