انتهازية الأمن القومي الأمريكي بين التناقضات الميدانية والتحالف الاستراتيجي
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
8 ديسمبر 2025مـ –17 جماد الثاني 1447هـ
تتناول ما يسمى بـ استراتيجية “الأمن القومي” الأمريكية الجديدة، التي أعلنها الرئيس المعتوه ترامب، تقليص أولوية المنطقة ظاهرياً مع الإبقاء على ثوابت العدو الأمريكي، وعلى رأسها ضمان أمن كيان العدو الصهيوني، وحماية مصادر الطاقة والملاحة، والدفع نحو توسيع اتفاقيات التطبيع.
وهذا الإعلان يثير تساؤلات حول طبيعة التغير في السياسة الأمريكية وتأثيره على الدول التابعة، خاصة مع تقلبات استراتيجيات الأمن القومي تحت نزعة التاجر ترامب وانتهازيته المعلنة، وفشل قدرته الدفاعية على حماية الأذرع والأصول العسكرية في البحر الأحمر، أمام الردع اليمني الصاعد.
وثيقة للاستهلاك والسلوك الأمريكي يكشف التناقض
في هذا السياق يؤكّد الباحث والكاتب علي مراد أنّ العدو الأمريكي تُوهم بأنه يتجه لاعتماد المدرسة “الجاكسونية” الانعزالية، فيما يتناقض السلوك الأمريكي جذرياً مع هذا الادعاء؛ فترامب نفسه مارس التدخل المباشر في المنطقة وأمريكا اللاتينية، بدءاً بمحاولة إسقاط حكومة مادورو عام 2018 م، وصولاً إلى التحريض والتهديد ضد اليمن ولبنان وغزة عبر الضباط الأمريكيين المتمركزين في فلسطين المحتلة.
ويرى مراد في حديثة للمسيرة عبر برنامج ملفات أنّ الحديث عن “إحياء مبدأ مونرو” ليس سوى غطاء لاستمرار الوصاية على دول أمريكا اللاتينية ومنعها من نسج شراكات مع روسيا والصين، فيما تواصل المخابرات الأمريكية تنفيذ الانقلابات وإدارة الحصار والتهديدات.
ويضيف أن الوثيقة تروّج لـ”عدم التدخل” بينما وأمريكا تغذّي الحروب وتستثمر فيها، خصوصاً في أوكرانيا، حيث تُظهر الفجوة بين الأقوال والأفعال، مؤكداً أن الدولة العميقة –المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني– هي التي تدير الدفة.
من جانبه يرى سمير أيوب أن الوثيقة تبدو نظرياً أقل عداءً لروسيا مقارنة بالإستراتيجيات السابقة، إلا أنّ موسكو لا تعوّل على نصوص، بل على التنفيذ. فالولايات المتحدة –رغم خطاب ترامب– لا تزال تدعم كييف عسكرياً وتستثمر في استمرار الحرب.
ويشير أيوب إلى أنّ ترامب يعتمد “السلام بالقوة” ويبحث عن المكاسب بأقل كلفة، فالحرب مع روسيا مكلفة، بينما الحروب ضد دول العالم الثالث –كما يحصل مع دعم الكيان الصهيوني ضد غزة ولبنان– أقل تكلفة بالنسبة لواشنطن. ولذلك تمسك الإدارة الأمريكية العصا من الوسط، وتستخدم التهدئة كتكتيك لفصل روسيا عن الصين وتقليص التحالفات المناهضة لها، وفرض صفقات بالقوة.
يستعرض مراد آثار السياسة الترمبية، خصوصاً رفع الرسوم الجمركية وإطلاق الحروب التجارية التي كبّدت الأسواق الأمريكية تريليونات، وأجبرت دولاً على توقيع اتفاقيات تفضّل واشنطن. كما أدّت إلى قطع التمويل عن مئات المنظمات التي كانت تُستخدم في “الحرب الناعمة”، ما ترك قطاعات واسعة بلا تمويل وبلا وظيفة.
وفي أوروبا، يضغط ترامب على الحكومات الليبرالية عبر خطاب “التهديد الوجودي” الناتج عن الهجرة وانخفاض المواليد، بهدف دفعها نحو تبنّي اليمين المتطرف وبناء تحالفات بيضاء الهوية، لتهيئة أوروبا كأداة مواجهة مستقبلية ضد الصين.
ويقول أيوب إن تصنيف روسيا كـ”غير عدو” في الوثيقة لا قيمة له من دون خطوات فعلية: رفع العقوبات، إنهاء الحرب، والعودة إلى الاتفاقيات السابقة. أما بشأن الناتو، فإن الحديث عن وقف التوسع لا يحمل ضمانات، خصوصاً أن معظم دول جوار روسيا أصبحت أصلاً ضمن الحلف، ما يجعل أوكرانيا الساحة الأكثر حساسية.
ويرى أن استمرار الحرب يخدم أمريكا اقتصادياً وأمنياً، ولذلك لا يزال ترامب يلوّح بتقليص الدعم الأوروبي دون وقف الإمدادات العسكرية لكييف.
وختم مراد بالتأكيد أن الحديث عن “تراجع الأولوية في المنطقة ليس انسحاباً حقيقياً، بل أداة لابتزاز دول الخليج ودفعها إلى دفع المزيد مقابل الحماية، خصوصاً بعد فشل ولي العهد السعودي في الحصول على اتفاق دفاع مشترك خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.
ويشير إلى أنّ الولايات المتحدة تستخدم العصا الصهيونية لابتزاز لبنان وسوريا ودفعهما نحو التطبيع، وتستغل التوترات لإشعال جبهات خدمةً لمصالحها.
