القسام تنعى الشهداء القادة وتحدّد ملامح مرحلة ما بعد عامين من الإبادة
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
29 ديسمبر 2025مـ – 9 رجب 1447هـ
في خطابٍ تاريخي ومفصل، أطلّ الناطق العسكري الجديد باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ليقدم جردًا شاملاً للمرحلة السابقة، معلنًا عن “كوكبة عظيمة” من القادة الذين ارتقوا في ميادين المواجهة.
واستهل الناطق خطابه مساء اليوم الاثنين، بتحية “أرض الكرامة والإباء”، موجّهًا خطابًا عاطفيًا ومؤثرًا لأهالي غزة، واصفًا إياهم بـ”أشرف الناس وأعظم الناس وصفوة الله من عباده”، مؤكّدًا أن دماء القادة وعوائلهم اختلطت بدماء أهلهم، وأن القيادة كانت ولا تزال تتوسط صفوف المضحين، وأن أرواح الغزيين وإيمانهم في خيامهم البالية وبيوتهم المتصدعة أقوى من كل “المتآمرين الذين يتلذذون بعذاباتهم”.
خطابٌ حمّل نبرة من الثبات والاعتزاز، يضع النقاط على الحروف بشأن الوضع الراهن في قطاع غزة بعد شهرين من توقف حرب الإبادة الجماعية الصهيونية على قطاع غزة، والتي استمرت عامين، موجّهًا رسائل سياسية وعسكرية حاسمة للداخل والخارج.
وفي الجزء الأكثر حساسية من الخطاب، زفّت الكتائب قادة أركانها الذين ارتقوا بعد خرق الاحتلال للتهدئة في مارس الماضي، وهم:
القائد محمد السنوار (أبو إبراهيم): الذي أُعلن رسميًا أنه “قائد أركان كتائب القسام”، وخلف الشهيد القائد محمد الضيف (أبو خالد)، كاشفًا أنه كان قائد ركن العمليات إبان “طوفان الأقصى”، وصاحب الدور البارز في التخطيط والتنفيذ لعملية السابع من أكتوبر، وصولاً إلى قيادة الكتائب في أصعب مراحلها، مستذكّرًا مسيرته من “الثأر المقدس” و”الوهم المتبدد” حتى شهادته على ثغور العزة.
القائد محمد شبانة (أبو أنس): قائد لواء رفح، ورفيق درب القادة (أبو شمالة والعطار)، برز دوره في الإعلام والإمداد، وكان مهندسًا لعمليات نوعية كبرى في جنوب القطاع، منها “نذير الانفجار” وأسر الجندي الصهيوني “هادار جولدن”، وصولاً إلى إبداع مجاهدي رفح في المعركة الأخيرة.
القائد حُكم العيسى (أبو عمر): القائد الرباني الذي طاف لبنان وسوريا حاملاً أمانة الجهاد قبل استقراره في غزة، تدرج في مواقع قيادية من “ركن التدريب” وهيئة المعاهد والكليات العسكرية، وصولاً إلى قيادة “ركن الأسلحة القتالية”.
الشيخ رائد سعد (أبو معاذ): قائد ركن التصنيع العسكري وقائد لواء غزة الأول سابقاً، وهو المسؤول عن بناء المنظومة الذاتية للقسام، التي صنعت من “الرصاصة إلى البندقية، ومن الصاروخ إلى المسيّرة”، وهي الأسلحة التي كان لها دور حاسم في العبور والدفاع.
وبكلماتٍ مليئة بالإجلال، أعلن الناطق العسكري الجديد استشهاد “الملثم” الذي ألهم الملايين بكوفيته الحمراء، وصار أيقونة عالمية للمقاومة، وكشف الخطاب لأول مرة عن اسمه الحقيقي: القائد “حذيفة سمير عبد الله الكحلوت (أبو إبراهيم)”.
ووصفه بأنه “رجل الكلمة والموقف” الذي قاد منظومة إعلام القسام لـ20 عامًا، وترجّل بعد أن أغاظ الأعداء ونقل بطولات المجاهدين في أبهى حللها، مؤكّدًا أن لقب “أبو عبيدة” سيبقى إرثًا يسير عليه المجاهدون من بعده.
وحدّد الناطق أربع نقاط جوهرية تلخص رؤية الكتائب للواقع الحالي، مؤكّدًا في أولاها أن “طوفان الأقصى” أعاد القضية للواجهة وفضح “الاحتلال النازي”، موضحًا أن الاحتلال فشل في التهجير، وفي إعادة الاستيطان، وفي استعادة أسراه بالقوة، حيث لم يعودوا إلا بالتبادل تحت إشراف “وحدة الظل”.
واعتبر أن وقف إطلاق النار هو “ثمرة الصمود” وليس خنوعًا، مؤكّدًا التزام المقاومة بالاتفاق رغم “خروقات الاحتلال التي تجاوزت الخطوط الحمراء”، مع الاحتفاظ بـ”حق الرد الأصيل” وتفويت الفرصة على العدو للعودة لسفك الدماء.
ودعا العالم لنزع “سلاح الاحتلال الفتاك” بدلاً من الانشغال ببنادق الفلسطينيين الخفيفة، مشدّدًا على أن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن سلاحه ولو “قاتل بأظافره”، مستشهدًا ببطولات رجال رفح.
وحذّر الناطق “أبو عبيدة” من مشروع “الضم” وتهجير مخيمات الضفة، والتنكيل بالأسرى وتشريع “قانون الإعدام”، داعيًا أحرار العالم لتصعيد حراكهم السياسي والقانوني والجماهيري.
ووجّه الخطاب تحية “وفاء” لكل من وقف مع غزة، خص بالذكر أبطال يمن الإيمان والحكمة، ولبنان، والعراق، وإيران، وأحرار الأردن، موجّهًا تحية خاصة للشعب السوري الذي تصدى للعدوان الصهيوني وحيدًا.
وقال: إن “دماء أبناء شعبنا ومجاهدينا وقادتنا التي سالت على أرض غزة في أشرف المعارك، لهي حجة على الجميع، ومدعاة لنهوض الأمة ونفض الغبار والاستنفار، نصرةً لفلسطين والأقصى، التي قدّمت فيها غزة أغلى ما تملك؛ معذرةً إلى الله بأنها أدت ما عليها، ولا تزال، ولن يسقط أبناؤها الراية حتى النصر على الأعداء، أو الشهادة في سبيل الله، دفاعًا عن أعدل قضية عرفها التاريخ الحديث”.
وجدّد التحذّير للأمة من مخططات (إسرائيل الكبرى) التي تستهدف عواصم المنطقة، مؤكّدًا أن “خريف الاحتلال” قد بدأ، وأن “لعنة العقد الثامن” قد حلت عليه، مستبشرًا بانقطاع حبل الناس عنه وبدء انحداره بعد علوه وفساده الكبير لهي إيذان بقرب نهايته، “وتحقيق وعد الآخرة، والذي ستتجلى في ظلاله العدالة بحق كل من أجرم، بحق شعبنا، وكل من نسق وطبع وتواطأ مع عدونا، وكل من تعاون مع المحتل ورضي أن يكون عميلاً له، ثم ألقي به ذليلاً على قارعة الطريق، أو خر قتيلاً، كما حلَّ بمن تولى كبره منهم قبل أسابيع”.
وختم الناطق العسكري خطابه بالانحناء إجلالاً لعوائل وعشائر غزة، واصفًا إياهم بـ”أحباب رسول الله القابضين على الجمر”، متعهدًا بأن المقاومة كما عاشت معهم الألم، ستبني معهم ما دمره الاحتلال، وستدمل الجراح، مؤكّدًا أن تضحياتهم لن تضيع هباءً، وأن “يوم البشرى” للمؤمنين الصابرين بات قريبًا.
خطابٌ يمثل مرحلة انتقالية في تاريخ المقاومة الفلسطينية، حيث كشف عن خسائر قيادية جسيمة، لكنه أظهر في الوقت ذاته هيكلية قيادية صلبة وقدرة على الاستمرار، معلنًا بوضوح أن سلاح المقاومة سيبقى مشرعًا طالما بقي الاحتلال، تحت الشعار الثابت: “إنه لجهاد.. نصرٌ أو استشهاد”.
