الاعتراف الصهيوني بأرض الصومال.. مخاطره وتداعياته على الأمن القومي العربي

0

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
27 ديسمبر 2025مـ – 7 رجب 1447هـ

في أقصى شرق القارة الأفريقية، وفي واحد من أهم مواقعها الإستراتيجية على خارطة العالم، يقع الصومال رابطًا بين شبه الجزيرة العربية في قارة آسيا والقارة السمراء، ومطلاً بجسده الممتد على المحيط الهندي وبحر العرب ومضيق باب المندب الحيوي المؤدي إلى البحر الأحمر.

هذا الموقع الذي كان يومًا رمزًا للطموح والوحدة إبَّان منتصف القرن العشرين ومنعطف استقلال الدول الأفريقية، تحول عبر العقود إلى ساحة تشرذم وفقر وعُقدة سياسية لم تُحَل إلى يومنا هذا، ليدخل في السنوات الأخيرة نفق صراع معقد تتشابك فيه الرؤى الدولية والإقليمية المتنافسة.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، برز تطور دراماتيكي جديد، تمثل في إعلان كيان الاحتلال الإسرائيلي اعترافه الرسمي بإقليم أرض الصومال “صومالي لاند” دولة مستقلة، في خطوة وصفت بأنها خرق فاضح للقانون الدولي وتهديد مباشر للأمن القومي العربي والأفريقي على حد سواء.

حيث واصل إقليم أرض الصومال تسويق قضيته عالميًا عبر جماعات الضغط لنيل الاعتراف الدولي رغم محدودية تأثيرها لسنوات، والتعامل مع بعض الدول صاحبة المصالح المُعارضة لمقديشو، لكن التدخل الإسرائيلي المباشر نقل الأزمة من إطارها المحلي والإقليمي إلى صراع جيوستراتيجي مفتوح الاحتمالات.

وفي قلب هذه الصراعات تقف القوى الدولية والإقليمية لاعبًا أساسيًا؛ ففي حين تدعم مجموعة من الدول الحكومة المركزية في مقديشو ماليًا وعسكريًا ودبلوماسيًا، تسعى دول أخرى ذات مصالح متناقضة إلى تعزيز نفوذها وحماية مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب وحدة التراب الصومالي.

اليوم؛ يقف الصومال عند منعطفٍ حاسم يترافق مع تصاعد طموحات الإقليم الانفصالية وسعيه لتحقيق الشرعية الدولية بدافع تعزيز استقلاله، مدفوعًا بتدخلات قوى مثل: إثيوبيا و(إسرائيل) والإمارات، التي تُعرقل جهود التوافق الوطني وتستغل هشاشة الوضع لمصالحها الخاصة، بجانب استمرار تهديد الحركات المسلحة التي تجد في التشرذم بيئة خصبة للنمو.

في الأثناء، أصبح كيان الاحتلال الإسرائيلي، أمسٍ الجمعة، أول كيان وعضو في المنظومة الأممية يمنح اعترافًا رسميًا لهذا الإقليم الذي أعلن انفصاله من جانب واحد عام 1991م، وأوضح مكتب المجرم نتنياهو أن هذا القرار يأتي “بروح اتفاقيات أبراهام”، معلنًا عن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة واتفاقات للتعاون في مجالات التكنولوجيا والزراعة وغيرها.

الإعلان والاعتراف الصهيوني بـ”جمهورية أرض الصومال” الانفصالية أثار استنكارًا وتنديدًا عربيًا وإسلاميًا وإقليميًا واسع النطاق، وسط تحذيرات شديدة اللهجة من أن هذه الخطوة تمثل “انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي” وتهديدًا لاستقرار منطقة القرن الأفريقي، وهو ما فجّر موجة من ردود الفعل الرسمية.

وفي السياق، أعلنت دولة قطر رفضها القاطع لهذه الخطوة، واصفة إياها بالسابقة الخطيرة التي تتنافى مع مبادئ القانون الدولي وتمس سيادة الصومال، مشدّدةً على رفض أيّ محاولات لفرض كيانات موازية تقوض وحدة الدولة الصومالية، مؤكّدة أن الأحرى بسلطات الاحتلال الاعتراف بدولة فلسطين وحقوق شعبها بدلاً من الاستمرار في سياساتها الرعناء التي تؤجج التوتر في المنطقة وتضرب بالشرعية الدولية عرض الحائط.

وأعربت السعودية عن رفضها القاطع لهذا الاعتراف المتبادل، مؤكّدةً أنه يكرس إجراءات أحادية تخالف المواثيق الدولية، مشدّدة على دعم المملكة الكامل لسيادة جمهورية الصومال الفدرالية ووحدة وسلامة أراضيها.

وعلى الصعيد المصري، أدانت القاهرة الخطوة الإسرائيلية بشدة، حيث أجرى وزير خارجيتها اتصالات هاتفية بنظرائه في عدة دول للتأكيد على الدعم المصري الكامل لوحدة الأراضي الصومالية ورفض المساس بها، كما صدرت بيانات مماثلة من الكويت والأردن والعراق وإيران، اعتبرت جميعها الإجراء الإسرائيلي تعديًا سافرًا على سيادة الدول ومخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة.

فيما ذهبت الخارجية الفلسطينية إلى أبعد من ذلك بتحذيرها من أن هذا الاعتراف يهدف لزعزعة الأمن القومي العربي، وكشفت عن مخاوف حقيقية من استخدام الإقليم كوجهة محتملة لـ”تهجير” الفلسطينيين من قطاع غزة، مشيرةً إلى أن سلطات الاحتلال طرحت اسم “أرض الصومال” سابقًا كوجهة لتنفيذ مخططات التهجير القسري؛ مما يجعل هذا الاعتراف جزءًا من ترتيبات جيوستراتيجية مشبوهة.

من جانبها، وصفت تركيا الخطوة بـ”التدخل السافر” في الشؤون الصومالية، واتهمت حكومة نتنياهو بمحاولة تصدير أزماتها الداخلية، حيث أكّد “فخر الدين ألتون”، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، أن هذا الاعتراف يعكس السياسات “غير المسؤولة لإسرائيل”؛ بينما أشار المتحدث باسم الخارجية التركية، إلى التناقض الصارخ لـ “إسرائيل التي تمنع الاعتراف بدولة فلسطين بينما تتدخل لتقسيم الصومال”.

ولم يتوقف الغضب عند الدول فحسب، وإنما امتد للمنظمات الدولية؛ حيث أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية الخطوة، واصفًا إياها بالمستفزة والمرفوضة، كما أكّدت منظمة التعاون الإسلامي رفضها القاطع وتضامنها مع الصومال في حماية وحدته الوطنية؛ فيما اعتبر مجلس التعاون الخليجي أن الاعتراف يمثل “سابقة خطرة” تفتح الباب أمام النزاعات في القرن الأفريقي، وفي القارة السمراء.

بدورها، أكّدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) والاتحاد الأفريقي رفضهما لأيّ اعتراف أحادي يتعارض مع القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي ومبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عند الاستقلال، وحذّر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي من أن هذه الخطوة تهدّد بتفتيت دول القارة وإحياء مشاريع الانفصال، مشيرًا إلى قرار منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1964م الذي يقدس سلامة الأراضي الوطنية.

داخليًا، جاء رد الفعل الصومالي حاسمًا وقويًا، حيث أعلنت الحكومة الصومالية برئاسة حمزة عبدي بري رفضها “القاطع” للقرار الصهيوني، مشدّدة على أن الصومال “دولة واحدة” وأن هذا الاعتراف “باطل ولاغٍ”.

كما أكّد مكتب رئيس الوزراء أن جمهورية الصومال الاتحادية تلتزم بسيادتها غير القابلة للتفاوض، واصفًا الخطوة الإسرائيلية بالهجوم المتعمد على سيادتها، وحذرت الحكومة من أن هذه الأعمال “تقوض السلام والاستقرار الإقليمي وتخلق بيئة مواتية للجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب وتنظيم الدولة لاستغلال عدم الاستقرار”، موضحًا عزم مقديشو اتخاذ كافة التدابير الدبلوماسية والقانونية للدفاع عن حدودها المعترف بها دوليًا.

وفيما يخص ملف التهجير الفلسطيني، جدّدت الصومال دعمها الثابت للحقوق الفلسطينية ورفضها القاطع لأن تكون جزءًا من أيّ “هندسة ديمغرافية” تسعى لجعل الشعب الفلسطيني بلا دولة.

وفي ظل هذا الغليان، جاء موقف الرئيس الأمريكي ترامب متريثًا، حيث صرح لصحيفة “نيويورك بوست” بأنه “لن يحذو حذو نتنياهو بالاعتراف السريع حاليًا”، رغم إشارته إلى أنّ عرض “أرض الصومال” بإنشاء ميناء عسكري أمريكي هو أمر “قيد الدراسة”، بعد أن أبدت “صومالي لاند”، استعدادها لمنح الولايات المتحدة قاعدة عسكرية، بالإضافة إلى صفقات تتعلق بالمعادن الاستراتيجية، في إطار سعيها للحصول على اعتراف دولي بوصفها دولة ذات سيادة.

ووفقًا لتقارير ميدانية؛ فإنّ الاعتراف الإسرائيلي لا يمكن فصله عن التنافس المتصاعد في القرن الأفريقي حول الموانئ وخطوط الملاحة والأمن البحري؛ فميناء “بربرة”، الذي استثمرت فيه شركة “موانئ دبي العالمية”، يُنظر إليه بوصفه ورقة استراتيجية قد تعزز مكانة الإقليم الانفصالي، كما أن الاعتراف يمنح شرعية غير مباشرة لمذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال، مما يدعم رغبة أديس أبابا في الوصول للبحر الأحمر وتوفير “قوة وكيلة” تضمن أمن السفن المتجهة إلى ميناء أم الرشراش “إيلات” المحتل.

وبحسب تقارير عبرية، يسعى كيان الاحتلال الإسرائيلي لتحويل “أرض الصومال” إلى مركز إنذار مبكر استخباراتي وعسكري متقدم لتقليص زمن الاستجابة للعمليات القادمة من اليمن، مع تعزيز مكانة “بربرة” ليكون ميناءً “خالصًا” لحلفاء الغرب و(إسرائيل) عبر تزويده بتكنولوجيا “الموانئ الذكية” وتأمين السواحل بالطائرات بدون طيار.

وتشير القراءات السياسية إلى أن النموذج الذي اتبعه رئيس “صومالي لاند” “عبدالرحمن محمد عبدالله” يحاكي “النموذج المغربي”، محاولاً الدخول إلى نادي الاعتراف الدولي من بوابة “الاتفاقيات الإبراهيمية”، وهو ما يضع المنطقة بأكملها أمام مشهد جيوسياسي متفجر قد يعيد رسم خرائط النفوذ والحدود في واحد من أكثر ممرات العالم حساسية.

ويزخر إقليم “أرض الصومال” بثروات معدنية متنوعة غير مستغلة بشكّل كامل، تشمل احتياطيات كبيرة من، “اليورانيوم، والحديد، والقصدير، والجبس، والبوكسيت، والنحاس، والملح، والغاز الطبيعي، والنفط الخام”، بالإضافة إلى معادن صناعية مثل “الرخام والفلسبار”، ومعادن استراتيجية مثل “الليثيوم” الذي يجري استكشافه، مع اكتشافات حديثة لمعادن نادرة في النيازك.

وتتركز شركات التنقيب عن المعادن فيها بشكّل أساسي حول النفط والغاز والمعادن الثمينة، وتبرز شركات مثل “جينيل للطاقة” التي تستكشف النفط والغاز، وتعمل أيضًا شركات إماراتية محلية على إنشاء مختبرات لفحص المعادن؛ بينما تستكشف شركات أخرى مثل “كوستلاين إكسبلوريشن” النفط والغاز وتخطط للحفر، وتاريخيًا كانت هناك شركات عالمية مثل “إكسون موبيل وشل”.