ميناء أم الرشراش: تداعيات الحصار اليمني تضرب حتى الانهيار

3

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
17 ديسمبر 2025مـ – 26 جماد الثاني 1447هـ

تقرير|| يحيى الشامي

بات ميناء أم الرشراش في الأراضي الفلسطينية المحتلة (وهو أحد أهم الممرات التجارية الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي) رهينةً للعمليات اليمنية في البحر الأحمر، حيث دخل مرحلة الانهيار الاقتصادي والإداري الكامل، وفقاً لما كشفته صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الصهيونية في تقرير مطول.

ويواجه ميناء أم الرشراش -الذي يقع على البحر الأحمر، ويمثل بوابة التجارة الصهيونية مع آسيا وأفريقيا- أزمةً وجودية غير مسبوقة، فقد انهارت إيراداته بنسبة 80% في عام 2024، وتوقفت عمليات تفريغ السيارات بالكامل، ولم يستقبل سوى 16 سفينة خلال العام الماضي، مقارنة بأكثر من 134 سفينة في 2023، قبل بدء الحصار اليمني.

وتكشف البيانات الرسمية التي نشرتها “غلوبس” عن حجم الكارثة الاقتصادية التي أصابت الميناء جراء العمليات اليمنية، ففي النصف الأول من عام 2025 لم يزر الميناء سوى ست سفن فقط، وهو رقم يعكس شللاً تاماً للحركة التجارية، وحتى بعد توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة لم تعاود السفن التجارية العودة، حيث لم تصل أي سفينة محملة بمركبات في أكتوبر الماضي.

ووفقاً للإحصائيات فإن من أصل أكثر من 4000 عملية نقل بضائع في الموانئ البحرية الصهيونية، لم تجرِ سوى 26 عملية في ميناء أم الرشراش، ما يؤكد أن تهديدات القوات اليمنية لا تزال فاعلة ومؤثرة بشكل كبير على قرارات الشركات التجارية والملاحية العالمية التي تتعامل مع الكيان.

معضلة الامتياز: بين الأرباح السابقة والخسائر الحالية
تورد الصحيفة الصهيونية تفاصيل صفقة الامتياز، حيث اشترى الأخوان “نقاش” امتياز تشغيل الميناء في أواخر 2012 مقابل 120 مليون شيكل، لمدة 15 عاماً، مع خيار التمديد لعشر سنوات إضافية، وخلال السنوات الأربع التي سبقت الحرب سحب المالكون أرباحاً بقيمة 162 مليون شيكل، في حين وُصف المبلغ المدفوع آنذاك بأنه لا شيء مقارنة بالعوائد الهائلة.

وقد طلب المالكون تمديد الامتياز لعامين دون مقابل “تعويضاً عن فترة الحرب”، وهو ما يُعد اعترافاً ضمنياً بالأثر المباشر للعمليات اليمنية على قدرات الميناء، لكن حكومة الكيان الصهيوني تتردد، حيث تسلّمت المبلغ المطلوب لتفعيل الخيار (105 ملايين شيكل)، لكنها تعتقد أن الأخوين نقاش لم يستوفيا الشروط الأساسية، خاصة تقديم خدمات تفريغ الحاويات، وهو الشرط الذي لم ينفذ على الإطلاق خلال السنوات الأخيرة.

تتجه ما تُسمى وزارة المالية والنقل الصهيونية لاتخاذ قرارها النهائي بنهاية الشهر الجاري، لكن الخيارات كلها صعبة:

إما تمديد الامتياز للأخوين نقاش ما يضمن استمرارية إدارية، لكنه يعني تجاهل عدم الالتزام بالشروط، أو يؤجل المناقصة إلى حين تحسن الظروف، وهو أمر غير مضمون في ظل استمرار التهديدات اليمنية.

وقد يكون الخيار الثالث هو طرح مناقصة جديدة، وقد تفشل تماماً لعدم تقدم أي شركات نظراً للمخاطر الأمنية، كما أنها قد تتلقى عروضاً منخفضة القيمة لا تغطي التكاليف، ما قد يكشف هشاشة الوضع الاقتصادي للعدو أمام الرأي العام الدولي. وهي مخاطر استراتيجية في المنظور الاقتصادي لأنّها تدمّر نظرية البيئة الاستثمارية التي طالما روُّج لها في الدعاية الاقتصادية للكيان.

وحذّرت “غلوبس” من أنّ المناقصة في هذا التوقيت “ليست بالأمر السهل”، حيث أن ما وصفته بتهديدات اليمنيين واستمرار توقف النشاط المربح حد وصفها، قد يجعلان المناقصة “دون أي متقدمين، أو بعروض منخفضة القيمة”، وهو ما يعكس مدى نجاح الضغط اليمني في فرض معادلة ردع اقتصادي فاعل.

الاتهامات المتبادلة
لم يقتصر الخلاف على مستوى القرار السياسي، بل امتد إلى ما يسمى الاتحاد العمالي الصهيوني (الهستدروت)، الذي طالب بعدم تمديد الامتياز. وفي أبريل الماضي، وجهت الهستدروت اتهامات لإدارة الميناء بـ”الإخلال بأحكام القانون ووثيقة الترخيص، واتباع سياسة تقشفية، والاستثمار المحدود في البنية التحتية، والإهمال حد المساس بالسلامة، وتخفيض عدد العاملين بشكل كبير”.

ورغم أن إدارة الميناء رفضت هذه الاتهامات، مبررة الخسائرَ بـ8 ملايين شيكل شهرياً أنها بسبب “الحرب” والحصار اليمني، إلا أن هذه الخلافات تكشف عن أزمة ثقة داخلية في إدارة منشآت العدو الاقتصادية الحيوية، وتصنف ضمن مفاعيل الحصار اليمني.

المساعدات “الحكومية” محاولات إنقاذ فاشلة
سعت حكومة العدو لتخفيف الأزمة عبر برامج دعم شملت تعويضات بقيمة 15 مليون شيكل في يونيو 2025، وتأجيل دفع رسوم استخدام الميناء، بالإضافة إلى إتاحة قروض بضمانة “الدولة”، وشملت كذلك مقترحات لإجبار السفن على الرسو عبر مسارات التفافية بتمويل “حكومي” يصل لمليون دولار للسفينة، لكن كل هذه المحاولات فشلت في إعادة الحياة للميناء، حيث بقيت الحسابات البنكية للميناء محجوزة منذ أسابيع، ولم يتم تخصيص أي تمويل لمقترحات الإجبار في الميزانية.

التعاون السعودي كحلقة الوصل
في ظل هذا الفشل الذاتي، كشف موقع “i24 News” الصهيوني عن مشروع “بلو–رامان” لربط السعودية بالأراضي الفلسطينية المحتلة عبر شبكة ألياف بصرية تمر بالقرب من ميناء أم الرشراش، في محاولة لتجاوز “مخاطر البحر الأحمر”، وهو وصف يعترف -ضمنياً- بنجاح الحصار اليمني.

وكان هذا التعاون الرقمي يتم بالتوازي مع ممرات برية فتحتها الرياض والأردن والإمارات لضمان وصول البضائع والخدمات التقنية إلى كيان العدو طوال فترة الحصار، ما يكشف عن حجم التعاون الخفي بين الأنظمة العربية المذكورة وكيان العدو، والتي تضاعفت مع زيادة تأثير عمليات الحظر اليمني على الملاحة الصهيونية.

نجاح الضغط الاستراتيجي
يؤكد الواقع على الأرض أن العمليات اليمنية في البحر الأحمر حققت اختراقاً استراتيجياً غير مسبوق في القدرات الاقتصادية واللوجستية للعدو الإسرائيلي تحديداً في ميناء أم الرشراش، يمكن إيجازها في الآتي:

الشلل الاقتصادي التام: انخفاض الإيرادات 80% وتوقف تدفق السيارات.
العجز السيادي: عجز “الدولة” عن تسيير مناقصة جديدة أو إيجاد بدائل فاعلة.
الاعتراف بالأثر: طلب المالكين تمديداً مجانياً “تعويضاً عن فترة الحرب”، وهو اعتراف صريح بالخسائر.
التخبط الإداري: خلافات داخلية بين “الحكومة” والمستثمرين والنقابات.
البحث عن مخرجات إقليمية: الاستعانة بالتعاون السعودي كحلقة وصل بديلة، وهي فضيحة جديدة تذكر بمسار التطبيع الاقتصادي الجاري بين أنظمة عربية وكيان العدو الإسرائيلي، ذاتها الأنظمة التي لم تكتفِ بخذلان غزة، بل تمد يد المساعدة لكيان العدو لإنقاذه من مأزق العمليات اليمنية والحظر المفورض عليه.
معادلة ردع اقتصادي متكاملة
بات واضحاً أن العمليات البحرية اليمنية المتواصلة لعامين -في سياق إسناد غزة- نجحت في فرض معادلة ردع اقتصادي متكاملة، حيث لم تقتصر التداعيات على الخسائر المادية المباشرة، بل امتدت إلى إرباك القرار السياسي الداخلي للعدو، وتعطيل المنظومة اللوجستية الحيوية لإدارة المرفق الاستراتيجي الوحيد جنوب فلسطين المحتلة، وإجبار حكومة العدو على التخبط بين خيارات كلها سيئة.

وفيما تتجه الأنظار نحو قرار نهاية الشهر، يبقى الميناء رمزاً للضعف الاقتصادي المتزايد للعدو الإسرائيلي، ودليلاً على أن الضغط الاستراتيجي اليمني أصبح عاملاً رئيساً في التأثير على المشهد الإقليمي، وأن نجاحات القوات اليمنية في البحر الأحمر أثبتت فاعليتها القصوى على أرض الواقع، على نحوٍ يُذكر العرب أن بيدهم كل أوراق الانتصار في معركة لابد منها وإن طال تأجيلها أو تأخيرها.

نقلأ عن “موقع أنصار الله”