الخبر وما وراء الخبر

ترامب – نتنياهو.. اجتماعٌ تمخَّض ذات المخطط بتخيير غزة: تهجير أم تطهير؟

3

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
9 يوليو 2025مـ – 14 محرم 1447هـ

في قلبِ المشهد الدامي لحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة لليوم الـ 641 تواليًّا؛ يتكشّف خيطٌ آخر من خيوط المؤامرة على الشعب الفلسطيني، لكن هذه المرّة بلغة الخداع السياسي والتطهير الدبلوماسي المنمَّق.

من واشنطن إلى القدس ويافا المحتلّتين، ومن تصريحات ترامب المكرورة إلى ضغوط تيار التطرف الصهيوني؛ يتشكّل مشهدٌ خطيرٌ يُعيد للأذهان أفظعَ صفحات التاريخ، عندما يُقرّر مصير شعب كامل في كواليس السياسة الاستعمارية الجديدة، ويتم التلاعب بمصطلحات “السلام” و”الإعمار” لتبرير نفيه وقلعه من أرضه.

منذ توليه مهامَّه الرئاسيةَ للفترة الثانية بداية العام الجاري، لم يُخْفِ ترامب نيّته في إعادة صياغة الجغرافيا السكانية لفلسطين المحتلّة؛ ففي 25 يناير، وبعد خمسة أَيَّـام فقط من دخوله البيت الأبيض، بدأ أولى محاولاته لطرح خطة تهجير جماعي للفلسطينيين في غزة.

لم تكن مُجَـرّد زلّة لسانٍ من سياسيٍّ معتوه؛ بل مشروعٌ مكتمل الأركان يستهدف تهجير أصحاب الأرض، من غزة إلى الأردن ومصر، واستبدال غزة بأرضٍ “صالحة للسكن”، تتحول إلى نسخةٍ شرقيةٍ من “ريفيرا” الفرنسية، حَــدّ زعمه.

المفارقة أن ترامب لم يُخفِ ازدراءَه لمعاناة السكان ومآسيهم تحت القصف والحصار؛ بل وصف القطاع بأنه “موقع هُدم حرفيًّا”، وقرّر هو أن “ينظّف هذا الشيء بأكمله”، وكأن غزة أرضٌ بلا شعب، وكأنّ الدماءَ التي تسيلُ فيها لا تُشكِّلُ عائقًا أمامَ استثماراته العقارية.

في موازاة ذلك، تنشَطُ ما تسمى “الحكومة” برئاسةِ المجرم نتنياهو وعصاباته الصهيونية في تنفيذ شطرهم من الصفقة السوداء، المتمثل بالاستيطان وضم الضفة الغربية بالكامل، في سياقٍ متسارع في المصادقة على بناء مغتصبات جديدة، والدعوة الصريحة لضم الضفة قبل عطلة مجلس الكنيست الصهيوني نهاية يوليو الجاري.

كل هذا يجري تحت غطاء الدعم الأمريكي، وفي ظل تشجيع إدارة ترامب، التي تغازل المتطرفين الصهاينة وتمنحهم الضوءَ الأخضر لإتمام مشروع (إسرائيل الكبرى)، في عمليةٍ استيطانية تهويدية مزدوجة، عنوانها: “الأرضُ تُقتطَع من الضفة، والسكّان يُنتزعون من غزة”.

وسيجد المتتبع للتسلسل الزمني لتصريحاته، وفي تناقضاته اليومية، كيف طرح المعتوهُ ترامب عدةَ “نُسَخ لخطة التهجير”؛ مرّة كـ”إعادة توطين مؤقتة”، ومرّة كـ”مشروع إعادة إعمار”، ومرّة كـ”سيطرة أمريكية مؤقتة على غزة”؛ بل ويقدّم نفسه كـ”رجل السلام” الذي سيمنح الفلسطينيين بيوتًا عصرية وحدائق خضراء.

وخلف كُـلّ هذه الطلاءات البراقة، يقبع جوهرُ الخطة، المتمثل بتطهيرٍ عِرقي ممنهج، بنسخةٍ ناعمة، مدفوعةٍ بالضغط الاقتصادي والقتل والإبادة الجماعية، لإعادة رسمِ جغرافية ما يسمى “الشرق الأوسط الجديد” وفقَ المصالح الأمريكية-الصهيونية.

تصريحاتُ ترامب حولَ أن الفلسطينيين “لا يملكون حَقَّ العودة” ليست سَهْوًا؛ بل تأكيدٌ على أن هذه الإدارة قرّرت نسف كُـلّ قرارات الأمم المتحدة التي تكفلُ للفلسطينيين حق العودة إلى ديارهم، وبناء دولتهم المستقلة.

وفي آخر اجتماعاته مع نتنياهو في واشنطن، أمس، قال ترامب صراحة: إن غزة “ستكون لنا” –أي للولايات المتحدة- ولا يوجد ما نشتريه أَو من سندفع له؛ فغزة بحسب منطقه “أرض بلا مالك”.

ونزولًا عند رغبة ترامب؛ فقد تبرّع نتنياهو بعبارةٍ تُجسد فكرتَه عن الدولة الفلسطينية، وقال مشدّدًا: “من الممكن أن يحكُمَ الفلسطينيون أنفسهم.. لكن دون سلطة تهدّدنا”، أي دون جيش، دون حدود، دون سيادة.. فقط كيان مفرغَ من الجوهر، يُدار بجهاز تحكم إسرائيلي.

قد تكون تصريحات ترامب فاضحةً في فجورها، لكنها تكشف الحقيقة المُجَـرّدة؛ فالمشروع الصهيوني الأمريكي لا يريد دولةً فلسطينية، ولا يعترفُ بشعبها، ولا يسعى لأية تسوية عادلة، بقدر ما يسعى إلى مصادقة العرب على هذا المشروع، وإرغامهم على توقيع اتّفاقيات “أبرهام”.

مشروعٌ يحتل أرضًا بدعوى أنها بدون أهل، ويشرد سكانها إلى مخيمات في البلدان أخرى، وخرائط مُصمّمة على طاولة البيت الأبيض، لكن الفلسطينيين –كما أثبتت التجارب– يُراهنون على الصمود والثبات والجهاد والمقاومة، والإرادَة التي لا تُكسر.

التاريخ -رغم كوابيسه المؤلمة- لا يرحم الطغاة؛ فمن سرق الأرض اليوم، سيُجبَر على مغادرتها غدًا، ومن قرّر ترحيلَ شعب كامل، سينتهي كذكرى سوداءَ في مزابل السياسة، وتحت مقصلة الصحوة والطوفان الهادر الذي لن يرحمَ كُـلَّ المتآمرين.