الخبر وما وراء الخبر

قرار استراتيجي يهزّ كيان العدوّ ويوسّع جبهة النار.. البحر المتوسط مغلَق

3

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
20 مايو 2025مـ – 22 ذي القعدوة 1446هـ

تقريــر || عبد القوي السباعي

أعلن المتحدِّثُ باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، مساء الاثنين، بَــدْءَ فرض حصار بحري على ميناء حيفا، أهمِّ موانئ كيان العدوّ الإسرائيلي على البحر المتوسط، في ردٍّ مباشر وميداني على التصعيد الوحشي المتواصل ضد غزة.

القرار جاء تتويجًا لمسارٍ تصاعدي من الردع اليمني، يشكل نقلة استراتيجية في قواعد الاشتباك، محوِّلًا البحرَ الأبيض المتوسط إلى ساحة مواجهةٍ جديدة تعمِّقُ عُزلةَ الكيان، وتكسر وَهْمَ تفوقه العسكري.

في بيان القوات المسلحة الواضح والمباشر، أوضح العميد سريع أن هذا القرار يأتي ردًّا على المجازر الجماعية اليومية التي يرتكبها الاحتلال في غزة، وعلى استمرار الحصار والتجويع، ورفض العدوّ وقف عدوانه أَو رفع حصاره.

قرارٌ يعكسُ انتقالًا جديدًا في التموضع اليمني ومرحلة جديدة من المساندة العسكرية والإعلامية والسياسية، إلى إجراءاتٍ عسكرية أكثر صرامةً وأشد وقعًا، وما يجعلُها كذلك ليس بُعْدُها عن مركَز النيران اليمنية فقط، بل لأنها تشيرُ إلى توجّـه يمني حازم بالاستهداف مباشرة، وبعمليات مؤثّرة واستراتيجية.

وفي قراءةٍ تحليلية، فإن القرار اليمني يعكس تحَرّكًا ميدانيًّا دقيقًا ومبنيًا على معلومات استخبارية وقدرات تدميرية، بدليل نجاح اليمن سابقًا في إخراج ميناء أُمِّ الرشراش من الخدمة وفرض حصار واقعي على ممرات البحر الأحمر، واليوم، ها هو الميناء الأكبر في فلسطين المحتلّة يدخل دائرة الحظر.

ميناء حيفا يعتبر الرئة الاقتصادية الأولى للكيان -بحسب تقارير عبرية-، حَيثُ يدخل عبره نحو 30 مليون طن من البضائع المتنوعة شهريًا، كما يشكل عقدة لوجستية رئيسية في شبكة التجارة الدولية؛ بحكم موقعه قُرْبَ أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم.

لكن الأخطر، هو طبيعته العسكرية -بحسب تقارير دولية- فإلى الشرق منه تقع قاعدة “بولونيوم” التي تضُمُّ صواريخَ نووية وغواصات حربية، وهو ما يجعلُ الميناءَ نقطةَ ارتكاز استراتيجية في الردع الصهيوني، داخليًا وخارجيًا.

كما أن حيفا المحتلّة تضُمُّ العديدَ من المشاريع الاستراتيجية العملاقة مثل محطة توليد الكهرباء، واستهدافُها يوازي استهداف القلب الصهيوني نفسه، ويبعث برسالةٍ قاطعة؛ أن لا مكانَ آمنًا في كيان الاحتلال.

ردود الفعل الدولية عكست -لا سيما مراكز أبحاث وشبكات بحرية متخصصة- حجم الصدمة؛ مجلة “ذا ماريتايم إكسكيوتف” أكّـدت أن القرارَ اليمني يرفعُ مستوى المخاطر أمام الشحنات البحرية العالمية، مشيرة إلى أن “صنعاء لا تزال تحتفظ بقدرة هجومية فعالة رغم القصف الأمريكي المكثّـف في شهرَي مارس وإبريل الماضيَّين”.

الولايات المتحدة نفسُها، وعلى لسان القائم بأعمال رئيس العمليات البحرية، أقرّت بأن اليمن يشكل “تهديدًا كَبيرًا لسفننا” رغم كونه “ليس بقوة الصين”، وهذا الإقرار يعكسُ تحوُّلَ اليمن من بلدٍ محاصَر إلى فاعل ميداني إقليمي يرسم معادلاتٍ جديدةً من البحر الأحمر إلى المتوسط.

قرار الحظر اليمني لم يأتِ من فراغ؛ فقد سبق للقوات المسلحة اليمنية -بالاشتراك مع المقاومة الإسلامية في العراق- تنفيذُ عددٍ من العمليات المشتركة امتدت إلى شواطئ البحر المتوسط، والتي أَدَّت إلى إخراج بعض السفن من الخدمة وشلّ الحركة البحرية للعدو.

ومع التهديدات المتزايدة من إعلان اليمن رسميًّا الانتقال إلى دائرة الاستهداف المباشر لميناء حيفا، يجد الكيانُ نفسَه محاصَرًا من البر والجو والبحر، في وقتٍ تتهاوى فيه قدراتُه الاقتصادية والعسكرية وتتشظَّى جبهتُه الداخلية.

كل الإجراءات اليمنية من عمليات عسكرية وفرض حصار جوي وبحري على كيان العدوّ، لا تنبع من فائض استعراض قوة، بل من فائض غضب على المجازر في غزة، كما يقول القادة في صنعاء.

الصحفي الفلسطيني عبدالباري عطوان، يؤكّـد أن “اليمن هو الوحيد على العهد، وَإذَا قال فعل”، والحصار البحري اليومَ أكثرُ إيلامًا من الحصار الجوي؛ لأنه يكمِلُ الطوقَ على الاحتلال، ويخنق اقتصاده، ويعيد تعريفَ موازين الردع من جديد”.

رسائل الشكر الفلسطينية (شعبًا ومقاومةً) لليمن؛ لم تكن بياناتٍ دبلوماسيةً، بل صرخة امتنان من القلوب المحاصَرة، التي رأت في قرار اليمن شمسًا تشرق في زمنٍ تكالبت فيه الظلمات، وقالوا: “هناك في اليمن من يقف، لا ليفاوض على المبادئ، بل ليحرُسُها.. من لا يساوم على دماء الشهداء، بل يزرعُها في تربة المجد”.

وبينما مجرم الحرب نتنياهو يتورط في حرب استنزاف، ويسوّق “انتصارًا” “وَهْميًّا لجمهورٍ خائف؛ يظهر اليمن كقوةٍ عنيدة، صاحبة قرار مستقل، وعقيدة صُلبة، وقدرات قتالية متنوعة وفتاكة.

لقد باتت حيفا المحتلّة اليوم، في مرمى النيران، كعنوانٍ جديدٍ لفشل الردع الصهيوني، وصعود قوة جديدة تبسُطُ نفوذَها من المحيط الهندي وبحر العرب جنوبًا حتى المتوسط شمالًا.