الخبر وما وراء الخبر

القمة العربية الـ 34.. خِذلانٌ مُستمرّ وتكرار للفشل أمام السطوة الصهيونية

2

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
17 مايو 2025مـ – 19 ذي القعدوة 1446هـ

تقريــر || عبدالقوي السباعي

انعقدت القمة العربية الـ 34 في بغداد، وكان المِلفُّ الفلسطيني، هو الطارئَ المؤجَّل، والراهن المزمَّن، والحقيقةَ المؤمَّلة من الانعقاد هي ثبات الموقف العربي وقدرته على تغيير الواقع الأليم الذي يعيشه الفلسطينيون.

قمَّةٌ وسط دخان المجازر المستعرة في غزة، لتعيد مشهدًا تقليديًّا يعكس ثباتًا في الشكل لا في المضمون، وتكرارًا في العجز لا في الفعل، لكنّها لم تكن سوى إعادة إخراج لمسرحيةٍ عربية مألوفة: بيانات شجبٍ باهتة، وقراراتٍ لا تساوي ثمن الحبر، وعجزٍ يوشك أن يكون متواطئًا.

كان من المفترض أن تكون هذه القمة استثناء، فقطاع غزة يتعرض لحرب إبادة جماعية وتطهير عِرقي صهيوني وحصار خانق على مدى 588 يومًا، كافح فيها الأهالي للبقاء على قيد الحياة.

فلسطين.. الطارئ المؤجل والراهن المزمن:

المفارقة أن المِلفَّ الفلسطيني -الذي تصدّر عناوين الجلسات- ظلّ في حقيقة الأمر القضية المؤجلة دومًا، الحاضرة في البيان الختامي والغائبة عن خارطة الفعل العربي.

بينما يُباد أكثر من مليونَي إنسان في غزةَ، ويُحاصرون بلا غذاء ولا دواء ولا أمل، جاءت القمة وكأنها فصلٌ جديد من فصول ترويض الرأي العام العربي لا مواجهته.

حركاتُ الجهاد والمقاومة الفلسطينية، وقبيل انعقاد القمة، رفعت الصوت عاليًا: “إذا لم تنجح قمة بغداد في وقف الإبادة الجماعية وإدخَال المساعدات، فستكون شاهدًا على عجز الأنظمة العربية وتواطؤ بعضها”.

صدقت المقاومة؛ إذ خرج المجتمعون دون خارطة طريق، دون إجراء ملموس، دون حتى كسرٍ لبروتوكولات خيانة التطبيع القائمة، وكأن الدم الفلسطيني، في ميزانهم، لا يُحرّك ساكنًا ما لم يتبعه ضغط أمريكي أَو غضب شعبي يتجاوز الخطوط الحمراء.

بين القمة والبُوصلة.. غياب الإرادَة السياسية:

الرسالة الأهم بعثت بها قمة بغداد لم تكن في بياناتها، بل فيما لم يُقال أَو يُفعل؛ إذ عبّرت عن إصرار رسمي على البقاء في فلك النظام الدولي القائم، كدورٍ وظيفي لا كفاعلٍ مستقل.

عاجزةً جاءت بلا بُوصلة؛ لا حَـلَّ لا رؤية عربية موحّدة، ولا إرادَة لكسر القيد الأمريكي، ولا نيّة لصياغة مشروع إقليمي يعكس حجم التضحيات والدماء المسفوكة.

في بحرٍ من التحولات الجيوسياسية الكبرى، حَيثُ تُعاد صياغةُ موازين القوى بين واشنطن وبيجين وموسكو، ما زالت الدول العربية تنظر إلى واشنطن مرجعيةً لا غنى عنها، رغم أن ترامب -الذي استنزف تريليونات الخليج– لم يقدّم إلا المزيد من الحرب، والدماء، والوعود الخاوية.

حين زار ترامب الخليج وجمع الأموال، لم يكن الهدف وقف الحرب، بل إعادة تعريف دور الكيان الصهيوني في المنطقة، ولم يعد الهدف محو الفلسطينيين فقط، بل استخدام المجازر كوسيلةٍ لترويض المنطقة وتطويعها سياسيًّا واقتصاديًّا، جاء كشريكٍ في الجريمة، ليعيد رسم الخريطة على حساب دماء الفلسطينيين وأموال الخليجيين.

تصريحاته ما بعد الزيادة أن “المساعدات ستدخل إلى غزة”، لم تكن أكثر من تغليفٍ دعائي لجريمة كبرى: يُباد شعب، ويُهجّر أهالي، ثم تمنّ عليه واشنطن بكيس “طحين وسكر” تموّله عواصم النفط العربي!

العرب الرسميون.. في صف العدوّ:

في الوقت الذي أدانت فيه بعض الأنظمة عمليات الإسناد اليمني لغزة، وشجبت حصار البحر الأحمر لكسر الدعم عن الكيان، كانت ذات الأنظمة تنسّق مع الاحتلال بشكلٍ مباشر، حتى في تقديم قوافل الغذاء التي كانت تمر إلى الكيان لا إلى غزة.

العرب الذين اجتمعوا في بغداد كانوا مشغولين برسائل الترضية لأمريكا، أكثر من انشغالهم بوقف المجازر، كانوا في موقع مندوبٍ ينقل الشروط الأمريكية، لا في موقع صانع قرار، وكأنهم بلا سيادة، أَو أنهم فرّطوا بها عمدًا.

وفي الوقت الذي تسقط فيه قذائف الاحتلال على رؤوس الأطفال في غزة، وتتكالب فيه المجاعة على سكانها، تصمُدُ المقاومة، وتحشد جبهات الدعم من اليمن، بينما تعجز ما يسمى “الجامعة العربية” عن تشكيل وفد ضغط، أَو حتى تجميد التطبيع، أَو طرد السفير الإسرائيلي من أية عاصمة عربية.

لقد بات واضحًا أن من يمثّل فلسطين اليوم هم المقاومون في الميدان، لا ممثلو البروتوكول في القمم، ومن يساندُ غزة بالدم والسلاح والموقف، لا من يهادن القاتل ويتقاسم معه عقود الغاز والنفط.

ما بعد بغداد، لم يعد الصمت العربي يُحتمل، فالمجزرة تتسع، والجرح الفلسطيني ينزف منذ 1948م، ومُجَـرّد الحديث عن بياناتٍ أَو لجانٍ لم يعد كافيًا، ومن لا يستطيع أن يقطع علاقته مع الكيان في ظل هذه المجازر، لن يستطيع أبدًا أن ينقذ فلسطين حين تسقط القدس بالكامل.

صمت العرب اليوم ليس حيادًا، إنهُ شراكة في جريمة، فإذا لم ترتقِ القمة العربية إلى مستوى وقف الإبادة الجماعية، فَــإنَّها تتحوّل تلقائيًّا إلى وثيقة إدانة تاريخية جديدة تضاف إلى سجل الخذلان الطويل، والشعب الفلسطيني يدفع ثمن خيانة من يفترض أنهم “أشقّاء”.

فإما أن يكون العرب عربًا ورقمًا حقيقيًّا في معادلة النصرة والعدالة والجسد الواحد، أَو أن يبقوا مُجَـرّد هوامش في دفتر الهيمنة الأمريكية – الصهيونية.