من مونرو إلى ترامب: سياسات العدوان الأمريكية ضد شعوب أمريكا اللاتينية(1-3)

3

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
17 ديسمبر 2025مـ – 26 جماد الثاني 1447هـ

تقرير|| أنس القاضي

تقدّم هذه الورقة قراءة تحليلية في السياسة العدوانية للولايات المتحدة في القارة اللاتينية، التي بدأت منها توسعها الاستعماري ليشمل دول العالم باختلاف قومياتها وثقافاتها وأديانها، فمادامت هناك ثروات ومواقع استراتيجية تصبح هذه البلدان جزءاً من “الأمن القومي الأمريكي” وتنتفي عنها السيادة! وكل شعب حر يدافع سيادته الوطنية يواجَه بالقتل والتجويع. تلقي هذه الورقة الضوء على السياسة العدوانية للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية من جذورها التاريخية مع مبدأ مونرو، وصولاً إلى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لعام 2025م، والتي تتزامن مع الهجمة العدوانية الأمريكية على دولة فينزويلا البوليفارية وشعبها المقاوم.

مقدمة
تنطلق هذه الورقة التحليلية من إشكاليةٍ مركزية تتعلّق بطبيعة السلوك الخارجي للولايات المتحدة الأمريكية تجاه دول أمريكا اللاتينية، وبخاصة السلوك العدواني–التدخلي الذي يتخذ أشكالاً متعددة تتراوح بين الانقلابات السياسية، والعقوبات الاقتصادية، والعسكرة غير المباشرة، والتدخل الاستخباراتي، والضغط المالي، وصولاً إلى التهديد العسكري الصريح أو الضمني.

تُثار هذه الإشكالية في ضوء التحولات الراهنة في الاستراتيجية الأمريكية، ولا سيما مع صدور استراتيجية الأمن القومي لعام 2025م، التي أعادت تثبيت نصف الكرة الغربي الذي تقع فيه أمريكا اللاتينية والوسطى ومنطقة الكاريبي، بوصفه مجالاً حيوياً للأمن القومي الأمريكي، وأعادت تفعيل منطق “مبدأ مونرو” بصيغة أكثر صراحة وحدّة.

وعليه، تسعى هذه الورقة إلى تفكيك هذا السلوك العدواني بوصفه نهجاً مستمراً، ومحاولة فهم محدداته الاقتصادية والسياسية، وأسبابه العميقة، وآثاره على سيادة دول أمريكا اللاتينية ومساراتها التنموية.

لقد شكّلت هذه المنطقة -تاريخياً- إحدى أكثر الساحات تعرضاً للتدخلات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة، منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم، بما يجعلها مختبراً كاشفاً لفهم طبيعة السلوك الإمبريالي الأمريكي في صورته الكلاسيكية والمعاصرة.
كما أن دول أمريكا اللاتينية شهدت -عبر مراحل مختلفة- محاولات لبناء نماذج تنموية أكثر استقلالاً، أو تبني سياسات اجتماعية–اقتصادية ذات طابع إصلاحي اجتماعي أو ثوري اشتراكي، وهو ما وضعها مراراً في حالة تصادم مع المصالح الأمريكية غير المشروعة، خاصة حين اقترنت هذه السياسات بتقليص نفوذ الشركات العابرة للقوميات، أو إعادة تعريف العلاقة مع النظام الرأسمالي العالمي.

من هنا، لا تُدرس أمريكا اللاتينية باعتبارها حالة استثنائية، بل باعتبارها نموذجاً كاشفاً لفهم كيفية تعامل الولايات المتحدة مع أي فضاء جغرافي في العالم يسعى إلى توسيع هامش سيادته الوطنية.

الإطار المفاهيمي
مفهوم التدخل

يُستخدم مفهوم التدخل في هذه الدراسة للدلالة على مجموع الأفعال والسياسات التي مارستها الولايات المتحدة، تاريخياً ومعاصراً، للتأثير المباشر أو غير المباشر في المسار السياسي والاقتصادي والأمني لدول أمريكا اللاتينية، بما يتجاوز حدود العلاقات الدبلوماسية المعترف بها في القانون الدولي، ولا يقتصر هذا التدخل على الاستخدام الصريح للقوة العسكرية، كما في حالات الاحتلال أو الانقلابات المدعومة، بل يشمل طيفاً واسعاً من الأدوات غير المباشرة، مثل العقوبات الاقتصادية، والضغوط المالية، والدعم الاستخباراتي لقوى داخلية، والتأثير في مسارات الحكم، إضافة إلى توظيف المؤسسات الدولية والإقليمية لخدمة أهداف سياسية واستراتيجية محددة.

ويُفهم التدخل -في سياق هذه الدراسة- بوصفه ممارسة منهجية ومستمرة ارتبطت بمحاولات دول أمريكا اللاتينية توسيع هامش استقلالها السياسي أو الاقتصادي، أو إعادة تعريف علاقتها بالولايات المتحدة، وعليه لا يُقاس التدخل فقط بدرجة العنف المستخدم، بل بمدى ما يُحدثه من تقويض فعلي لقدرة الدولة المستهدفة على اتخاذ قرار سيادي مستقل، حتى في غياب الاحتلال أو المواجهة العسكرية المباشرة.

الإمبريالية

تعتمد الدراسة تعريفاً وظيفياً للإمبريالية يَنظر إليها بوصفها نمطاً من السلوك السياسي–الاقتصادي تمارسه الولايات المتحدة للحفاظ على موقعها المهيمن داخل النظام الدولي، من خلال التحكم غير المتكافئ في الموارد، والأسواق، ومسارات القرار السياسي في دول أمريكا اللاتينية. ولا تُستخدم الإمبريالية هنا بوصفها توصيفاً أيديولوجياً، بل كأداة تحليلية لفهم العلاقة البنيوية بين القوة الأمريكية والتدخل الخارجي.

وفق هذا التعريف، لا تشترط الإمبريالية وجود احتلال مباشر أو إدارة استعمارية تقليدية، بل تتجلى في آليات أكثر تعقيداً، مثل فرض نماذج اقتصادية معينة، أو توجيه السياسات المالية والنقدية، أو إعادة تشكيل النخب الحاكمة بما ينسجم مع متطلبات النظام الرأسمالي العالمي، أو تعطيل المشاريع التنموية المستقلة. وتُفهم التدخلات الأمريكية في أمريكا اللاتينية -في هذا الإطار- بوصفها إدارة طويلة الأمد للهيمنة، لا استجابات استثنائية لأزمات عابرة أو سلوكيات عدوانية معزولة.

السيادة في النظام الدولي (كما تتجلى في الحالة اللاتينية(

تُعرَّف السيادة في هذه الدراسة بوصفها قدرة الدولة على اتخاذ قراراتها السياسية والاقتصادية والأمنية بصورة مستقلة، دون خضوع لإكراه خارجي مباشر أو غير مباشر، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه القدرة لا تُمارَس في فراغ قانوني مجرد، بل في إطار نظام دولي تحكمه موازين قوة غير متكافئة. ومن ثم، لا تُختزل السيادة في الاعتراف القانوني أو العضوية الدولية، بل تُفهم بوصفها ممارسة فعلية تتأثر بموقع الدولة داخل النظام الاقتصادي العالمي.

وفي هذا السياق، تبرز دول أمريكا اللاتينية بوصفها مثالاً واضحاً على الفجوة بين السيادة الشكلية والسيادة الفعلية، وانتهاك الولايات المتحدة لسياداتها الوطنية، إذ كثيراً ما اصطدمت محاولات هذه الدول لتوسيع هامش القرار السيادي -سواء عبر تأميم الموارد الوطنية، أو إعادة توزيع الثروة في المجتمع، أو تنويع الشراكات الدولية- بتدخلات أمريكية هدفت إلى إعادتها إلى حظيرة التبعية. وعليه تُستخدم السيادة في هذه الدراسة كمفهوم تحليلي لقياس أثر السلوك التدخلي الأمريكي على بنية الدولة اللاتينية، وخياراتها التنموية، وقدرتها على إعادة تعريف علاقتها بالولايات المتحدة وبالنظام الدولي الأوسع.

الاستراتيجية الأمريكية الجديدة (2025) ونصف الكرة الغربي
مبدأ مونرو بصيغته الحديثة

تعكس استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025م الصادرة هذا الشهر (ديسمبر)، عودة واضحة إلى منطق مبدأ مونرو، ولكن بصيغة محدثة تتجاوز الإطار التاريخي التقليدي الذي رُبط برفض الاستعمار الأوروبي في نصف الكرة الغربي (أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينية)، ففي صيغته المعاصرة، لا يَظهر المبدأ بوصفه إعلان حماية إقليمية، بل كإطار استعماري يمنح الولايات المتحدة حقاً عملياً في منع أي حضور دولي منافس داخل المجال اللاتيني، ولا سيما الحضور الصيني والروسي.

ويُعاد تعريف نصف الكرة الغربي -في الوثيقة- باعتباره مجالاً أمنياً مباشراً، لا فضاءً سياسياً مستقلاً لدول ذات سيادة. وبهذا المعنى، فإن أي محاولة من دول أمريكا اللاتينية لتنويع شراكاتها الاقتصادية أو الأمنية خارج المدار الأمريكي تُقرأ في واشنطن بوصفها تهديداً بنيوياً، لا خياراً سيادياً مشروعاً، هذا التحول لا يعني استعادة حرفية لمبدأ مونرو، بل إعادة توظيفه ضمن شروط الصراع الدولي المعاصر، حيث لم تعد المنافسة استعمارية تقليدية، بل صارت تنافساً على النفوذ، وسلاسل الإمداد، والطاقة، والمواقع الجيو–استراتيجية.

الأمن القومي بدل القانون الدولي

تُظهر الاستراتيجية الجديدة أولوية صريحة لمفهوم الأمن القومي الأمريكي على حساب مبادئ القانون الدولي، خصوصاً ما يتعلق بعدم التدخل وباحترام السيادة. فبدلاً من التعامل مع النظام الدولي بوصفه إطاراً ناظماً للعلاقات بين الدول، تُعيد الوثيقة ترتيب المرجعيات، بحيث يصبح الأمن القومي الأمريكي معياراً أعلى يبرر اتخاذ إجراءات أحادية، حتى إن تعارضت مع الأعراف القانونية أو التزامات واشنطن الدولية.

في هذا السياق، لا تُقدَّم التدخلات المحتملة في أمريكا اللاتينية باعتبارها خروقات للقانون الدولي، بل بوصفها إجراءات “وقائية أو دفاعية”، تهدف إلى “منع تهديدات مستقبلية”. ويكشف هذا المنطق عن تحول في طبيعة الخطاب الأمريكي، حيث يجري تسييس مفهوم التهديد ليشمل خيارات اقتصادية وسياسية لدول أخرى، وليس فقط أفعالاً عسكرية مباشرة. وبهذا، يصبح القانون الدولي أداة انتقائية، يُستدعى حين يخدم المصالح الأمريكية، ويُهمَّش حين يُقيّدها.

عسكرة الجوار

أحد أبرز تجليات هذه المقاربة يتمثل في الاتجاه المتصاعد نحو عسكرة الجوار الجغرافي، ولا سيما في البحر الكاريبي وأمريكا الوسطى. فقد عززت الولايات المتحدة من حضورها البحري والجوي قبالة فنزويلا، ووسّعت نطاق عمليات المراقبة والاستخبارات تحت عناوين مخادِعة مثل مكافحة المخدرات، والهجرة غير النظامية، والجريمة العابرة للحدود. غير أن هذا الغطاء الأمني يخفي وظيفة أعمق تتعلق بإعادة فرض السيطرة الاستراتيجية على المجال الحيوي القريب.

وتُعد هذه العسكرة جزءاً من انتقال أوسع من أدوات الضغط الاقتصادي والدبلوماسي إلى أدوات الردع العسكري غير المباشر، بما يسمح لواشنطن بإبقاء خيارات التدخل مفتوحة دون الانخراط في مواجهات واسعة النطاق. كما تخلق هذه المقاربة بيئة ضغط دائمة على الدول المستهدفة، تُقيّد قدرتها على المناورة السياسية، وتُعيد رسم حدود المقبول وغير المقبول في سياساتها الخارجية والداخلية.

في هذا الإطار، لا تُفهم عسكرة الجوار بوصفها استجابة أمنية ظرفية، بل كآلية بنيوية لإدارة الهيمنة في مرحلة تتسم بتراجع القدرة على الضبط الاقتصادي وحده، وبصعود قوى دولية منافسة داخل فضاء لطالما اعتُبر “أمريكياً خالصاً”.

فنزويلا نموذج معاصر للعدوانية الأمريكية
العقوبات كأداة سياسية

تُعد فنزويلا من أكثر الحالات وضوحاً في توظيف العقوبات الاقتصادية بوصفها أداة سياسية مركزية ضمن السلوك التدخلي الأمريكي؛ فمنذ تصاعد التوتر بين واشنطن والحكومات الفنزويلية المتعاقبة، ولا سيما منذ عهد الرئيس الثوري هوغو شافيز (1999م–2013م)، لم تُستخدم العقوبات باعتبارها وسيلة ضغط دبلوماسي محدودة، بل تحولت تدريجياً إلى آلية إكراه بنيوي تستهدف بنية الاقتصاد والدولة معاً.

وقد بدأت هذه السياسة تتخذ طابعاً أكثر وضوحاً مع فرض الولايات المتحدة أولى العقوبات الرسمية عام 2015م في عهد إدارة باراك أوباما، التي صنّفت فنزويلا “تهديداً غير عادي واستثنائياً” للأمن القومي الأمريكي، قبل أن تتوسع بصورة غير مسبوقة خلال إدارة دونالد ترامب (2017م–2021م(، ولا سيما بعد إعادة انتخاب الرئيس نيكولاس مادورو عام 2018م.

شملت هذه العقوبات قطاعات حيوية، وفي مقدمتها قطاع النفط عبر استهداف شركة “PDVSA” عام 2019م، إضافة إلى القيود المفروضة على النظام المالي والتحويلات الدولية، ما قيّد قدرة الدولة على الوصول إلى الأسواق العالمية وإدارة مواردها السيادية.

وفي هذا السياق، لا تُفهم العقوبات بوصفها ردّاً مباشراً على ممارسات سياسية بعينها، بل كوسيلة لإعادة تشكيل البيئة الداخلية للدولة المستهدفة، عبر إضعاف قدرتها على تمويل الخدمات العامة، وتضييق هامش الحركة أمام صانع القرار، وخلق ضغوط اجتماعية واقتصادية قابلة للتسييس.

ويكشف هذا الاستخدام للعقوبات، الممتد من مرحلة شافيز إلى عهد مادورو، عن انتقالها من أداة ضغط مؤقتة إلى بديل وظيفي للتدخل العسكري المباشر، بما يسمح للولايات المتحدة بتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية دون تحمّل كلفة الحرب التقليدية، مع الإبقاء على مستوى عالٍ من التأثير في المسار الداخلي للدولة الفنزويلية.

 

الكاريبي كفضاء استراتيجي
لا يمكن فهم موقع فنزويلا في الاستراتيجية الأمريكية دون التوقف عند البعد الجيو–استراتيجي للبحر الكاريبي، الذي يشكل عقدة مركزية لطرق التجارة والطاقة، وامتداداً مباشراً لـ”لأمن البحري الأمريكي”، فوجود فنزويلا على هذا الفضاء، وامتلاكها احتياطيات نفطية ضخمة، يجعلها عنصراً حساساً في معادلة السيطرة البحرية والاقتصادية في نصف الكرة الغربي.

وقد انعكس هذا الإدراك في تكثيف الوجود العسكري الأمريكي في الكاريبي، وتعزيز أنشطة المراقبة البحرية، والتلويح المتكرر بإجراءات عسكرية ضد فنزويلا، وانتهاك سيادتها، رغبةً في نهب ثرواتها النفطية، تحت عناوين مكافحة التهريب والجريمة المنظمة. غير أن هذه التحركات تتجاوز البعد الأمني المعلن، لتؤدي وظيفة ردعية تهدف إلى منع تحول فنزويلا إلى نقطة ارتكاز لقوى دولية منافسة داخل المجال الحيوي الأمريكي. وبذلك، يصبح الكاريبي مسرحاً لإدارة الصراع على النفوذ، لا مجرد فضاء جغرافي محايد.

الاقتصاد الريعي النفطي والسياسة الأمريكية
يُظهر النموذج الفنزويلي تداخلاً معقداً بين البنية الريعية للاقتصاد والضغوط الخارجية، حيث أدى الاعتماد الكبير على عائدات النفط إلى جعل الاقتصاد أكثر عرضة للاختناق حين استُهدفت هذه العائدات بالعقوبات والحصار، للتأثير على الوضع الداخلي، وتفجير الدولة والمجتمع من الداخل، وتهيئة الوضع للغزو أو تغيير النظام بانقلاب، أو حتى للضغط لتنحية الرئيس وإعادة الانتخابات، فالحصار والعقوبات هنا آلية ضغط تشبه ما جرى مع النظام العراقي البعثي ومع نظام البعث السوري عبر قانون قيصر.

وقد حاولت فنزويلا -في مواجهة هذا الوضع- البحث عن شبكات بديلة للتجارة والتمويل خارج النظام الغربي، بما في ذلك توسيع علاقاتها مع الصين وروسيا وإيران، ورغم أن هذه الخيارات وفرت هامشاً محدوداً للمناورة، إلا أنها لم تُلغِ هشاشة البنية الاقتصادية القائمة، ما أبقى الدولة تحت ضغط مزدوج: داخلي ناتج عن اختلالات هيكلية، وخارجي ناتج عن القيود المفروضة على اندماجها في الاقتصاد العالمي.

ويُبرز هذا الواقع أن السلوك التدخلي لا يعمل في فراغ، بل يستثمر نقاط الضعف البنيوية داخل الاقتصادات المستهدفة، ويحوّلها إلى أدوات ضغط مضاعفة، بما يعيد إنتاج التبعية بأشكال جديدة، حتى في سياق الخطاب المناهض لها.

والنفط في ذاته ثروة وطنية فنزوليه مستهدفة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد الهيمنة عليه واستغلاله وربط الاقتصاد الفنزويلي بالاقتصاد الأمريكية، كما تفعل في العراق وسوريا واليمن عبر مرتزقتها، حيث تهيمن على مناطق الثروة النفطية.

فنزويلا تقاوم
في المحصلة، تكشف الحالة الفنزويلية أن العقوبات والعسكرة والضغوط الاقتصادية ليست أدوات معزولة، بل عناصر متكاملة في استراتيجية تستهدف إخضاع الدولة ونهب ثروتها النفطية وكسر إرادتها السياسية. غير أن هذا المسار لم يُنتج الاستسلام الذي راهنت عليه واشنطن، بل أسهم في إعادة إنتاج وعي سيادي داخل المجتمع الفنزويلي، يرى في هذه السياسات اعتداءً مباشراً على الوطن لا مجرد خلاف سياسي مع حكومة بعينها، فقد أظهر الشعب الفنزويلي -عبر سنوات طويلة من الحصار والتهديد والتدخل- قدرة واضحة على الصمود ومقاومة محاولات الإخضاع، وإدراكاً متزايداً بأن المعركة تتجاوز النظام السياسي إلى حقه في السيادة والموارد والقرار المستقل.

وفي هذا السياق، تبدو فنزويلا -اليوم دولةً وشعباً- في موقع دفاعي متقدّم عن نفسها، مع استعداد معلن لتحمّل كلفة المواجهة إذا ما تحوّل الضغط الأمريكي من الحصار والعقوبات إلى مغامرة عسكرية وعدوان مباشر، بما يجعلها نموذجاً معاصراً ليس فقط لعدوانية السياسة الأمريكية، بل أيضاً لإرادة الشعوب في مقاومة الهيمنة، والدفاع عن أوطانها.

ترقبوا في الحلقة القادمة:

في الحلقة القادمة، سنتناول التتبع التاريخي للسلوك العدواني الأمريكي في أمريكا اللاتينية، من خلال محطات وتجارب مفصلية، تشمل: كوبا منذ الحرب الأمريكية–الإسبانية عام 1898م، وسياسة الحصار والاحتواء بعد ثورة 1959م، وغواتيمالا والانقلاب على حكومة خابيير أربينز عام 1954م، وتشيلي من فوز سلفادور أليندي عام 1970م إلى انقلاب بينوشيه عام 1973م، ونيكاراغوا وحرب الكونترا خلال ثمانينيات القرن الماضي، وصولاً إلى بوليفيا والانقلاب على إيفو موراليس عام 2019م، بوصفها نماذج كاشفة لتطوّر أدوات التدخل الأمريكي وثبات أهدافه عبر الزمن.

المصدر: “موقع أنصار الله”