الخبر وما وراء الخبر

العدوان الأمريكي على إيران.. فصولٌ تتدحرج إلى الأعلى

1

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
22 يونيو 2025مـ – 26 ذي الحجة 1446هـ

تقاريــر || عبدالقوي السباعي

في مغامرةٍ غيرِ محسوبة تجرُّ المنطقة بأسرها إلى نفقٍ لا يُرى آخره؛ قاد الرئيس الأمريكي ترامب عدوانًا مباشرًا عبر ضربات جوية ضد إيران هي الأخطر منذ عقود.

وبعد مرور أكثر من 150 يومًا على عودته إلى البيت الأبيض، شنّ ترامب خلسةً، عدوانًا خاطفًا استهدف مواقعَ نووية إيرانية بالغة الحساسية في “نطنز وفوردو وأصفهان”، باستخدام القاذفات الاستراتيجية الشبحية “بي-2″، وبتنسيقٍ تام مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي نجح مجدّدًا في فرض أجندته على واشنطن وجرها إلى حروبه علنًا.

المفارقة أن العدوان لم يكن ثمرة “استراتيجية معلنة” أَو ردًّا على تهديدٍ مباشر؛ بل جاء عقب مساعٍ أمريكية ظاهرها التهدئة، حين أرسل ترامب مبعوثه إلى (الشرق الأوسط)، “ويتكوف”، في محاولةٍ لإقناع نتنياهو بوقف إطلاق النار في غزة.

يومها، تحدث الإعلام الأمريكي بإيجابية وأن هناك مؤشرًا على كبح الجماح والتعنت الإسرائيلي، إلا أنه راهَنَ على “شخص ترامب”؛ فهذا العنصر الغامض، يصنع المفاجآت ويعقد الصفقات من خارج السياق، أَو كما يقال من “خارج الصندوق”.

لكن ما لبث أن انقلب المشهد؛ ففي لقاءٍ مع وسائل الإعلام الأمريكية، لوّح ترامب بمهلة أسبوعين لإيران قبل توجيه ضربة محتملة، مُشيرًا إلى أن “الوقت وحده كفيل بأن يخبرنا”، وبعد أقل من 24 ساعة، فعلها.

التنسيق والدعم والتواطؤ.. من الإنكار إلى الفخر:

ما يزيد المشهد غرابة ورمادية؛ هو التحوّل السريع في خطاب الإدارة الأمريكية؛ ففي البداية وصف وزير الخارجية “روبيو” العدوان الإسرائيلي على إيران بأنه “أحادي الجانب”، نافيًا مشاركة واشنطن فيه، ومؤكّـدًا أن الأولوية “حماية القوات الأمريكية” في المنطقة.

لكن بعد العدوان الأمريكي المباشر، تغيّر الخطاب كليًّا، ليظهر ترامب بفخر، معلنًا: “عملنا كفريق واحد مع (إسرائيل) كما لم يحدث من قبل”؛ ما يشير إلى أن ترامب اعتمد سياسة “الكذب والتمويه” لتحقيق الأهداف المرسومة من “داخل الصندوق الصهيوني”.

واللافت في تصريحات المجرم نتنياهو المنتشية: “قرار ترامب سيغيّر التاريخ”، تشي بمشهدٍ يعيد للأذهان كيف يُدار البيت الأبيض حين تكون (إسرائيل) هي من يخطّ سياسات القوة وتصنع القرار.

وبات واضحًا أن ترامب يراهن الآن على سياسة “الضربات المحدودة”، ويدّعي أنها ردع لا حرب، لكنه في الواقع فتح بوابة صدام مباشر مع طهران، ليس فقط سياسيًّا؛ بل استراتيجيًّا وعسكريًّا.

وبحسب مصادر داخل إدارته؛ فَــإنَّ قلقًا عميقًا يسيطر على بعض المسؤولين، خشية أن أية ردٍّ إيراني قد يدفع واشنطن إلى مواجهةٍ شاملة لا تملك القدرة على ضبطها، ولا الرغبة بتحمل كلفتها، إذَا ما توسعت.

الرد بدأ.. والتصعيد يبلغ الذروة:

في طهران، الأمور جاءت أكثر وضوحًا، الرئيس الإيراني بزشكيان لم يتردّد في إعلان أن “الولايات المتحدة أصبحت اللاعبَ المباشرَ في الحرب”، متهمًا واشنطن بإخفاء تورّطها في البداية، ثم الاندفاع إلى المواجهة بعد فشل كيان العدوّ الإسرائيلي.

البرلمان الإيراني صوّت لصالح إغلاق مضيق هرمز، والجيش الإيراني في حالة تأهب قصوى؛ أما على الميدان، فقد نفّذت القوات الإيرانية الموجة العشرين من الردود الصاروخية، مستهدفة مواقع استراتيجية في عمق الكيان المحتلّ.

وفي مؤتمره الطارئ، صرّح وزير الخارجية عباس عراقجي بأن “معاهدة حظر الانتشار النووي لم تعد ذات قيمة”، معلنًا عن زيارته لموسكو، في خطوةٍ توحي بتحَرّك دبلوماسي وعسكري في آنٍ معًا.

ثلاث سيناريوهات لمسار الحرب والسلام:

أمام هذه التطورات، ووفقًا للمعطيات والمؤشرات التي يتناولها الخبراء والمحللون في أكثر من اتّجاه، تُطرح ثلاثة سيناريوهات محتملة، تواجه المنطقة.

السيناريو الأول يتمثل بردٍّ إيراني مزدوج، مع التركيز على بنك الأهداف الإسرائيلية أولًا، ومنها التعامل بالمثل، والاعتداء يقابله ضربٌ لما يماثله كمفاعل “ديمونة”، مع إبقاء استهداف القواعد الأمريكية خيارًا ثانيًا يُستخدم فقط إذَا تمادت واشنطن، وهو السيناريو الأقرب؛ لأَنَّه يضع نتنياهو في الواجهة، دون منح ترامب ذريعةً لتوسيع الحرب.

السيناريو الثاني ويتمثل بشراكةٍ إيرانية روسية ميدانية، من خلال دعمٍ عسكري عاجل من روسيا، ويشمل تقنيات ردع استراتيجية مثل صواريخ “أورشنيك” أَو مقاتلات شبحية متقدمة، وعمليات استخبارية مشتركة تستهدف البنية التحتية للكيان، وترصد القواعد الأمريكية وأصولها في المنتشرة بالمنطقة لإنهاء تواجدها، والسيناريو هذا يبدو محتملًا، لكن محفوفًا بالحذر الروسي المعتاد.

السيناريو الثالث ويتمثل بتحَرّك دولي في مجلس الأمن؛ إذ تلجأ روسيا والصين لتقديم مشروع إدانة للعدوان الأمريكي، في محاولةٍ لفرض وقف فوري للعدوان، إلا أن فيتو أمريكي يكاد يكون مضمونًا سيُفرغ الجهد من مضمونه.

بين الخطاب والميدان.. كُـلّ شيء يتغيّر:

الخطير في المشهد ليس فقط حجم العدوان والتورط الأمريكي ودلالته؛ بل السهولة التي تحوّل بها ترامب من رئيس “لا يريد حروبًا” إلى من يفتتحها باسم الردع، متخليًا عن أية نية لفرملة “الجنون الصهيوني”، ومندمجًا فيه بالكامل، معرِّضًا مصالح بلاده وأبناء شعبه للخطر.

في المقابل، إيران لم تعد تتصرف بمنطق ضبط النفس؛ بل بمنطق “الردع المتراكم”؛ فيما المنطقة تمضي نحو مواجهةٍ قد تُشعل الخليج والمضيق وبحر عُمان والبحر العربي والبحر الأحمر، وربما يتردّد صداها في مضائق آسيا وسواحل المتوسط.

ووفقًا لمؤشرات الميدان المتغير في كُـلّ لحظة؛ حَيثُ اختفت المسافة بين التصريحات والضربات، بين البيانات والدمار؛ وما كان يُنظَر إليه كـ “تحذيرات كلامية” أصبح قَصْفًا بالقاذفات الشبحية، وردًّا بصواريخَ ثقيلة، وربما ستفعل المتوسطة المدى الأكثر ثقلًا وتدميرًا.

المنطقة أمام مفارقات تتداخل فيها القرارات الحاسمة المحسوبة، والمغامرات الجنونية غير المحسوبة، والساعات القادمة ستكشف ما إذَا كانت المنطقة تتجه إلى حربٍ كبرى؛ أم أن “إسرائيل ذاقت الألم وتنحو نحو التوقف دون تحقيق رغبة نتنياهو”، وبات عليه أن يخضع لاتّفاق يرعاه المجتمع الدولي “وقف إطلاق النار”.