القمة العربية في بغداد.. محطة أخرى للهوان العربي
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
17 مايو 2025مـ – 19 ذي القعدوة 1446هـ
تقريــر || إبراهيم العنسي
تعقد قمة عربية من جديد في ظل جرائم حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، وهذه المرة في بغداد.
وكما بدا هزالها قبل انعقادها، كان الفشل عنوانها، والأمر لا علاقة له فقط بحجم التمثيل وحضور الزعامات والقيادات، من حكام وملوك ورؤساء، فهناك مخاطر جمة تحيق بالأمة ومعها ظهر التفاعل “السياسي” العربي في أسوء حالاته، فقد مل الشارع هذه القصص الرتيبة لـ”القمم العربية” وما تثيره على كراسي الاجتماع من فوضى وخصومات، تشعلها سجالات لا تنتهي بين وفود عرب، غير أنها تنتهي بصور تذكارية وبيانات مملة، هي للعدو مؤشر على رسوخ حال الانهزام واستمرار الضعف، في ظل غياب المشتركات وتعاظم المختَلفات في عقليات ووعي حكام لم يحركهم ضمير ولم تستنهضهم حمية أو نخوة.
وفي الواقع فإن قمة بغداد التي اقتصر حضور العرب الرسمي فيها على رئيس مصر، والصومال، والسلطة الفلسطينية، وأمير قطر، لم تكن إلا حدثًا روتينياً سنوياً، يضاف الى خيبات العرب، فلا قرار حاسم ولا فعل صارم، إلا بيانات تثير الشفقة والسخرية، لا تصاحبها في واقع القمم مواقف صارمة “عملية”، رغم امتلاك العرب والمسلمين لأدوات الضغط ، بينما يظهر هذا الحدث السنوي، مهازل استجداء العرب لعالم ومجتمع دولي زئبقي، يعبر عن هيمنة الغرب على الذهنية الحاكمة في المنطقة، ويكرس مفردات “هزيمة” لا علاقة لها بواقع، باستطاعة العرب أن يصنعوا فيه تحولات استراتيجية، تتوافر لها عناصر القوة التي لم تظهر كما هي اليوم.
ومع كل قمة يفرضها دور عربي مجدول، يعود السؤال الذي عادة ما يطرحه الشارع العربي الاسلامي حول جدوى هذه القمم والتأثير الذي تتركه وراءها؟
و يمكن النظر إلى خفوت صوت قمة بغداد وقمم العرب جملة، كواقع يعبر عن انحطاط غير مسبوق، وصورة هزيلة لا علاقة لها بما يواجهه قطاع غزة من جحيم يرتفع فيه صوت الموت، يلاحق أطفال ونساء وشيوخ غزة، قتلاً وإبادة وتدميرًا. ربما له علاقة بقنابل ترامب زنة 2000 رطل، وأسلحة مجمع التصنيع العسكري الأمريكي التي تجرب على سكان القطاع، فقد سبقته الى كيان العدو قبل مجيئه لحلب اثرياء العرب في المنطقة.
لقد طالبت حركة المقاومة حماس، قمة بغداد بعدة مطالب لم ينفذ أو يقر منها شيئاً، وكانت المقاومة قد طالبت بـ”خطوات عملية” لوقف العدوان ورفع الحصار، وتنفيذ قرارات قمة الرياض القاضية بـ “كسر الحصار وضمان إدخال المساعدات”، وفرض “عقوبات عربية” ودولية عاجلة على الاحتلال الإسرائيلي.
لكن ما الذي خرجت به هذه القمة؟
كعادة حكام العرب لم يستجيبوا لتلك المطالب، ولم يتحدثوا بما يجب أن يقوم به العرب أنفسهم لوقف حرب الإبادة الصهيونية لسكان غزة، بل ألقوا أمنياتهم في أحضان أمريكا والمجتمع الدولي “الذي هو في الأساس هندسة أمريكية لفرض الهيمنة”. وبينما طالب أمين عام الأمم المتحدة غوتيرش بوقف “فوري” لحرب غزة، كان حاله حال أمين عصبة الأمم ما قبل الحرب العالمية الثانية بلا حول ولا قوة، وقت أن غزت اليابان منشوريا واجتاحت إيطاليا لأثيوبيا.
أما حديث أمين عام (جامعة الدول العربية) فلم يكن إلا مثالًا للصورة الهزيلة_ التي ترسمها هذه القمم وخطابات من حضروا من العرب_ في ذهنية الشارع، معبرة عن ضعف “سياسي” ومحاولةً ترسيخ هزيمة ليست إلا في عقلية هذه النماذج العربية المبتذلة. ووصف هذه القيادة _المفترض انها تعبر عن صوت العرب الجمعي _ لحرب الإبادة في فلسطين على أنها عار على (كيان العدو)، وتنديده بصمت العالم، لا معنى له، ولا أثر.
فعلى قدر خطورة الوضع التي يواجهه العرب اليوم في سياق الفوضى وخرائط شرق جديد، جزءه الأساس معني باستكمال تدمير واستباحة غزة، وإلغاء حضور الضفة لصالح “يهودا والسامرة”، ثم يأتي على بقية المشهد في القدس، لإكمال فصل فلسطين، والتحرك الممنهج في ظل توغل صهيوني في سورية ، ينبئ عن خطط استباحة لن تستثني المنهزمين في جغرافية المنطقة، وعلى قدر خطورة المشهد، فإن ذلك لم يحرك ساكنًا لمن حضروا قمة بغداد، حيث طغت زيارة المجرم ترامب للخليج على القمة ونتائجها، كما طغت لغة التوسل “الرسمي” في بيان قمة “بغداد” الختامي، في تناقض واضح مع صورة التفاعل الصاخب لحكام الخليج مع حضور حاكم أمريكا ترامب المحتاج لأموال واستثمارات العرب.
في النهاية لم تكترث هذه القمة لما طالبت به المقاومة، فجاء في بيان “العار” الرابع والثلاثين، هكذا : “نحث المجتمع الدولي، ولا سيّما الدول ذات التأثير، على تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية للضغط من أجل وقف إراقة الدماء وضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة دون عوائق إلى جميع المناطق المحتاجة في غزة”، وكأنها تتحدث عن شعوب وبلاد أخرى لا علاقة لها بالعرب ولا بهذه الامة، وكأنها تقول للآخر ” الأمر إليك فأنظر ما ترى”!!.