الخبر وما وراء الخبر

600 يوم: غزة تحت الإبادة الصهيونية وصمت العالم.. شهادة على زمن السقوط الأخلاقي

5

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
28 مايو 2025مـ – 1 ذي الحجة 1446هـ

تقريــر ||عبدالقوي السباعي

600 يوم من المأساة لا تكفي لوصف ما جرى ويجري، ولا لغة في الأرض قادرة على اختزال ملامح حرب الإبادة الجماعية والمحرقة الجارية في قطاع غزة.

هي حربٌ كما يراد لها أن تُسمّى في نشرات الأخبار الباردة، والتغطيات التلفزيونية المباشرة؛ لكنها إبادة جماعية مكتملة الأركان، وتطهير عِرقي مشهود، تُنفذ تفاصيلها أمام أعين البشرية بصمتٍ مريب، وتواطؤ دولي عربي مخزٍ، وتحت غطاء أمريكي مباشر.

600 يومٍ مضى على جريمة العصر، تصاعدت الإدانات، دوّت بيانات الشجب والتعاطف، خرجت المظاهرات حول العالم، في شوارع ومدن القارات، ارتفعت الأصوات، تحركات وزيارات، لكن بقي الموقف الرسمي متأرجحًا، وأحيانًا كثيرة متواطئًا.

أمريكا حليفة الكيان الأولى، لم تكتفِ بالدعم السياسي، بل زوّدت القاتل بالذخيرة والسلاح، ووفّرت الغطاء لكل جريمةٍ ترتكب؛ فهي لم تكن مجرد “شريك متواطئ”، بل أحد صُنّاع الإبادة، وباعتراف العدوّ نفسه، أمس، بأن، “أمريكا نقلت أكثر من 90 ألف طن من الإمدادات العسكرية إلى “إسرائيل” منذ بدء حرب غزة”.

600 يومٍ منذ اندلاع العدوان الصهيوني على القطاع المنكوب، لم يكن هناك يوم واحد يخلو من الدماء؛ ففي مخيمٍ وشارع مجازر متواصلة، أطفال تُنتشل جثثهم من تحت الركام، أمهات تُقهر، آباء يُدفنون أحياءً مع عائلاتهم، وبيوت تحولت إلى قبورٍ جماعية.

تجاوز عدد الشهداء حاجز 54 ألفًا، والمصابون فاقوا 123 ألفًا، وأكثر من 11 ألفًا لا يزالون في عداد المفقودين، كثيرٌ منهم دُفنوا أحياء تحت الركام، فيما تغلِّفُ قلوب ذويهم قهرًا وانتظارًا بلا نهاية.

تقارير فلسطينية وأممية تحدثت عن وفاة 60 طفلاً بفعل سوء التغذية، في حين تتهدد المجاعة وسوء التغذية الحاد مئات الآلاف من السكان، وفيما 41% من مرضى الفشل الكلوي توفوا خلال العدوان، كان أكثر من 477 مريضًا، قد توفوا وهم ينتظرون السفر للعلاج بالخارج.

قطاع غزة، بات أرضًا بلا مأوى، وسماء بلا رحمة، وشريطًا ضيقًا محاصَرًا، تحول إلى لوحةٍ سريالية للخراب، 90% من سكانه نزحوا قسرًا، بعضهم اضطر للنزوح أكثر من عشر مرات، يبحثون عن بقعة “غير مستهدفة” في خريطة حمراء ملغومة بالموت.

أكثر من 80% من مساحة القطاع أُعلن عنها مناطق عسكرية “محرَّمة”، ليحاصَر السكان بين جدار الموت قصفًا أو بسلاح التجويع، الذي حاولت تجميل صورة الكيان بتكليف شركة أمريكية أمنية، تضُــمُّ عناصر خليجية لتوزيع المساعدات، خارج المنظومة الأممية، في خطوةٍ استفزازية للقوانين المتبعة.

مقرر الأمم المتحدة، صرح بالأمس: “لا أجد كلمات أمام مشهد تسليم المساعدات السادي في غزة، جريمة “أمريكية إسرائيلية”، تسليم المساعدات في غزة يستخدم للإذلال والقتل”.

كل ذلك وأكثر تحت طوق حصار صهيوني محكم، لا يُسمح فيه بدخول رغيف خبز، ولا حتى “شربة ماء”، والمجاعة لم تعد خطرًا يُحذَّر منه؛ بل واقع يعيشه ما يربو على 2.3 مليون إنسان كل لحظة.

600 يومٍ كشفت كل شيء، زيف المؤسسات الدولية التي قالت إنها “تدافع عن حقوق الإنسان”، فصمتت أمام أكبر مجزرة في القرن، كشفت من يقف حقًا مع فلسطين، ومن يبيع دماء الأطفال على موائد السياسة، كشفت أن الجريمة لا تحتاج لسلاحٍ فقط حتى تكون قاتلاً، بل لصمتٍ دولي وتخاذل عربي كي تكتمل.

في غزة؛ لا طعام، لا ماء، لا دواء، المستشفيات انهارت، والكوادر الطبية تقاتل بالندر اليسير من العلاجات والمحاليل المقطوعة، والمدارس اندثرت، والمدن لم تعد مدنًا بل مقابر جماعية على هيئة خرائب.

600 يوم لم ترضخ غزة، ولم ترفع راية الاستسلام، لكنها فضحت العالم؛ فعلى كل حطام منزل، وركام مدرسة، وصرخة أُم، كتبت غزة للعالم بدماء الشهداء وصرخات الأطفال ودموع الثكالى: “نحن لا ننهزِم”. “لن نموت صمتًا.. ولن نحيا استسلامًا”.

غزة ما زالت تنبض وسط الرماد، تبعث برسائل النار إلى من اعتقدوا أن القصف يُخضِع شعبًا أو يمحو قضية، هي لا تطلب الشفقة، بل العدالة، لا تنتظر دمعة من هذا العالم المكسور، بل سلاحًا يُكسَر به هذا الاحتلال المجرم.