الخبر وما وراء الخبر

معاناةٌ تفوقُ الوصف.. حرب تعطيش قاسية على قطاع غزة

3

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

13 سبتمبر 2025مـ 21 ربيع الأول 1447هـ

يعيش سكان قطاع غزة البالغُ تعدادُهم أكثرَ من مليونَي نسمة تحت وطأة التجويع والتعطيش الذي يفرضه الحصار الصهيوني الغاشم؛ فالحصول على الماء النقي الطبيعي بات معركة يومية وحلمًا بعيد المنال لسكان القطاع.

ويدفع سكانُ القطاع ثمنًا باهظًا؛ مِن أجلِ الحصول على المياه النظيفة، حَيثُ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 97 % من المياه الجوفية غير صالحة للشرب؛ نتيجةً للتلوث بالملوحة والمواد الكيميائية الناجمة عن العدوان الصهيوني المُستمرّ منذ ما يقاربُ العامين، بما فيها استخدام أسلحة محرَّمة عالية السمية.

وفي ظل هذا الواقع الأليم، ارتفعت أسعار المياه النقية بشكل كبير؛ إذ بلغ سعر خزان الماء الصالح للشرب بسعة ألف لتر ما بين 75 دولارًا، فيما تباع عبوة مياه بسعة عشرة لترات بـ3 إلى 4 دولارات.

غير أن الكارثةَ لا تتوقَّفُ عند حدود ارتفاع الأسعار؛ فانقطاع الكهرباءِ يجعل من تشغيل محطات التحلية مهمة شبه مستحيلة؛ ما يزيدُ من صعوبة الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، فأقل من 10 % من الأسر في غزة تحصل على المياه عبر الشبكة العامة يوميًّا، وغالبًا بكمياتٍ لا تتجاوزُ نصفَ احتياجاتها الأَسَاسية.

وعلى وَقْعِ هذه الأزمة اندفعت العائلاتُ إلى شراء مياه باهظة الثمن أَو اللجوء إلى مصادر ملوَّثة؛ ما أَدَّى إلى ارتفاع معدلات الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة، خُصُوصًا بين الأطفال، حيثُ إن أكثرَ من 60 % من الأطفال يعانون من الإسهال المزمن والطفيليات المعوية؛ وهو ما يهدّد صحتهم ونموهم على المدى الطويل.

ويعيش سكان غزة ظروفًا قاسية، وفي قلق دائم؛ إذ إن أكثر من 80 % من الأسر تعبّر عن مخاوفها المُستمرّة بشأن الحصول على المياه النظيفة؛ مِمَّا يزيدُ الضغوطَ النفسية ويحولُ الماءَ إلى ضرورة ملحة للبقاء على قيد الحياة، لا سِـيَّـما أن الأمر لا يتعلق هنا بالراحة أَو الرفاهية، بل بالأمن الإنساني الأَسَاسي المتمثل في البقاء على قيد الحياة.

ويواجه الجرحى وذوو الاحتياجات الخَاصَّة تحدياتٍ جسيمةً في الحصول على المياه؛ ففي مشهد مؤثر، يظهر طفلان مبتوري الساقين في غزة، يضطران لبذل جهدًا مضاعفًا لنيل حاجتهما من الماء، بينما تكافح أسرهم لتوفير أدنى حَــدّ من هذه المادة الحيوية.

أما أطفال غزة، الذين أرغمهم العدوان الصهيوني على تحمل مسؤوليات الكبار مبكرًا، فَينوءون بعبء تأمين الماء لعائلاتهم في وقت عز فيه العون، وسط حصار وقصف متواصلين يفتكان بكل ما حولهم.

ويزداد الوضعُ سوءًا مع تدمير الاحتلال الصهيوني للبنية التحتية الحيوية، من آبار وخزانات وخطوط نقل المياه، كجزء من سياسة ممنهجة تُعرف بـ “حرب الإبادة”، تستهدفُ المدنيين بلا تمييز، في ظل صمت دولي مريب وتواطؤ غربي أمريكي يتيح استمرار هذه الجريمة الإنسانية.

وتبقى الشهاداتُ الحيةُ من داخل غزة والصور أدناه رغم حجب صور الكارثة أحيانًا عن العالم، شاهدةً على عمق المعاناة، فالسكان يكافحون يوميًّا؛ مِن أجلِ كُـلّ قطرة ماء، ويعدّ كُـلّ خزان انتصارًا صغيرًا في معركة البقاء.

وتتجلَّى المعاناةُ اليومية في انعدام المياه بطريقة منهجية، حَيثُ تراها في وجوه أطفال يلهثون وراء القطرات القليلة، ونساء ورجال يكدحون لتوفير أبسط مقومات الحياة لأسرهم، وفي الوقت نفسه تشكل أدَاة للبقاء على الحياة، ورمزًا للصمود في القطاع.

وتكشف أزمة المياه في غزة بجلاء أن حجم المعاناة الإنسانية كبير، ويتجاوز أي وصف تقليدي، ليصبحَ شاهدًا حيًّا على مأساة مُستمرّة، وأحد أبشع وجوه الحصار والإبادة، لا سِـيَّـما أن كُـلّ قطرة ماء تُحصل، هناك قصة صمود، وصرخة حياة، وهناك معركة يومية للبقاء وسط ظروف لا ترحم أحدًا.