معركة الوعي في القرآن الكريم: قراءة لمفهوم أهل الكتاب والصراع الديني المعاصر

9

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
22 ديسمبر 2025مـ – 2 رجب 1447هـ

ناقش برنامج “إن الدين عند الله الإسلام” في الحلقة الأخيرة على قناة “المسيرة” الأبعاد القرآنية لمفهوم أهل الكتاب، في ظل ما تعيشه الأمة الإسلامية من صراع فكري وثقافي وديني، ولا سيما مع تصاعد خطاب ما يُسمّى بـ«الإبراهيمية» الذي تروّج له الولايات المتحدة وكيان العدو الصهيوني لتبرير مشاريع التطبيع وإعادة تشكيل الوعي الديني.

واستضاف البرنامج الكاتب والأستاذ الأكاديمي محمد العفيف إلى جانب الباحث والأستاذ الجامعي الجزائري الدكتور نور الدين أبو لحية، وجرى تسليط الضوء على كيفية تناول القرآن الكريم لأهل الكتاب، ومن هم، وما الفرق بين مصطلحات بني إسرائيل واليهود والنصارى، وهل اليهودية والنصرانية ديانتان سماويتان كما يُروَّج له اليوم؟

وأكد الأستاذ محمد العفيف أن القرآن الكريم هو المرجع الحاسم في تعريف هذه المصطلحات، موضحاً أن مصطلح بني إسرائيل ورد في سياق تاريخي مرتبط بمرحلة وجود الأنبياء فيهم، بينما جاء مصطلحا اليهود والنصارى في القرآن غالباً في سياق الذم والاحتجاج، باعتبارهما عنوانين للتحريف والانحراف عن رسالة موسى وعيسى عليهما السلام.

وأشار العفيف إلى أن القرآن لم يذكر اليهودية والنصرانية كديانتين سماويتين، بل أكد بوضوح أن الدين عند الله هو الإسلام، وهو الدين الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين، مستشهداً بآيات قرآنية صريحة تؤكد أن نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام كانوا مسلمين، ولم يرد على ألسنتهم أي انتساب لليهودية أو النصرانية.

وبيّن أن مصطلح أهل الكتاب استخدمه القرآن في عهد النبي محمد -صلى الله عليه وعلى آله- للاحتجاج على من عاصروه من اليهود والنصارى، انطلاقاً مما يزعمون أنهم يؤمنون به من كتب سماوية، وليس إقراراً بصحة ما هم عليه بعد بعثة النبي، لافتاً إلى أن القرآن ميّز بموضوعية بين من آمن منهم بالرسول والقرآن، ومن أصرّ على الكفر والعناد.

من جانبه، أكد الدكتور نور الدين أبو لحية أن الخطاب القرآني تجاه أهل الكتاب اتسم بالإنصاف والموضوعية، حيث لم يعمّم الذم، بل فرّق بين الفئات، مصداقاً لقوله تعالى: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة}، موضحاً أن القرآن أقام الحجة على الجميع، وبيّن مواطن الانحراف والتحريف، وفي الوقت نفسه مدح من اتبع الحق وآمن برسالة الإسلام.

وحذّر أبو لحية من محاولات توظيف مفهوم الإبراهيمية سياسياً ودينياً لطمس الفوارق العقدية، مؤكداً أن هذا المصطلح يُستخدم اليوم كغطاء لتمرير مشاريع التطبيع مع العدو الصهيوني، وتفريغ الإسلام من مضمونه الحقيقي، في حين أن القرآن حسم المسألة بقوله: {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً}.

وشدد الضيفان على أن استعادة الوعي القرآني تمثل ضرورة ملحّة في مواجهة محاولات التضليل الفكري، وأن معركة الأمة اليوم ليست عسكرية فقط، بل هي معركة وعي وهوية وثقافة، تستهدف الدين ذاته، وتسعى لإعادة تعريفه بما يخدم مشاريع الهيمنة والاستكبار.

واختتم البرنامج بالتأكيد على أن القرآن الكريم قدّم قراءة شاملة لتاريخ أهل الكتاب، وبيّن سنن الصراع، وحدد بوضوح طريق الهداية، داعياً الأمة إلى التمسك بالإسلام الأصيل، والوعي بالمخططات التي تستهدف عقيدتها وثوابتها.