جريمة القرن في العوجا والأغوار: نبع الحياة الفلسطيني المسروق وصمود رعاته البواسل
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
3 ديسمبر 2025مـ – 12 جماد الثاني 1447هـ
في قلب الأغوار الشمالية، تلك السلة الغذائية التاريخية لفلسطين، وعلى أطراف بلدة العوجا القريبة من أريحا في الضفة الغربية، تتجسد قصة مأساوية تعكس حجم جريمة القرن.
وهنا، يربط السكان الأصليون الفلسطينيون حياتهم بالماء والمواشي، تحوّل نبع العوجا، الذي كان ينبوع الحياة، إلى مجرى يابس بفعل تحويل مجراه نحو البؤر الاستيطانية، من قِبَل قُطعان المستوطنين الصهاينة المعتدين من خارج الجغرافيا والتاريخ.
هموم الرعاة وأحزانهم تتشابك مع صرير الأرض الجافة تحت أقدام مواشيهم الضعيفة الجائعة العطشى، فكل صباح يستيقظون لا على صوت الحياة المعهودة عبر الأجداد وقبل هجرة التجمعات الصهيونية إلى فلسطين العربية، وإنما على صدى الاعتداءات المتكررة، والنهب للمواشي، وتحويل المياه.
وهنا، لم يكتفِ المجرمون المستوطنون، بحماية جيش الكيان المؤقت المدجج بالسلاح، بسرقة المياه وتجفيف منابع الحياة، وإنما تجاوزوا إلى نهب مئات رؤوس الأغنام، وأغلقوا المراعي، وفرضوا حصارًا خانقًا يوميًا.
إنها خطة ممنهجة تهدف إلى السيطرة على الموارد، وتفريغ الأرض من أصحابها الأصليين وتجريدهم من مقومات حياتهم.
تطلعات هؤلاء السكان بسيطة: “حياة كريمة على أرضهم”، لكنهم يعيشون في خوف دائم، كما يقول أحد الرعاة: “على أغنامنا، وأرضنا، ومستقبل أولادنا”.
إنهم يرون في تجفيف النبع وسرقة الثروة الحيوانية استهدافًا مباشرًا لكرامة الإنسان الفلسطيني ووجوده، وهو جزء من حوالي (2,200) اعتداء شهدته الضفة الغربية هذا العام، وتركزت على المزارعين والتجمعات البدوية.
ورغم حجم المأساة، فإن العائلات البدوية في العوجا تصر على الصمود، متمسكة بحقها في البقاء، فكل قطرة ماء يحاولون العثور عليها، وكل خطوة على الطرق الترابية الجافة، هي فعل مقاومة ضد إرادة الاحتلال في سحق الحياة الفلسطينية، إنها قصة الشباب الفلسطيني الذي ينشأ على هذا التراب، صانعًا الأمل من بين الركام، ومتمسكًا بالهوية الفلسطينية التي يُستهدف وجودها على الأرض.
ورغم كل هذه الظروف القاسية، تصر العائلات البدوية على البقاء في أرضها، متمسكة بحقها في الحياة والصمود، مقاومة لكل محاولات الاستيلاء والتهجير، وهنا يتجسد معنى الصمود الفلسطيني الحقيقي، صمود الإنسان في وجه آلة الإبادة والتطهير العرقي والحياتي لكيان غريب زُرع على حين غفلة من تاريخ يزوره الطغاة، صمود يحاول حماية حياته، وأرضه، ومواشيه، رغم كل ما يواجهه من مأساة.
النتيجة مأساوية: مواشٍ بلا مياه، أراضٍ محروقة وجافة، ومزارعون عاجزون عن توفير أبسط مقومات حياتهم، وكل ذلك نتيجة جريمة القرن التي تستهدف الفلسطينيين وتهدف إلى مسخ هوية شعب كامل ونهب ثرواته الحيوانية.
هذه الجرائم ضد الأرض، كما هي ضد الإنسانية، وضد مستقبل شعب كامل يسعى للبقاء على أرضه.
قصص رعاة الأغنام في العوجا هي شهادة حية على جريمة القرن اليومية، على إرادة الاحتلال المستمرة لتهجير الفلسطينيين، وصمود الإنسان الفلسطيني الذي يرفض الخضوع رغم كل الظروف القاسية.
إنها فلسطين بترابها وسكانها ومواشيها ومزارعها ومياهها، تلفظ الغزاة المحتلين وتثبت جذورها في عمق الحضارة الفلسطينية منذ آلاف السنوات، وتعلن اللعنة على الغرب الكافر والعرب الصامتين وكل المجتمع البشري الذي يكتفي بالشجب والتنديد أمام أبشع جرائم الأرض، من قِبَل شعب بلا أرض يريد احتلال أرض وقتل شعب آخر.
