اليمن: يقظة دائمة ومعركة مفتوحة
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
29 ديسمبر 2025مـ – 9 رجب 1447هـ
في الوقت الذي يعربد فيه الكيان الصهيوني – بدعم أمريكي – فيقتل ويصيب ويحاصر ويجوِّع ويستبيح المقدسات ويعترف بالكيانات، بل ويتوعد الأمة -واليمن بشكل خاص- بحروب طاحنة، وغيرها من التهديدات، فإن يمن الإيمان والحكمة ليس ممن يغمض عينيه أمام خطر كهذا، وبالتالي فإن اليمن يعيش حالة استنفار ويقظة شاملة، فاليمن، الذي خاض معاركه السابقة بعين مفتوحة على طبيعة هذا العدو، لم يفاجأ، ولم يُربَك، وتعامل مع هذه التطورات بكونها جزءا من معركة ممتدة، تتطلب استعدادا دائما، ويقظة شاملة، فالمعركة -في الوعي اليمني- معركة وجود وهوية، لا تقبل الغفلة ولا التهاون.
في الفترة الماضية تحوّل المجتمع اليمني بكل مكوّناته إلى جبهة واحدة، تعبئة عامة مستمرة، شملت الجبهات وميادين التدريب والمساجد، والمدارس، والجامعات، والقبائل، والمؤسسات، فالإعداد صار ثقافةً عامة وسلوكا يوميا ومسؤولية جماعية، وهذا الزخم نتاج وعي عميق بطبيعة المرحلة، وإدراك أن المعركة طويلة النفَس، وأن الثبات فيها يحتاج إلى ترسيخ قناعات، وبناء أجيال.
ومن هذا المنطلق، يتحرك الشعب اليمني بأصالته الإيمانية وانتمائه العميق للقرآن الكريم، في مسار متكامل من الإعداد والبناء والتجهيز، تعبئة عامة لا تتوقف، وأنشطة توعوية متواصلة، وجهوزية روحية وجهادية عالية، تحصّن الجبهة الداخلية، وتمنح المجتمع مناعة صلبة أمام محاولات الاختراق والتضليل.
لن نقبل الوجود الصهيوني في الصومال
في لحظة إقليمية تتكاثف فيها مشاريع التفكيك، وتُعاد فيها صياغة الخرائط السياسية بأدوات ناعمة تخفي جوهرها العدواني، جاء إعلان الكيان الصهيوني اعترافه بما يُسمّى “أرض الصومال” ككيان منفصل عن الدولة الصومالية ليكشف عن فصل جديد من فصول الصراع المفتوح على الجغرافيا والسيادة في المنطقة العربية والإسلامية، هذا الإعلان لم يكن خطوة دبلوماسية معزولة، ولا موقفًا سياسيًا يمكن عزله عن سياقاته، بل حلقة متقدمة في مشروع توسعي يستثمر في الانقسامات، ويبحث عن موطئ قدم استراتيجي في أكثر النقاط حساسية على خريطة الأمن الإقليمي، عند تخوم البحر الأحمر وباب المندب والقرن الإفريقي.
في هذا المشهد الملبّد بالتواطؤ والصمت، برز الموقف اليمني بوصفه حالة استثنائية كسرت النمط السائد في التعاطي العربي والإسلامي مع مثل هذه التطورات الخطيرة، فلم يكتفِ هذا الموقف بإدانة شكلية وإنما قدّم قراءة شاملة لطبيعة الخطوة الصهيونية وأبعادها الجيوسياسية، وربط بين ما يجري في الصومال وبين أمن اليمن، ومستقبل البحر الأحمر، ومصير الصراع مع المشروع الصهيوني في شموليته، ومن هنا، تأتي هذه القراءة لتفكيك دلالات الموقف اليمني عبر البيان الذي أصدره السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي وكذلك بيان المجلس السياسي الأعلى والذي عبر عن انتقال من سياسة ردّ الفعل إلى منطق الفعل الاستباقي، ومن الاكتفاء بالتشخيص إلى إعلان معادلات ردع ، جرى الانتقال إلى إعلان معادلة واضحة تقوم على اعتبار أي تموضع صهيوني في هذه الجغرافيا تهديدًا مباشرًا يستوجب المواجهة.
وهذا التحول يحمل سيؤدي إلى كسر وهم الفصل بين الساحات وتجاوز مفهوم الدفاع السلبي إلى الردع الاستباقي، وتوسيع مفهوم الأمن القومي ليشمل ما وراء الحدود المباشرة وهو بذلك يطرح نموذجًا جديدًا في التفكير الأمني العربي، يقوم على تحميل الخصم كلفة خطواته قبل أن تتحول إلى أمر واقع يصعب تغييره.
مقدساتنا لا تقبل المساومة
وقد تجلّت هذه الجهوزية بأبهى صورها في الخروج الشعبي المليوني، الذي شكّل موقفا استثنائيا وفريدا على مستوى العالم، غضبا للقرآن الكريم وانتصارا لقدسيته، ففي الأسبوع الماضي خرج الشعب اليمني بكلّ أطيافه ومكوّناته خروجا واحدا، موحّدا في الموقف والغاية، احتشدت الملايين في أكثر من (1500) ساحة، رفضا للإساءة الأمريكية للقرآن الكريم، معلنا أن المساس بكتاب الله هو مساس بكرامة الأمة وهويتها الإيمانية. وفي مشهد استثنائي، احتشد اليمنيون في الساحات والميادين من أقصى البلاد إلى أقصاها، رجالا ونساء، علماءَ وقبائلَ وشبابا، ليؤكدوا أن القرآن خطٌّ أحمر، وأن هذا الشعب المتجذّر في إيمانه لا يمكن أن يصمت أمام تدنيس مقدساته، بل يتحرك بوحي القرآن الكريم ووفاء لقدسيته، مهما كان حجم العدوان.
فحين خرج الشعب اليمني في مسيرات مليونية غضبا للقرآن الكريم، كان ذلك إعلان موقف تاريخي بأن اليمن حاضر في قلب معركة الأمة، وأن مقدسات الإسلام لا تقبل المساومة، فكان خروجًا عكس عمق الارتباط بالقرآن، وأرسل رسالة واضحة للأعداء أن هذه الأمة لا تزال حية، وأن محاولات التدنيس لن تمر بلا ثمن.
لقد أدرك اليمنيون أن ردة الفعل الشعبية هي جزء من الردع، وأن إظهار هذا الارتباط المقدّس بالقرآن الكريم يربك حسابات العدو، ويفشل رهاناته على تفريغ الأمة من قيمها.
كما شهدت الساحات الجامعية والمدرسية والشعبية -للرجال والنساء- حراكا واسعا ومنظما، تُرجم بآلاف المسيرات والوقفات، عكست مستوى عال من التفاعل والمسؤولية، وكان للمرأة اليمنية حضورها المشرف الذي أكد أن الجهوزية في اليمن شاملة، لا تستثني أحدا، ولا تترك فراغا.
العلماء في الصدارة
في قلب هذا المشهد، وقف العلماء في موقعهم الطبيعي لا على الهامش، فعقد علماء اليمن العديد من اللقاءات في مختلف المحافظات، أكد خلالها العلماء أن المرشح الأمريكي الذي قام بهذه الإساءة مهدور الدم شرعًا، باعتبار ذلك جزاء كل من يسيء للمقدسات الإسلامية، محمّلين الإدارة الأمريكية تداعيات الإساءة، معتبرين الإساءة للقرآن الكريم وأمثالَها دليلًا إضافيًا على صوابية الأحرار من أبناء الأمة، الذين يعادون أمريكا و”إسرائيل” ويواجهونهما، كما أنها حجة إضافية على كل القاعدين والمتفرجين، الذين لا يحركون ساكنًا.
وبيّنوا أن جريمة الإساءة وأمثالها تُعد وصمة عار على جبين كل متواطئٍ ومتماهٍ مع العدو الأمريكي الإسرائيلي، داعين علماء الأمة الإسلامية إلى العودة الجادة والصادقة للقرآن الكريم، اهتداءً واعتزازًا به، وتدبرًا وترتيلًا له، واستجابة وتسليمًا لأحكامه وأوامره، وتجسيدًا والتزامًا بالقيم الإيمانية والتربوية الأخلاقية والاقتصادية والسياسية والجهادية التي جاء بها القرآن الكريم، وتقديم الشاهد العملي، على أنه سبيل الخلاص للإنسانية الحائرة.
وحمّلوا زعماء الأمة العربية والإسلامية جزءًا من مسؤولية تكرار الإساءات للمقدسات الإسلامية بسبب تماهيهم مع أمريكا وسكوتهم عمّا سبق من إساءات، وعدم اتخاذهم مواقف جادة وفاعلة تردع كل من تسوّل له نفسه المساس بالمقدسات، داعين إياهم إلى تحمل مسؤولياتهم في الانتصار لكتاب الله وفي نصرة المقدسات.
وأكدوا على وجوب إذكاء روح الجهاد وإعلان التعبئة لمواجهة قوى الطاغوت وحلفائها “أمريكا وإسرائيل”، مجددّين الدعوة للأنظمة العربية والإسلامية وشعوب الأمة إلى مقاطعة أمريكا و”إسرائيل” وبريطانيا، سياسيًا واقتصاديًا وبكل أشكال المقاطعة تعبيرًا عن السخط وتجسيدّا لمبدأ الموالاة والمعادة.
وأوضح العلماء أن من الواجب شرعًا إغاثة غزة، ونصرتها وليس دعم الكيان الصهيوني ومكافئاته.
هذا الدور أكد أن العلماء في اليمن صُنّاع وعي، وحماة هوية، وقادة رأي في زمن المعركة.
أصالة القبيلة اليمنية
وفي مشهد يعكس خصوصية اليمن، برزت الوقفات القبلية المسلحة بوصفها تعبيرا صادقا عن العزة الإيمانية. القبيلة -التي حاول الأعداء مرارا تفكيكها أو تحييدها- أثبتت أنها ركيزة صلبة في معركة الدفاع عن الدين والسيادة، وقفات تتجاوز الحسابات الضيقة، وتؤكد أن الانتماء الإيماني هو الجامع الأكبر، وأن السلاح في يد القبيلة هو سلاح موقف قبل أن يكون أداة قتال.
وتبرز الوقفات القبلية المسلحة كعنوان أصيل للعزة الإيمانية، حيث عبّرت القبائل -العمود الفقري للمجتمع اليمني- عن ثبات توجهها الإيماني، وانطلاقها من موقع الأصالة، فوق كل الاعتبارات السياسية، حاملةً راية الكرامة والاستعداد، ومؤكدة أن هذا المجتمع متجذر في إيمانه، عصي على الكسر أو الانحراف.
وخلال الأيام الماضية خرجت قبائل اليمن في وقفات قبلية مسلحة أكدت خلالها الجاهزية الكاملة للجولة القادمة من الصراع مع العدو الإسرائيلي الإجرامي الذي لا يتقيد بأي اتفاقيات أو يلتزم بأي عهود، وما زال يرتكب الجرائم اليومية بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس وغيرها.
ونددّت -بأشد العبارات- بجريمة الإساءة للقرآن الكريم، مؤكدة أن النكف القبلي يُعبر عن الروح الوطنية، ومتانة الجبهة الداخلية، والتلاحم الشعبي والقبلي في مواجهة قوى العدوان وأذنابها في المنطقة، مشيرة إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب المزيد من التماسك ورص الصفوف، والاعتماد على الله، وتعزيز ثقافة الوعي والجهاد في مواجهة مخاطر الاستهداف الفكري والثقافي، مؤكدة أن أبناء اليمن يمتلكون من الإيمان والإرادة والوعي ما يؤهلهم لإفشال كل المؤامرات، والوقوف صفاً واحداً مهما بلغت التحديات.
إفشال المعركة من الداخل
وفي السياق ذاته، تتكامل الجهود للحفاظ على الاستقرار الداخلي، والتصدي لمحاولات الاختراق الأمني، عبر وعي المجتمع ويقظة الأجهزة الأمنية، التي تكشف المؤامرات في مهدها، وتغلق الأبواب أمام العبث والتخريب، فالشعب اليمني يدرك أن العدو يراهن على الاختراق الداخلي بقدر ما يراهن على العدوان الخارجي، ولذلك جاء التركيز العالي على تحصين الجبهة الداخلية، وتعزيز الوعي الأمني المجتمعي، والتكامل بين المواطنين والأجهزة الأمنية. وبفضل الله والجهوزية العالية كشفت العديد من خلايا التجسس وأحبطت مخططاتها، مع إجراءات استباقية، كلها تصب في منع العدو من تحقيق أي اختراق يربك المشهد الداخلي.
الإعلام: ساحة الاشتباك الأخطر
وفي زمن الصورة والكلمة، خاض الإعلام اليمني معركة لا تقل ضراوة عن أي جبهة عسكرية، فرسان الإعلام واجهوا حملات التضليل، وكشفوا جرائم العدو، وفضحوا زيف الرواية الأمريكية الصهيونية، وأسهموا في تثبيت الوعي العام، وربط الأحداث بسياقها الحقيقي، حتى تحول الإعلام إلى خط دفاع متقدم، يحمي الوعي، ويمنع الانكسار المعنوي.
الاستعداد العسكري قوة تنمو في صمت
وبعيدا عن الضجيج، يستمر مسار الاستعداد العسكري في التصنيع والتطوير والتأهيل، كجزء من معادلة الردع، قوة تتراكم، وخبرات تتوسع، واستعداد لكل الاحتمالات، استعداد للحرب، لأن اليمن أدرك أن السلام الحقيقي لا يحمى إلا بالقوة.
وكما قال السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه الجمعة الماضية: “شعبنا يعدُّ ويستعد، يبني، يجهِّز، يدرِّب، يؤهِّل، أنشطة مستمرة، يقظة دائمة. وهذا ما هو قائم بشكلٍ عظيم وبشكلٍ مشرِّف؛ ولـذلك استمرت كل الأنشطة: أنشطة التعبئة العامة في كل مساراتها، وكذلك الفعاليات، الوقفات، في إطار المسؤولية الإيمانية، وتحصين الساحة الداخلية، نشاط واسع ونموذجي ومستمر في إطار هذا التَّوجُّه الإيماني، وتأكيد مستمر على ثبات موقفنا في نصرة الشعب الفلسطيني، والاستعداد للجولة القادمة، هذا عنوان بارز، وعنوان أساس، نعمل عليه ليل نهار؛ لأننا ندرك ما يحدث، ما يسعى له الأعداء، ما يخططون له، نحن لا نغمض أعيننا ونتجاهل ما يحصل؛ لأن هذا لا يليق بالمؤمنين والأمة المؤمنة، بمن ينتمون للإيمان والقرآن، يجب أن يكونوا في يقظة، في انتباه، في اهتمام، في استعداد. الأمريكي بذل كل مساعيه لمنع شعبنا وجيشنا عن مواصلة الإسناد لغزَّة، ومع ذلك فشل، فشل الأمريكي، لم يتمكن بكل أنواع سلاحه، بكل طائراته التي استخدمها، بكل عملياته من قصفٍ جويٍ وبحري، من إيقاف عمليات جيشنا العسكرية في نصرة الشعب الفلسطيني، سواءً على مستوى العمليات الصاروخية، والمسيَّرة، أو على مستوى العمليات البحرية، كل ذلك استمر حتَّى إعلان اتِّفاق وقف إطلاق النار، ولن يتمكن مستقبلاً كذلك؛ لأن هذا السلاح هو سلاح بأيدي أُمَّة معتمدة على الله، متوكلة على الله، تنطلق انطلاقةً مبدئية، قرآنية، إيمانية، أخلاقية، قيمية، انطلاقة المبادئ والقيم الراقية والعظيمة”.
ختاما
إن كل هذه المسارات الروحية، والشعبية، والعلمائية، والقبلية، والإعلامية، والعسكرية تلتقي عند عنوان الجهوزية الكاملة لكل السيناريوهات، والثبات على موقف نصرة الشعب الفلسطيني، والاستعداد للجولات القادمة، دون غفلة أو تجاهل لما يخطط له الأعداء.
اليمن، الذي انتصر بالأمس رغم الحصار والعدوان، أكثر يقينا اليوم بأن النصر قدره المحتوم ما دام متمسكا بقرآنه، ثابتا على هويته، مستعدا في كل لحظة، مستحضرا وعد الله، وسائرا بثقة المؤمنين الذين يعلمون أن العاقبة للمتقين.
