الأبعاد الاستراتيجية لمشروع (إسرائيل الكبرى) في استباحة الجنوب السوري

2

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
9 ديسمبر 2025مـ – 18 جماد الثاني 1447هـ

لا يمكن النظر إلى الاستباحة الصهيونية والتوغلات المتكررة في الأراضي السورية بما فيها ريف القنيطرة، واختراقها المتعمد لخطوط فض الاشتباك والسيادة، بمعزلٍ عن الأجندة الاستراتيجية طويلة المدى للكيان، وعلى رأسها التحضير لإقامة مشروع (إسرائيل الكبرى) المزعوم.

هذه الممارسات لا تقتصر على كونها أعمالاً “أمنية” أو “ردعية” معتادة، كما يزعم العدوّ الإسرائيلي، وإنّما خطوات تمهيدية لترسيخ واقع جيوسياسي يخدم أهدافًا أوسع، أبرزها تأمين ما يسمى “ممر داوود”، وهذا المفهوم يُشير إلى طموحات توسعية تاريخية، يتم تحديثها اليوم في الخطط العسكرية والاقتصادية الصهيونية بدعمٍ أمريكي غير مسبوق.

ويبرز مشروع “ممر داوود” أو الممر الرابط عبر سوريا إلى العراق، كأحد الأهداف الرئيسية، وهو ممر يهدف إلى ربط النفوذ والسيطرة الصهيونية، عبر الأراضي السورية، وصولاً إلى العراق، وربما جنوبًا وإلى ما وراءه.

في هذا الإطار، يتم توظيف سياسة الاستباحة الصهيونية اليومية لسوريا لخدمة بسط هذا النفوذ وترسيخ التحكم الجغرافي؛ فالتوغل المتكرر في البلدات التي تقع خارج المنطقة العازلة، ليس هدفًا في حد ذاته؛ بل يسعى إلى إيجاد منطقة عازلة فعلية غير معلنة تسمح بحرية الحركة والانتشار، وهذا التحكم الميداني هو الأساس لـتأمين خطوط النقل أو المراقبة المستقبلية التي قد يشملها “ممر داوود”.

ومن ناحيةٍ أخرى تهدف إلى تعطيل وتفكيك أيّ تواجد لمحور المقاومة في المنطقة، أو أيّة قوى معارضة على الحدود، وهو ما يمثل شرطًا أساسيًا لنجاح أيّ مشروع صهيوني مستقبلي في المنطقة، ويهدف استمرار العمليات العسكرية وقصف المواقع وتثبيت قواعد متقدمة مثل “قاعدة الحميدية”، إلى إخضاع السلطة المركزية في دمشق لتفهم المشاريع الصهيونية في هذه المنطقة تحديدًا، وتفريغها من أيّ تواجد أمني مناوئ.

كما أنّ الاستباحة المتكررة تفرض معادلة أمنية وعسكرية، تجعلها مألوفة لدى وسائل الإعلام والمواطن السوري على حدٍّ سواء، من خلال التكتيك المتمثل في إقامة حواجز مؤقتة وتفتيش المدنيين في ممارسةٍ للسيادة الصهيونية على الأراضي السورية، وبالتالي ترسيخ فكرة أنّه القوة المتحكمة فعليًّا في الجنوب، وهي خطوة ضرورية قبل الشروع في بناء أيّ مسار استراتيجي يمر عبر هذه الأراضي مستقبلاً.

وتقدّم الوقائع الميدانية الأخيرة دليلاً ملموسًا على هذه الخطط؛ فالتوغل الصهيوني خارج المنطقة العازلة، وتوسيع العمق الاستراتيجي، يُشير إلى دفع حدود السيطرة العسكرية بعيدًا عن الحدود التقليدية؛ ممّا يفتح آفاقًا لتأمين مسارات أبعد داخل وفي العمق السوري.

واللافت اليوم الثلاثاء، ما وثقته وسائل إعلام مختلفة، لتجاوز قوات من الأمن الداخلي السوري وهي مدججة بالسلاح والعربات لنقطة تفتيش أو حاجز أمني صهيوني، دون أنّ تحدث أيّة مصادمات بين الجانبين؛ ما أثار موجة من التحليلات، خاصةً أنّه جاء بعد مصادمات بين الأهالي وتلك القوات التي قمعتهم بعنف، اسفرت عنها إصابات؛ ما أنتج “خيبة أمل” في صفوف الأهالي من قواتهم الأمنية التي كان من المفترض أنّ تأتي لتحميهم، لا لأنّ تعبر.

في المقابل، وصف هذا العبور في وسائل الإعلام الصهيونية بـ”الخطير”، ليس تخوفًا من الصدام المباشر؛ بل لكونه يُعد رفض للسيادة الصهيونية المنافسة على الأرض، على اعتبار أنّ أيّ حركة سورية مؤكّدة للسيادة تهديدًا أمنيًّا للكيان، لأنّها تتناقض مع هدف تفكيك سلطة دمشق في المنطقة واللازمة لنجاح كل المشاريع.

كما أنّ قمع الاحتجاجات الأهلية، دائمًا ما تهدف إلى تفكيك الرفض المحلي، ومحاولة القضاء على أيّة مقاومة شعبية لمشروع التثبيت الصهيوني، وإجبار السكان على القبول بهذا الوجود كواقعٍ لا مفر منه، خصوصًا بعد تأكّدهم بأنّ سلطات دمشق لن تقدّم لهم شيئًا يُذكر؛ وبالتالي تظل المأساة الإنسانية لأبناء المنطقة أداة ضغط، تضاف إلى مآسٍ مثل توغل “بيت جن” الذي أودى بحياة 13 مدنيًا، وهذه التكلفة البشرية أيضًا تمثل أداة ضغط هائل على إدارة دمشق لـقبول أمر واقع أمني يفرضه العدوّ.

ووفقًا للمعطيات الميدانية، بات من الملاحظ أنّ “قاعدة الحميدية” المنشأة حديثًا، تعتبر نقطة الانطلاق والعودة لقوات العدوّ الإسرائيلي، ونقطة ارتكاز للمشروع، كون تثبيت القواعد الأمامية كـ”الحميدية” ليس فقط للردع، وإنّما تُتخذ كـبنيةٍ تحتية لوجستية أساسية تنطلق منها عمليات السيطرة على المسارات المحتملة للمشاريع الأخرى.

وتستغل حكومة المجرم نتنياهو حالة عدم الاستقرار والأزمة السورية لفرض حقائق جغرافية جديدة على الأرض، وباتت سياسة الاستباحة اليومية الوجه التنفيذي لـ (إسرائيل الكبرى)، حيث يتم تحويل التوتر الأمني المستمر إلى هندسة جيوسياسية تضمن للكيان التحكم في منطقة الجنوب السوري كمدخلٍ محتمل لتأمين “ممر داوود” وربطها بالعمق العربي الشرقي.

وتؤكّد التقارير أنّ هذه التوغلات الصهيونية المتكررة، مجرد فصول من خطة استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وما الضغط على الأهالي وإشاعة الفوضى الأمنية، إلا وسيلة لإجبارهم على النزوح أو الخضوع، في ظل عجز دمشق عن المواجهة؛ ممّا يسهل لاحقًا على العدوّ عمليات توسع وتمدّد وترسيم حدود على الأرض تخدم المشروع المزعوم.