خبراء عسكريون وسياسيون واقتصاديون: التحركات البريطانية في عدن تخدم كيان العدو والقوات اليمنية في جهوزية لسحق أي تحرك معادي
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
22 نوفمبر 2025مـ –1 جماد الثاني 1447هـ
أثارت زيارة الوفد البريطاني الأخير إلى مدينة عدن الكثير من الأسئلة بشأن دلالة الزيارة وتوقيتها ونوايا لندن تجاه اليمن، كونها تسعى إلى تأهيل ما يسمى بقوات “خفر السواحل” التابعة لحكومة المرتزقة في ظل الحديث عن مزاعم تأمين الملاحة في البحر الأحمر.
وقادت بريطانيا مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 2023م عدواناً غاشم على اليمن، في محاولة لرفع الحصار عن الكيان الصهيوني، غير أن تلك المحاولات باءت بالفشل، ولم تتمكن واشنطن وحليفتها من هزيمة اليمنيين.
وفي هذا الصدد يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي المشارك في جامعة صنعاء، الدكتور عبداللمك عيسى إن زيارة الوفد البريطاني جاءت إلى مدينة عدن المحتلة، في توقيت فشلت فيه الحملة الأمريكية – البريطانية في كسر إرادة القوات المسلحة اليمنية أو الحد من قدرتها على التأثير في الممرات الملاحية الدولية.
ويضيف في تصريح خاص “للمسيرة نت” أن الزيارة جاءت كذلك في مقابل فشل العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن، حيث تمكنت القوات المسلحة اليمنية من فرض واقع جديد غيّر المعادلات في البحر الأحمر، وأعاد الاعتبار لليمن كقوة إقليمية فاعلة في المواجهة مع الولايات المتحدة وكيان العدو الإسرائيلي.
ويؤكد عيسى أن هذه التطورات دفعت لندن للتحرك المباشر، عبر حكومة المرتزقة من عدن المحتلة، وتحت شعار تأهيل ما يسمى بـ “قوات خفر السواحل”، في محاولة لإعادة ضبط نفوذها في مناطق كانت تعتبرها جزءاً من مجالها الاستراتيجي، مبيناً أن بريطانيا تسعى اليوم إلى ترميم حضورها السياسي والبحري في جنوب اليمن، وذلك بعد أن أدركت أن ما يسمى المجلس الرئاسي للارتزاق مهدد بالانقسام وأن الصراع السعودي–الإماراتي يهدد بإفشال أي ترتيبات مستقبلية.
ويوضح أن لندن في الوقت نفسه تحاول طمأنة كيان العدو الإسرائيلي وحلفائها بأن البحر الأحمر لن يخرج عن السيطرة الغربية رغم أن الواقع الميداني يؤكد أن القوات المسلحة اليمنية باتت صاحبة اليد العليا في هذه الجبهة.
ومن منظور موضوعي – بحسب الدكتور عيسى – يمكن قراءة التحرك البريطاني في سياق محاولة القوى الاستعمارية القديمة لمواجهة متغيرات لا تصب في صالحها في بلد أثبت أن قوته لا تقاس بالعتاد بل بوعيه وثباته وقدرته على صناعة معادلات جديدة، مبيناً أن الزيارة البريطانية تعكس مكر السياسات الغربية التي يحذر القرآن من الانخداع بها: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} وهي تؤشر إلى مرحلة انتقالية بات فيها اليمن لاعباً مركزياً لا يمكن تجاوزه.
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن الزيارة البريطانية ليست دعماً لحكومة المرتزقة في عدن بقدر ما هي اعتراف إجباري بواقع جديد فرضته صنعاء في البحر الأحمر، وقلق غربي من مستقبل تتراجع فيه قدرتهم على التحكم بممرات كانت بالأمس تحت هيمنتهم الكاملة.
سيناريوهات الجولة القادمة
من جهته يرى الباحث في الشؤون العسكرية زين العابدين عثمان، أن لقاء الوفد البريطاني بحكومة المرتزقة يأتي ضمن المخطط العدواني الجديد الذي يتم التحضير له في هذه المرحلة وتشرف عليه بريطانيا وأمريكا وكيان العدو الإسرائيلي بالتنسيق مع السعودية والإمارات.
ويؤكد في تصريح خاص “للمسيرة نت” أن هناك زيارات مكثفة قام بها ضباط ومسؤولون من العدو الأمريكي والإسرائيلي إلى عدن وتعز وغيرهما من المحافظات المحتلة في الجنوب، من أجل تقييم الأوضاع وتهيئة حكومة المرتزقة عسكرياً ولوجستياً لتنفيذ سيناريوهات الجولة القادمة من العدوان على شعبنا اليمني.
ولأن زيارة الوفد البريطاني تأتي ضمن آلية التنسيق والتعاون المشترك الخاص بالمخطط الصهيوني، يقول عثمان: “تحاول بريطانيا في هذا الصعيد لعب دور لا يقل خبثاً عن الدور الأمريكي و”الإسرائيلي”، مشيراً إلى أن حزمة المساعدات التي قدمها الوزير البريطاني لحكومة المرتزقة في زيارته الأخيرة تكشف تفاصيل المخطط الذي يأخذ أول سيناريوهاته عسكرة البحر الأحمر، وتنشيط دور المرتزقة في الجبهات، وإعادة تأهيل الجزر وسواحل المحافظات المحتلة، كجزيرة سقطرى وميون وغيرها، إلى قواعد ومحطات لتنفيذ العمليات التي تستهدف أمن وسلامة الملاحة والتجارة الدولية، ومحاولة استعادة السيطرة على البحر الأحمر، وتعويض الهزيمة الساحقة التي تعرضت لها بحرية العدو الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني أمام قواتنا المسلحة.
ويؤكد أن هوية مخطط قوى العدوان الأمريكي البريطاني والإسرائيلي في هذه المرحلة قائمة على الزج بوكلاء السعودية والإمارات ومرتزقتها واستخدامهم كرأس حربة في مواجهة قواتنا المسلحة خلال الجولة القادمة، ومواجهة سيناريو عمليات الإسناد اليمني لغزة التي يمكن أن تعود مجددًا في حال انهار الاتفاق.
ويضيف: “قواتنا المسلحة أمام هذا التحضير والتآمر الجديد الذي تنفذه قوى العدوان ضد شعبنا اليمني العزيز ليست في وضع المراقب فقط، فهي ترصد تحركات هؤلاء الأعداء بدقة، بالتزامن مع الاستمرار في تطوير القدرات البرية الضاربة وقدرات الردع النوعية الاستراتيجية، مع الحفاظ على أقصى درجات الاستعداد والجهوزية الكاملة لسحق أي تحرك معادٍ ومواجهة مختلف السيناريوهات القادمة.
وحول طبيعة الجولة القادمة من الحرب والعدوان، يبين عثمان أن الجولة القادمة لن تكون كسابقاتها، فحجم التحضير العسكري والاستخباراتي الذي تنفذه قوى العدوان أمريكا وبريطانيا وكيان العدو مع أدواتهم القذرة السعودية والإمارات والمرتزقة، يوضح أنهم يسعون لحرب مسعورة، مع التأكيد أن نتائجها ستكون الفشل والانهيار، ولن تأتي بأي جديد، فقواتنا المسلحة -بفضل الله تعالى- في أقوى وضعية عسكريًا وتسليحيًا واستراتيجيًا، وبات يمكنها خوض حرب مفتوحة بلا ضوابط وبلا أسقف وبمسارات تصعيد لم يسبق لها مثيل.
إعادة ترتيب الحضور البريطاني
وعلى صعيد متصل، يقول محافظ لحج الشيخ أحمد جريب، أنّ زيارة الوفد البريطاني، إلى مدينة عدن المحتلّة، في هذا التوقيت تحملُ جملةً من الدلالات الواضحة، التي تمثّلُ تحرّكًا بريطانيًا مكشوفًا لإعادة ترتيب الحضور البريطاني العسكري والسياسي في المحافظات المحتلة، تحت ما يسمى بتعزيز الأمن البحري، وتعكسُ حجمَ التورّط البريطاني في العدوان على اليمن واحتلال أرضه ونهب ثرواته.
ويوضح في تصريح خاص “للمسيرة نت” أنّتوقيت الزيارة يتزامنُ مع مساعي بريطانيا لتعزيز نفوذها وسيطرتها من جديد على الموانئ الاستراتيجية وخطوط الملاحة، وعلى البحر الأحمر وخليج عدن، بهدف حماية مصالحها الخاصة ومصالح الغرب وتأمين ملاحة العدو الإسرائيلي، بعيدًا عن أي اعتباراتٍ تخصّ الشعب اليمني أو سيادته الوطنية.
ويشير إلى أن زيارة الوفد البريطاني للمنشآت الأمنية التابعة للمرتزقة في عدن، وخصوصًا مقرات خفر السواحل، وتعهد بريطانيا خلال مؤتمر ما يسمى “بالأمن البحري اليمني” الذي انعقد بالسعودية في سبتمبر الماضي بدفع 4 ملايين دولار لدعم هذه القوات [خفر السواحل] التابعة للمرتزقة، وكذلك إعلان السفيرة البريطانية عبدة شريف خلال هذه الزيارة عن تقديم (149) مليون جنيه إسترليني، تكشفُ حقيقة الدور الذي تضطلعُ به بريطانيا في العدوان على اليمن منذ عشرة أعوام، ودعم المرتزقة وأدوات الاحتلال، والحصار الاقتصادي المتواصل الذي يفرضه العدوان على الشعب اليمني.
ويشدّدُ على أنّ هذه الزيارة تأتي بالتزامن مع تحرّكاتٍ بريطانية وأمريكية مشتركة، هدفُها عسكرة البحر الأحمر، تحت مبررات واهية، ومنها تأمين الملاحة الدولية، وتثبيت وجودٍ طويل الأمد في المحافظات الجنوبية المحتلة، والتأثير في مسار أيّ تسوية سياسية، بما يضمنُ بقاءَ اليمن تحت الوصاية الأجنبية ومنعِه من امتلاك قراره السيادي، وبما يخدم المصالحَ الغربية ومشاريع السيطرة على الموانئ وخطوط الملاحة الدولية، موضحاً أن ذلك يأتي في وقتٍ يواصلُ فيه الشعب اليمني موقفَه الثابت في مواجهة العدوان والعدو الإسرائيلي والدفاع عن وحدة الأرض واستقلال القرار.
ويؤكد أنّ أيّ اتفاقيات تُبرمها حكومة المرتزقة مع بريطانيا في عدن، لا تمثّل الشعب اليمني الحرّ، وأنّ اليمن بقواته المسلحة في صنعاء، قادرٌ على حماية مياهه وموانئه وحدودِه دون وصاية، وأنّ محاولاتِ إعادة إنتاج النفوذ البريطاني في الجنوب المحتل، ستسقط كما سقطت من قبل، وأنّ كل التحركات الأجنبية الطارئة لن تُغيّر من مسار المواجهة مع العدو، ولا من الإرادة الوطنية للشعب اليمني، المساند لغزة.
سيطرة ونفوذ
وفي السياق، يرى رئيس المركز التأسيسي للدراسات والبحوث الدكتور خالد العماد أن زيارة الوفد البريطاني إلى عدن في هذا التوقيت تأتي ضمن مسار واضح للسيطرة وبسط النفوذ البريطاني في جنوب اليمن والبحر الأحمر، مؤكداً أن التحركات البريطانية المتسارعة تعكس توجهاً لإعادة التموضع وتهيئة الساحة لمرحلة حرب جديدة، وهو ما يوافق كلام الباحث العسكري عثمان.
ويشير العماد إلى أن هذه الزيارة تتضمن ترتيبات واسعة تجريها بريطانيا مع مرتزقة العدوان بالتنسيق مع أمريكا والعدو الإسرائيلي، مع تقديم دعم مالي ولوجستي وعسكري، استعداداً لحرب قادمة، رغم إدراك بريطانيا التام بأن أولئك المرتزقة لم يحققوا يوماً أي انتصار يُذكر.
وبرغم حالة التشتت والانقسام التي يعيشها مرتزقة العدوان في المحافظات المحتلة، إلا أن العماد يؤكد أن المستعمر القديم – الجديد يحاول جاهدًا توحيدهم وتشكيل جبهة واحدة لمواجهة القوات المسلحة اليمنية بصنعاء، في خطوة يرى أنها تخدم مصالح بريطانيا وأهدافها في البحر الأحمر، وتأتي ضمن مساعيها لاحتواء التأثير المتصاعد لليمن في الإقليم، خصوصاً بعد دوره الفاعل والمباشر في معركة طوفان الأقصى ضد العدوّ الإسرائيلي، ومن قبلة الأمريكي والبريطاني نفسه.
إدارة الحرب الاقتصادية ضد الشعب اليمني
اقتصادياً، يرى الخبير الاقتصادي رشيد الحداد أن بريطانيا تواصل دورها العدائي كشريك أساسي في الحصار والعدوان على الشعب اليمني، لافتاً إلى أنها تُعد جزءاً من اللجنة الرباعية الدولية التي ترسم الخطوط العريضة للحرب الاقتصادية خلال السنوات الماضية وحتى اليوم.
ويشير الحداد إلى أن بريطانيا تتولى اليوم مهمة إدارة الحرب الاقتصادية بعد أعوام من إدارة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لهذه الحرب من داخل مدينة عدن المحتلّة، وتنفيذ كافة سياسات الرباعية الدولية بإشراف السفارة الأمريكية لدى اليمن، بدءًا بقيامها بدور عدائي ضد الشعب اليمني في مجلس الأمن الدولي، وسعيها لتشديد الحصار على اليمن في إطار دعمها وإسنادها لأمريكا وللعدوّ الإسرائيلي.
ويوضح الحداد أن السفارة البريطانية في عدن المحتلة، ركّزت خلال الآونة الأخيرة على تشديد الإجراءات ضد الواردات، وتتحدّث باستمرار عن ضرورة “قطع الموارد عن صنعاء”، وهو ما يُظهر بوضوح أن بريطانيا تقوم بدورٍ محوري في إدارة الحرب الاقتصادية ضد الشعب اليمني، مؤكداً أن اندفاع بريطانيا نحو تشديد الحصار الاقتصادي ضد شعبنا، يأتي في إطار تبادل الأدوار بينها وبين أمريكا، مبيناً أن قوى الاستكبار تراهن اليوم وبشكل كبير على الورقة الاقتصادية بعد فشلها في تحقيق أي نتائج عسكرية، خلال الأعوام الماضية.
ويؤكد الحداد أن الإجراءات البريطانية العدائية ستُقابل بخطوات يمنية موجعة، مشدداً على أن بريطانيا تدرك جيداً أن سلاسل الإمداد التابعة لها تقع تحت رحمة القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، وأن أي تورّط إضافي في تشديد الحصار على الشعب اليمني قد يفتح الباب أمام أزمات تموينية حادة داخل الأسواق البريطانية، وربما يدفع مصانع وشركات بريطانية نحو الإغلاق.
ويحثّ الحداد الرأي العام البريطاني على الضغط على حكومة لندن المتصهينة لوقف اعتداءاتها الاقتصادية على اليمن، محذّراً من أن استمرار هذه السياسات قد يضع البريطانيين أمام واقع اقتصادي معقّد، لن يكون من السهل احتواؤه مستقبلاً.
