من سفوح ريمة إلى قرى المحويت… مبادرات مجتمعية تشق الطرق وتعيد الحياة
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
22 ديسمبر 2025مـ –2 رجب 1447هـ
محمد ناصر حتروش: يشهد اليمن خلال الأعوام الأخيرة اتساعًا ملحوظًا في فاعلية المبادرات المجتمعية، التي انتقلت من جهود محدودة النطاق إلى حركة شعبية منظمة تُعيد تشكيل مشهد التنمية في مختلف المحافظات.
وتتزامن هذه النقلة النوعية في مسار المبادرات المجتمعية مع تنامٍ واضح في مستوى الدعم الحكومي، من خلال سياسات وبرامج تستهدف تعزيز تمكين المجتمع المحلي، وتيسير تنفيذ المشاريع الخدمية، وتوفير الإسناد الفني والميداني للجان المجتمعية، ليشكّل هذا التناغم بين الجهد الشعبي والدعم الرسمي عاملًا محوريًا في بناء بيئة تنموية أكثر صلابة، تُعزّز الاعتماد على الذات، وترتقي بقدرات المجتمع، وتمكّنه من مواجهة التحديات الاقتصادية بفاعلية أكبر.
وقد أفضى هذا التنامي بين المبادرة الشعبية والحضور المؤسسي المساند إلى إحداث نقلة ملموسة في مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية، خاصة في المحافظات ذات الطبيعة الجبلية الوعرة التي ظلت لعقود تعاني من فجوات خدمية واسعة.
وتُعد ريمة والمحويت مثالين بارزين لهذا التحول؛ حيث تتنامى يومًا بعد آخر خارطة الإنجازات التي يصنعها الأهالي بجهودهم الذاتية، فيما يسهم الإسناد الرسمي في تعزيز موثوقية هذه التجارب وتوسيع نطاق أثرها التنموي.
في محافظة ريمة، تبدو المبادرات المجتمعية أشبه بخارطة أمل تُرسم على سفوح الجبال وتحتضن القرى والعُزل التي ظلت طويلًا تواجه عوائق التضاريس ووعورة الطرق، لتأتي مشاريع شق وتوسعة الطرقات في مقدمة هذا النشاط المتنامي، بوصفها ركيزة أساسية يحتاج إليها السكان للوصول إلى الخدمات التعليمية والصحية والأسواق.
ويبرز مشروع شق طريق مِكّية – اليمانية – الجعفرية كأحد أبرز النماذج التي تكشف عن مستوى التنظيم المجتمعي، والتفاعل الشعبي، والدعم المؤسسي الذي أسهم في تذليل العقبات وتوفير الاستمرارية لإنجاز العمل.
وبحسب رئيس المبادرات المجتمعية في محافظة ريمة حمزة يوسف، فقد واصل أبناء المحافظة خلال الأشهر الماضية تنفيذ مشاريعهم المجتمعية بوتيرة عالية، وفي مقدمتها مشروع طريق مِكّية الذي يشكّل محورًا رئيسيًا لربط مناطق متعددة في مديرية الجعفرية.
ويؤكد يوسف في حديث خاص لبرنامج “نوافذ” أن المشروع يجسّد إرادة المجتمع في تجاوز الصعوبات، مؤكدًا أن الدعم الحكومي أسهم في توفير جانب من الاحتياجات الضرورية وتسهيل الأعمال، ما شجع السكان على مواصلة الجهد وبذل المزيد من العمل التطوعي.
ولفت إلى أن الطريق يمثل شريان حياة حقيقيًا للأهالي، إذ يسهّل حركة المرضى والطلاب، ويعزز النشاط الاقتصادي عبر فتح خطوط تصل القرى بالمراكز الرئيسية.
وتتولى اللجان المجتمعية إدارة الموارد المتاحة بقدر عالٍ من الانضباط، عبر تنظيم مساهمات الأهالي ضمن آليات واضحة تضمن استمرارية العمل وعدم تعثره، حيث تقدّم ريمة اليوم نموذجًا متقدّمًا للمبادرات المجتمعية بنجاحها في تحويل المبادرات من أفكار بدائية إلى مشاريع عملية قائمة على الأرض، مستفيدة من خبرتها المتراكمة ومن الدعم المؤسسي الذي يعمل على تعزيز نماذج راسخة في الإدارة المجتمعية للمشاريع التنموية.
وتتخذ المبادرات المجتمعية في المحافظات اليمنية منحى أكثر اتساعًا وتنوعًا، إذ تتوزع بين مشاريع الطرقات والمياه والتعليم والصحة، وتعمل تحت مظلة لجان مجتمعية نشطة يقف وراءها دعم رسمي يسهّل الإجراءات ويعزز قدرة المجتمع على الإنجاز، حيث أسهمت هذه الجهود في تغيير ملموس لمستوى الخدمات في عدد من المديريات، خصوصًا في الخبت والملحان والطويلة، وهي مناطق تحتاج باستمرار إلى تحسين البنى الأساسية.
وفي السياق ذاته شهدت محافظة المحويت توسعًا كبيرًا في المشاريع المجتمعية التي اعتمدت على الجهد الذاتي، مدعومة بتسهيلات رسمية شجّعت على التنفيذ وساعدت في تذليل كثير من المعوقات. ففي مجال الطرقات نفّذ الأهالي مشاريع لإصلاح مسارات مهمة تربط القرى بالمراكز الخدمية، وكان مشروع تأهيل طريق الملحان – الخبت واحدًا من النماذج التي ساهمت في تحسين الحركة والتنقل.
وفي جانب المياه، أسهمت المبادرات الشعبية في إنشاء خزانات لتجميع مياه الأمطار وردم قنوات مائية، ما خفّف من مشقة الأسر التي كانت تقطع مسافات طويلة للحصول على المياه. وشهدت المدارس مبادرات ترميم وتأهيل استهدفت توفير بيئة تعليمية أفضل للطلاب، فيما تم تنفيذ أعمال صيانة محدودة في المرافق الصحية لتعزيز جاهزيتها في استقبال المرضى.
وفي الصعيد ذاته يؤكد مسؤول المبادرات المجتمعية في محافظة المحويت طارق المالكي أن مشروع شق طريق بيت المالكي بعزلة رأس الأخيول – مديرية حفاش يشهد حراكًا مجتمعياً واسعًا يرافقه دعم رسمي محدود، في مسعى لإنهاء معاناة الأهالي مع الطريق المنعدمة منذ عقود.
وفي حديثه لبرنامج “نوافذ” على قناة المسيرة يوضح المالكي أن المشروع يمتد على مسافة تتراوح بين 1500 و2500 متر بحسب مراحل التنفيذ، فيما أكمل الأهالي حتى الآن رصف 500 متر من الطريق.
ويشير إلى أن المبادرة، التي انطلقت بجهود المواطنين، حظيت باستجابة عاجلة من وحدة التدخلات المركزية الطارئة، التي قدّمت دعمًا شمل 300 كيس من الإسمنت، ومعدات لتكسير الأحجار، إضافة إلى 2000 لتر من الديزل، مما ساعد في تسريع وتيرة العمل خلال الأسابيع الماضية.
ويستذكر المالكي حجم المعاناة التي كان يعيشها السكان قبل بدء المشروع، بما في ذلك صعوبة وصول الدراجات النارية والمواد الغذائية إلى القرى، ووقوع حوادث مؤلمة من بينها وفاة امرأة العام الماضي نتيجة تعذر إسعافها بسبب وعورة الطريق.
ورغم الإنجاز المحقق، يواجه المشروع تحديات كبيرة أبرزها نقص مواد البناء والديزل، وارتفاع تكاليف نقل الحجارة والمعدات، في ظل ظروف معيشية صعبة يعيشها أهالي المنطقة.
ختامًا، تبدو ريمة والمحويت اليوم شاهدتين حيّتين على ولادة مشهد تنموي جديد صنعه الناس بإرادتهم، ورسخته الدولة بحضورها ودعمها، فغدت المبادرات المجتمعية وقودًا لنهضة لا يمكن إيقافها، لتثبت هذه المحافظات أن الوعي الشعبي حين يقترن بالتنظيم المجتمعي والدعم الرسمي يتحول إلى قوة قادرة على فتح الجبال، وتهيئة الطرق، وتغيير حياة آلاف الأسر التي كانت محاصرة بالعزلة لسنوات طويلة.
