الخبر وما وراء الخبر

سياسة التعطيش.. كيف حول العدو الصهيوني الماء إلى سلاح إبادة؟

3

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

12 نوفمبر 2025مـ –21 جماد الاول 1447هـ

لا تتوقّف معاناة الغزّيين عند القصف والدمار، حيث تمتدّ إلى أبسط حقوق الإنسان، الماء. منذ الأيام الأولى للعدوان الصهيوني على غزة، قرّر المحتلّ أن يجعل العطش جزءاً من أدوات العدوان، حيث أغلق الصنابير، دمّر محطات التحلية، قصف المضخّات والآبار، ليحوّل الماء إلى حلمٍ بعيد المنال، وسلاح قتلٍ بطيءٍ يُفتك بالأرواح بلا صوت انفجار.

في مشهدٍ يلخّص قسوة الحصار، وقف أطفال غزة في طوابير طويلة يحملون أوعيةً فارغة كأنهم يحملون أرواحهم، ينتظرون قطرة ترويهم. نساء يبحثن عن بئرٍ لم يُدمّر بعد، ورجال يجرّون عرباتٍ بلاستيكية مهترئة عبر الشوارع المهدّمة، علّهم يجدون بعض الماء.

ووفق تقديرات ميدانية لمنظمات إنسانية، حُرم أكثر من 2.3 مليون فلسطيني من الحصول على مياهٍ نظيفة خلال الأسابيع الأولى للعدوان، فيما انقطعت المياه تماماً عن نحو 70% من مناطق القطاع.

ويؤكد تقرير صادر عن وكالة “أوتشا” التابعة للأمم المتحدة إن أكثر من نصف مليون طفل في غزة واجهوا خطر الجفاف الحادّ، في حين اضطرت عشرات آلاف العائلات إلى شرب مياهٍ ملوّثة بسبب تعطّل محطات التحلية ونفاد الوقود اللازم لتشغيلها.

وأضاف التقرير أن نسبة تلوّث المياه الجوفية تجاوزت 95%، ما أدّى إلى تفشي أمراض معوية خطيرة، أبرزها الإسهال الحادّ والتهاب الكبد الوبائي، خاصة بين الأطفال والمرضى في مراكز الإيواء.

ولم يكتفِ العدوّ الإسرائيلي بمنع دخول الوقود، بل استهدف بشكلٍ مباشر 11 محطة تحلية رئيسية، بينها محطة البريج ومحطة النصيرات ومحطة الشمال، إضافة إلى قصف أكثر من 50 بئراً تغذّي الأحياء السكنية، وفق تقرير صادر عن وزارة الأشغال في غزة.

وتعطّلت منظومة المياه بالكامل في القطاع، مع هذا التدمير الممنهج، وتحوّل الحصول على لترٍ واحد من الماء الصالح للشرب إلى معركة يومية.

ويصف الطبيب الميداني الفلسطيني أحمد شحادة، في حديثٍ مع قناة “المسيرة”، الوضع الإنساني قائلاً: «لم نكن نملك حتى الماء لغسل الجروح، الجرحى كانوا يموتون عطشاً أو بسبب التلوث، مؤكدا أن التعطيش في غزة جريمة حرب بطيئة التنفيذ.

وبحسب وزارة الصحة في غزة، سُجّلت عشرات حالات الوفاة بسبب الجفاف وسوء التغذية، بينها أطفال لم يتجاوزوا الخامسة من العمر، فيما تشير التقديرات إلى أن نحو 40% من سكان القطاع يعتمدون اليوم على مياه البحر أو مياه ملوّثة غير صالحة للشرب.

في مخيمات النزوح المنتشرة على طول القطاع، لا يختلف المشهد كثيراً، خيام مهترئة، صفوف طويلة من الأطفال والنساء ينتظرون تعبئة زجاجة ماء، وبعضهم يتقاسم قنينة واحدة بين خمسة أو عشرة أشخاص.

مشهدٌ وثّقته عدسات الناشطين، حيث تظهر أمّ تمسح على شفتي طفلها قطعة قماشٍ مبللة لتخفيف عطشه، ورجلٌ يسكب آخر ما تبقّى في زجاجته في يد عجوزٍ فقدت وعيها من الجفاف.

وتقول تقارير محلية إن العدوّ تعمّد استخدام سياسة “التعطيش الجماعي” كسلاح عسكري يوازي في أثره القصف الجوي، إذ يُراد منه كسر إرادة الناس وإخضاعهم.

وتصف منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية، هذا السلوك بأنه انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، الذي يُجرّم استهداف مصادر المياه وحرمان المدنيين من الموارد الحيوية.

ويشير تقرير منظمة أوكسفام الأخير إلى أن نصيب الفرد في غزة من المياه اليومية انخفض إلى أقل من 2 لتر في اليوم الواحد، وهو أقل بخمس مرات من الحدّ الأدنى الموصى به دولياً للبقاء على قيد الحياة.

كما تؤكد المنظمة أن البنية التحتية المائية في القطاع تحتاج إلى ما لا يقلّ عن 200 مليون دولار لإعادة تأهيلها، وأن استمرار المنع الصهيوني لدخول المعدات وقطع الغيار يجعل الإصلاح شبه مستحيل.

ومع أن المجتمع الدولي يكتفي ببيانات “القلق العميق”، فإن الواقع الميداني يزداد سوءاً، حيث أن المنظمات الإنسانية عاجزة عن إدخال صهاريج المياه والوقود بسبب استمرار الحصار، فيما يواصل العدوّ فرض “معادلة العطش” كوسيلة للضغط السياسي والمعنوي على المقاومة الفلسطينية.