الخبر وما وراء الخبر

اليمن يرسم مسارًا جديدًا لمستقبل المنطقة.. انهيار عقيدة الهيمنة للبحرية الأمريكية

2

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
24 مايو 2025مـ – 26 ذي القعدوة 1446هـ

تقريــر || عبدالقوي السباعي

في لحظةٍ نادرة من الاعتراف العلَني بالهزيمة، كشف نائبُ الرئيس الأمريكي “جي دي فانس” عن تحوّلٍ استراتيجي جذري في العقيدة العسكرية الأمريكية، مفادُه أن “زمنَ الهيمنة قد انتهى” وأن “الولايات المتحدة لم تعد قادرةً على نشر قواتها البحرية في مهامَّ مفتوحةٍ بلا حدود”.

تصريحٌ أشبهُ بجرس إنذارٍ دوّى في أروقة المؤسّسة العسكرية الأمريكية، موجّهًا الأنظار إلى هزيمةٍ بحريةٍ غير مسبوقة في البحر الأحمر، حَيثُ تصدّت القوات المسلحة اليمنية بأسلحتها الذاتية، للأسطول الأمريكي المدجّج بترسانةٍ مهولة، وفرضت عليه الانسحاب.

في التفاصيل؛ أظهرت العمليات اليمنية تحوّلًا نوعيًّا في موازين القوة؛ فالطائرات المسيّرة وصواريخ كروز البحرية المنطلقة من اليمن أعادت رسم المشهد العسكري، وأثبتت أن التكنولوجيا منخفضة التكلفة وعالية التأثير يمكنها تقويض أعتى الأساطيل.

الأسطول الأمريكي -الذي طالما مثّل رمز التفوق والاستعلاء البحري الأمريكي، وآلة الردع للقوى الدولية العظمى- اضطر للتراجع، في واحدةٍ من أكثر اللحظات إذلالًا لصنّاع القرار داخل وزارة الحرب الأمريكية “البنتاغون”.

حديثُ “فانس” عن استراتيجية “متحفّظة” لا يعكسُ انضباطًا جديدًا بقدر ما يعبّر عن عجزٍ فرضته وقائعُ الميدان؛ فقد أسقط اليمنُ القناعَ عن القوة الأمريكية، وكشف أنها لا تستطيعُ البقاءَ في بيئةٍ بحريةٍ غير آمنة دون أن تدفعَ أثمانًا باهظة.

ووفقًا للمعطيات، فَــإنَّ الولايات المتحدة لم يعد بإمْكَانها التجوالُ بسفنها الحربية بحريةٍ واستعلاء كما كان في السابق، ولم تعد “حاملات الطائرات” أدوات ردع بقدر ما باتت أهدافًا مكلفة في زمن المسيّرات والصواريخ البحرية، والتي فرضت اليمنُ معادلتَها على كافة الاستراتيجيات العسكرية.

اعتراف نائب ترمب بأن “الحروب تتغير” يستبطن فشلًا استراتيجيًّا كَبيرًا، ويعني أن أمريكا لم تعد تقاتل في ساحةٍ تملك فيها الأفضلية المطلقة، بل إنها تُجبَرُ اليوم على إعادة صياغة عقيدتها العسكرية بما يتلاءم مع تحدياتٍ غير تقليدية، قادمة من خصومٍ يمتلكون أدواتٍ قتاليةً قليلة الكلفة، لكنها فاعلة وقاتلة.

الجمهورية اليمنية، التي كانت تصنَّفُ ضمن قائمة “الخصوم الهامشيين” أَو بالأصح “البيئة التي لا تشكل تهديدًا”؛ باتت تصنع نظرية الردع من أبسط الوسائل، وتشكل تهديدًا عاليًا ليس للقوات البحرية الأمريكية؛ بل للهيمنة الأمريكية على المنطقة.

اللافت أن التحوّل لم يأتِ فقط على لسان السياسيين، بل من الميدان نفسه؛ فشهادة قائد المدمّـرة الأمريكية “يو إس إس ستوكـديل” الجنرال “جاكوب بيكلهايمر” تمثّل شهادة موت لأُسطورة التفوق البحري الأمريكي.

“خفقان قلبه” -كما وصف- لم يكن خوفًا فرديًّا بل تجسيدٌ لهلع القوة الكبرى أمام العمليات الجريئة “لليمنيين الشجعان”، واستخدامُه لعبارة “توقعنا إطلاق النار” يُظهِرُ أن القواتِ الأمريكيةَ دخلت المعركة بذهنية الانسحاب لا السيطرة، وبعقلية الدفاع لا الهجوم.

التوجّـه الجديد الذي أعلنه فانس –المتمثل بالاستثمار في المُسيَّرات والهجمات السيبرانية وتقنيات عالية التأثير ومنخفضة الكلفة– بات ضرورة قهرية لتجنّب سيناريوهات مشابهة لما حدث في البحر الأحمر.

وفي قراءتها للتصريحات المتتالية للمسؤولين السياسيين والعسكريين الأمريكيين، تؤكّـد تقارير مختلفة، أنها المرة الأولى تاريخيًّا التي تضطر فيها واشنطن إلى خفض سقف طموحاتها العسكرية والاعتراف بأن زمن فرض سيطرتها المطلقة قد ولّى؛ ما يعكس حجم الصدمة التي سبّبتها معركةُ اليمن لصُنَّاع السياسات في واشنطن؛ إذ اضطروا أخيرًا للاعتراف بأن زمن البلطجة البحرية قد انتهى على يد اليمن.

وتشير التقارير إلى أن اليمن اليوم يقف قوةً منتصرةً فرضت إعادة تقييم شاملة لأكبر ترسانة عسكرية في العالم، وأدخلت الحروب حقبةً جديدة؛ إذ لم يعد الانتصار من نصيب من يمتلك السلاح المتطور، بل لمن يمتلك الجُرأةَ والتصميم النابع من إيمانٍ بالقضية، يُمَكِّنُه من تحقيق أهدافه بأقل تكلفة وأكبرَ أثر.