“السلام على همدان”: هويةٌ تعود لتصنع أمجاد اليمنيين

1

ذمــار نـيـوز || أخبــار محلية ||
25 ديسمبر 2025مـ – 5 رجب 1447هـ

تتشكل هوية الأمم من خلال تاريخها وقيمها ومواقفها، ولعل الهوية الإيمانية التي يحملها الشعب اليمني تمثل نموذجًا فريدًا يجمع بين الأصالة التاريخية والامتداد الحضاري والمواقف المبدئية، فما يشهده اليمن اليوم من مواقف بطولية في نصرة فلسطين والدفاع عن المقدسات هو تعبير حي عن هوية متجذرة تشكلت عبر قرون، وتجسد أول معالمها في “جمعة رجب” التاريخية عندما دخل اليمنيون الإسلام طوعًا دون سيف، ليبقى هذا اليوم نقطة تحول في وعي اليمنيين ومنطلقًا لمسار إيماني قائم على الثبات والصمود أمام التحديات.

فمن “جمعة رجب” إلى ساحات المواجهة يبقى الشعب اليمني حاملًا لواء الإيمان والحكمة، مجسدًا قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، وهذه الهوية هي مشروع للحاضر والمستقبل، وقوة دافعة تمكن اليمنيين من الصمود في وجه التحديات، والثبات على المبادئ، والإسهام في نصرة الحق حيثما كان، فكما دخل الأجداد في دين الله أفواجًا، يواصل الأحفاد السير على نفس الدرب، حاملين رسالة الإيمان، مجاهدين من أجل كرامة الأمة، وصامدين في وجه الطغيان، مؤمنين بأن الله ناصر من ينصره.

“جمعة رجب” عيد أعياد اليمنيين
لليمنيين طابع خاص بمناسبة جمعة رجب، فهي تمثل بالنسبة للشعب اليمني يوما عظيما تربى الشعب اليمني على تقديسه وتعظيمه عبر الأجيال، ففي هذا اليوم يلبس اليمنيون لبسا جديدا، ويتبادلون التهاني والتبريكات، ويوزعون الحلوى، ويزورون الأهل والأصدقاء، كما يؤكد ذلك د. عصام حسين العابد رئيس نقابة المهن التعليمية، والذي أضاف أن الشعب يفتخر بهذا العيد ويعتبره عيد أعياده، ففي هذا اليوم وقف الإمام علي “عليه السلام” في سوق الحلقة بصنعاء القديمة وخاطب الشعب اليمني فأسلموا على يديه، وبالتالي كانت هذه المناسبة نقطة تحول لأن شعبنا تحول فيها من الكفر إلى الإيمان ومن الظلام إلى النور والهداية، وبالتالي فهذا اليوم هو عيد الأعياد ويعتز به شعبنا ويشعرون فيه بالفرحة.

وعن أثر الارتباط الوجداني للشعب اليمني وتمسكه بهويته الإيمانية وانعكاسه على النشء، يقول د. العابد إننا لمسنا في أبنائنا وبناتنا وفي جميع الطلاب بأن الذكرى صنعت وعي الأجيال وشدتهم إلى الارتباط بالهوية الإيمانية، ويبدو ذلك جليا في الأنشطة الطلابية خلال إحياء المناسبة، فأصبح أبناؤنا الطلاب كبارا في وعيهم وأصبحوا مدرسة يتعلم منهم الجميع، فخلال هذه الأيام يقيم الطلاب في المدارس فعاليات متنوعة تعكس مدى النقلة النوعية التي أحدثها الارتباط بالهوية الإيمانية، ويمكن القول بأن الارتباط بالهوية الإيمانية صنع تحولا كبيرا على مستوى النشء وعلى المستوى الإداري، كما أحدث أيضا نقلة في مختلف المجالات منها الجانب العسكري، كما نقلت الهويةُ الإيمانية الشعب اليمني إلى مستوى راق في الوعي وتحمل المسؤولية بقيادة القائد العظيم السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي الذي طالما يركز في خطاباته على أهمية الارتباط بالهوية الإيمانية باعتبارها نقطة التحول في مختلف الجوانب.

أفواج النصر
فضائل كثيرة ومتعددة يتمتع بها الشعب اليمني، شهد لها القرآن والرسول الأكرم، ووثقتها كتب التاريخ ومعارك الحاضر. يؤكد العلامة محمد مفتاح القائم بأعمال رئيس الزوراء -في تصريح خاص لـ”موقع أنصار الله”- أن سورة النصر وقول الله تعالى فيها: “إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا” فإنها نزلت تيمنا بإسلام أهل اليمن، حيث قام الرسول صلوات الله عليه وآله بعد نزول الآية لاستقبال وفد أهل اليمن الكبير القادم من ملوك ووجاهات وزعامات اليمن، ويقول حينها الرسول الأعظم : “جاءكم أهل اليمن، الإيمان يمان والحكمة يمانية”، مضيفا أن “الناس” الذين أشار الله إليهم في كتابه العظيم في قوله تعالى :”ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا”، فاليمنيون هم الذين دخلوا في دين الله أفواجا وهم المعنيون.
يضيف العلامة مفتاح أن الشعب اليمني -ومن هذا المنطلق- يحيي ذكرى “جمعة رجب” حمدا وشكرا لهذا التكريم الإلهي، وتذكيرا بهذه النعمة للأجيال، مضيفا أن إحياء ذكرى الهوية الإيمانية هو في إطار القيام بواجب الحمد والشكر لله من الشعب اليمني العظيم على التوفيق الإلهي والرعاية الإلهية والتكريم الإلهي لهذا الشعب.
وقال العلامة مفتاح: “النبي صلوات الله عليه وآله عندما جاءه وفد أهل اليمن قام يبشر أصحابه، وسجد لله، والسجود لله هو كان لشيء عظيم” وهو إسلام أهل اليمن، مؤكدا أن الواقع أثبت أن الشعب اليمني هو كما بشر به النبي صلوات الله عليه وآله ونسب إليه الإيمان والحكمة، وبالتالي فهذه النعمة العظيمة والشرف الكبير يستحق الشكر والحمد والثناء، وهذا ما يقوم به أهل اليمن من أعلى هرم القيادة.
يؤكد العلامة محمد مفتاح أن الشعب اليمني -في ظل الصراع بين الحق والباطل وبين تيار الافساد والإظلال العالمي المتمثل بالصهيونية العالمية برئاسة الإدارة الامريكية ومن معهم من العملاء العرب- جعل الهوية الإيمانية هي الرافعة وهي الراية العظيمة التي يلتف حولها أهل الإيمان في مواجهة أشرار العالم في هذا الزمن.

محطة تجديد الولاء العملي
“جمعة رجب” لا تعد بالنسبة للشعب اليمني ذكرى عابرة يقتصر إحياؤها على المراسم الروتينية، وإنما يَعُدّونها محطة يجعلون منها مناسبة لتجديد الولاء لله ورسوله وأهل بيته، ويستذكرون فيها عظم فضل الله عليهم، والسعي لترسيخ المبادئ الإسلامية الأصيلة، والتبرؤ من الثقافات الدخيلة التي يحاول الأعداء من خلالها مسخ التعاليم الإسلامية السمحة.
في هذه الجزئية يوضح الناشط الثقافي حسن الشريف أن “جمعة رجب” تمثل بالنسبة للشعب اليمني عيد الأعياد، باعتبار هذا اليوم ذكرى دخول اليمنيين في الإسلام بدعوة من رسول الله صلوات الله عليه وآله، والتي أرسل فيها رسوله ووصيه الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام”، مضيفا أن الإمام عليَّاً حينما وصل اليمن ودعاهم إلى الإسلام إذا بهم يستجيبون ويدخلون في دين الله أفواجا، ولما وصل الأمر إلى رسول الله سجد لله شكرا، ثم قال بعد سجوده: ” السلام على همدان، السلام على همدان، السلام على همدان”، فهذا اليوم يعَدُّ يوما تاريخياً عظيما لدى اليمنيين، يستذكرون فيه دخول آبائهم في الإسلام وهو الدين الذي شرفهم الله وأكرمهم به ونقلهم من تلك الضلالات والظلمات التي كانوا فيها إلى نور الإسلام وإلى العزة والكرامة والمجد والسمو.

يؤكد الشريف أن اليمنيين اليوم يجددون تاريخ آبائهم الأوائل الذين أسلموا على يد الإمام علي “عليه السلام” وتحركوا معه، فهم اليوم بإيمانهم وارتباطهم برسول الله وأهل بيته يجددون الولاء في الميدان، ويجددون الولاء قولا وعملا، فيقارعون الظلم ويواجهون الطغاة والمستكبرين في هذه الأرض، ويرسخون قيم الإيمان قولا وعملا، فهم من يستفيد منهم الأحرار في العالم، وينظرون إليهم نظرة إكبار وإعزاز وإجلال، ويأخذون منهم هذه القيم العظيمة التي جاءت من رحم الإسلام ومن صلب الدين الإسلامي الحقيقي النقي الصافي، فاليمنيون اليوم هم في صدارة الشعوب الإسلامية، بل لا مقارنة مع أي شعب آخر، نظرا لما يتحلى به الشعب اليمني من قيم وأخلاق، إضافة إلى تفردهم بقول النبي صلوات الله عليه وآله فيهم: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”.

إيمان متجذر
ما سطره ويسطره الشعب اليمني حاليا وعبر العصور من مواقف مشرفة هو نتاج لمنظومة من القيم والمبادئ والأخلاق النبيلة التي يتوارثونها جيلا بعد جيل، ويتحركون على أساسها في مواجهة الطغيان في كل عصر وزمان.
الناشط الثقافي حسين العبود أوضح أن الرسول صلوات الله عليه وآله حينما قال: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، هو خلّد في اليمن واليمنيين الصفات الإيمانية الذاتية التي جعلتهم يندفعون إلى الإيمان بالله ورسوله، وينطلقون في “جمعة رجب” بشكل جماعي وبالشكل الذي جعل الرسول صلوات الله عليه وآله يسجد لله شكرا وتخليدا لموقف اليمنيين.
ولفت إلى أن الصفات الإيمانية التي يتمتع بها اليمنيون جعلها الله تهيئة لهذه الأمة لأن يكون من الشعب اليمني من يحمل رسالة الله وأن يوصلها إلى العالم، ومن هذا المنطلق كان اليمنيون هم السابقين وهم من يحمل هذه الرسالة، ولديهم أيضا صفات استمرارية الثبات على الرسالة، واستمرارية الإيمان، واستمرارية الحكمة، وإلى الآن لا يزال اليمنيون يحملون الإيمان والحكمة، ويستمرون في إيصال الرسالة الإلهية إلى العالم، ويشهد واقع اليمنيين في الوقت الحالي أن لديهم الإيمان والحكمة كمصداق لحديث الرسول صلوات الله عليه وآله.
يضيف “العبود” أن اليمنيين، وكما دخل أجدادهم في دين الله أفواجا في “جمعة رجب”، فإن أحفادهم يجعلون منها مناسبة للعودة إلى القرآن الكريم وإلى التمسك بالرسول صلوات الله عليه وآله، فهم يجددون في كل عام العزم والنشاط ليكونوا في مستوى الأحداث والتحديات، فمع كل “جمعة رجب” يكبر اليمنيون بكبر التحديات والأحداث،
وأما للقوى المعتدية في هذه المناسبة فإن عليهم اليأس من تحقيق أي اختراق في وعي الشعب اليمني سواء عبر الإعلام أو بأي دعايات أو حرب ناعمة، لأن الإيمان متجذر فيهم، والباطل والضلال لا يمكن أن ينطلي عليهم كما يؤكد “العبود”، والذي أضاف أن العدوان العسكري لا يكمن له أن يُخضع الشعب اليمني، وقد جرب الأعداء ذلك لسنوات وفشلوا، وإذا أعادوا الكرة فإن الشعب اليمني سيجعل المعركة القادمة معهم هي الفاصلة باعتبارها فرصة لإنهائهم وتخليص البشر من شرهم.

ختاما
إن قراءة المشهد اليمني اليوم لا تكتمل إلا بفهم جذوره الإيمانية العميقة، فاليمن الذي أسلم طوعًا في “جمعة رجب”، هو ذاته اليمن الذي ينتفض اليوم دفاعًا عن غزة، ويغضب لكرامة القرآن الكريم، ويواجه الاستكبار بثباتٍ نادر، تلك هي الهوية التي تشكّلت بالإيمان والوعي، وتوارثتها الأجيال بوصفها مسؤولية ورسالة. وهكذا، يثبت اليمن مرة أخرى أن الإيمان إذا تجذر يترجم إلى مواقف قوية في وجه الطغيان، وأن “الإيمان يمان” هي حقيقةٌ متجددة تُكتب اليوم بوعي، وعمل وجهاد، وتضحيات تصنع معادلة الثبات في زمن الطغيان.