الخبر وما وراء الخبر

أعِشق إسرائيل محصورٌ عربياً بعِشقي؟

148

بقلم / سامي كليب

ضجَّ بعض الإعلام العربي بزيارة اللواء السابق في القوات المسلحة السعودية الباحث أنور عشقي إلى القدس ولقائه مسؤولين إسرائيليين سياسيين وعسكريين وأكاديميين.

بالمقابل، اختفى الخبر عن أكثر الإعلام العربي. أما إسرائيل، فهي كعادتها في هكذا مناسبات، تتولى دائما كشف التفاصيل. هل في الخبر فعلا ما يفاجئ؟ هل في الأمر حدث استثنائي؟
المصيبة الكبرى أن مثل هذه الأخبار ما عادت حدثا استثنائيا. معظم الأنظمة العربية فتحت أو بصدد فتح علاقات مع إسرائيل، فما الضير لو سارت السعودية في الركب؟ هذا الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه يجاهر ليل نهار بأنه لا يريد مقاومة مسلحة. مصر التي كانت أولى الدول المبادرة الى عقد صلح مع إسرائيل، تحتاج دعم الجيش الاسرائيلي لضرب الإرهاب في سيناء وغيرها. لم تفعل السعودية في الواقع، أكثر مما فعلته مصر والسلطة الفلسطينية والأردن وتونس والمغرب وموريتانيا وقطر وغيرها (حتى ولو أن بعض هذه الدول عاد وجمد العلاقات بعد اجتياح اسرائيل غزة). ومن لم يفتح علاقات، ذهب للتفاوض، لا فرق بين معتدل أو ممانع.
انتهى الصراع الرسمي العربي مع اسرائيل إلا من دول قليلة، اما الشعوب فهذا بحث آخر. هي ضد التطبيع لكنها لم تفعل شيئا لوقفه باستثناء بعض المقاومات الموسومة حاليا بالارهاب من قبل النظام العربي.
للقيادة السعودية الجديدة مبرراتها الكثيرة المعلنة أو المضمرة لمثل هذه العلاقات أبرزها: “التدخل” الإيراني في محيطها العربي، ودرء الغضب الأميركي المتزايد والذي يتم التعبير عنه اما بكلام مباشر من باراك اوباما (في مجلة اتلانتيك) او في نقاشات الكونغرس، أو خصوصا في الإعلام الأميركي. ثم اعتقاد الرياض بأن السلام مع اسرائيل ربما يأتي بما لم تأتِ به الحروب، وبأنه سيسحب البساط من تحت أقدام احتكار الشيعة المقاومة. يضاف إلى ذلك بعض المصالح الاقتصادية التي لأجلها اخذت السعودية جزيرتَي تيران وصنافير من مصر مؤخراً.
تعتقد السعودية أن انشاء تحالفات اقليمية تضم مصر وتركيا واسرائيل وتمتد دوليا صوب فرنسا، ودول عربية واسلامية، من شأنها “تقليم أظافر ايران” كما يقول بعض الكتاب السعوديين. تعتقد أيضا ان ذلك كفيل بلي ذراع البيت الأبيض الذي عقد اتفاقا نوويا مع ايران ويتجه للقبول بها شريكة اقليمية ودولية في حل النزاعات وضمان المصالح وضرب الارهاب.
لنفترض ان السعودية ستجد مبررات اسلامية لـ “الصلح” مع العدو عبر الكثير من الاسنادات التاريخية والفقهية والدينية لها وصولا الى عهد الرسول الكريم. لكن السؤال الأهم، هل ان فتح العلاقات الآن سيؤدي فعلا الى نتائج ايجابية للسعودية وفلسطين ودول المنطقة؟
منذ أن سيق العرب الى مؤتمر مدريد العام 1991، مرورا بكارثة أتفاق أوسلو وصولا الى اقتراح التطبيع الكامل مع اسرائيل في قمة بيروت 2002، اجتاحت إسرائيل غزة مرات عديدة. كادت تجتاح لبنان بعد تدمير معظم بناه العام 2006 لكنها خرجت مهزومة باعتراف تقرير فينوغراد. قتلت بالسم الرئيس ياسر عرفات بعد حصاره أمام أعين كل العرب في مقاطعته. ضاعفت عدد المستوطنات 600 في المئة منذ اوسلو وفق غسان دغلس مسؤول الاستيطان في الضفة الغربية. ضاعفت كذلك عمليات الهدم والمصادرة في الضفة والقدس بنسبة 450 في المئة. دمّرت في حرب غزة الأخيرة فقط 28366 وحدة سكنية بحاجة لأكثر من 10 مليارات دولار لإعادة بنائها. لم يبق من مياه الشرب الصالحة في القطاع أكثر من 5 في المئة في أفضل الأحوال، فهي نهبت كل شيء وتسعى الآن لتهويد البشر والحجر والتاريخ والشجر. هذا بالاضافة الى آلاف المعتقلين الذين تجري على بعضهم تجارب طبية.
هل ستنجح السعودية اذاً حيث عجز غيرها في تغيير مسارات التطرف السياسي والديني في اسرائيل؟ هل ثمة مخطط اسرائيلي أو غربي واحد تم الكشف عنه الا وتحدث عن رغبة بتقسيم السعودية؟ هذا مثلا الكولونيل الأميركي المتقاعد رالف بيترز ينشر في العام 2006 تقريرا في مجلة القوات المسلحة الاميركية بعنوان «حدود الدم» يقول فيه ان: «السعودية ستعاني اكبر قدر من التقسيم، حيث ستقسم إلى دولتين: أولاهما الدولة الإسلامية المقدسة، على غرار الفاتيكان، وتشمل كل المواقع الدينية المهمة لمسلمي العالم، والثانية دولة سياسية (السعودية) وسيقتطع منها أجزاء لتمنح إلى دول أخرى مثل اليمن والاردن».
قد يكون للسعودية مبرراتها الآنية لفتح علاقة مع اسرائيل، وقد يكون معظم النظام العربي متجها للتخلي عما بقي من «حق العودة» وعن مبدأ «الارض مقابل السلام»، لكن الأكيد ان السعودية قد تكون الأكثر عرضة للمخاطر الداخلية والخارجية والعربية والاسلامية لو مضت صوب العلاقات المباشرة مهما كانت المبررات.
ليس مهما ما يعرضه العرب على اسرائيل، الأهم هو ان اسرائيل لم تبادل العرب منذ سعيهم للسلام معها الا القتل والهدم والتهجير والدماء والدمار. من لا يصدق فليقرأ ما كتبه الباحث والاعلامي الفرنسي اليهودي الجريء شارل انديرلان في مؤلفه «المفاوضات العربية الاسرائيلية منذ 1917 الى 1997». هو كشف بالوقائع والأرقام والوثائق، إنه كلما سعى العرب الى السلام منذ الزعيم جمال عبد الناصر حتى اليوم، كلما ازدادت اسرائيل طمعا بالارض والتهويد وقتلت السلام والساعين اليه.
اسرائيل تستغل حاليا أكثر من 85 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، فهل انفتاح الرياض سيحمي الـ15 في المئة ويحمي السعودية من دور ايران وهل سيحميها لاحقا من اسرائيل نفسها؟ أم ان ما نشهده اليوم هو نهاية رسمية للصراع العربي الاسرائيلي بلا مقابل ولضرورات آنية؟
لا شك اننا امام مرحلة جديدة وتحولات جذرية ليس فيها مستفيد أكثر من اسرائيل.

نقلا: عن جريدة السفير

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com