المشروع القرآني بوصلة الوعي.. الشعوب الحرة وطريق النصر

5

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
6 ديسمبر 2025مـ – 15 جماد الثاني 1447هـ

لا يبدأ المستعمر، وفي سبيل تحقيق أطماعه ضد البلدان والشعوب، بالمدافع والبوارج، بل بـ تمزيق المجتمعات من داخلها، وهذه هي قاعدة “فرّق تسُد” التي اعتمدها المحتل عبر التاريخ، حيث لا يستطيع أي غاز أن يسيطر على أي بلدٍ ما دام أبناؤه متحدين، متعاضدين، متماسكين كالبنيان المرصوص؛ لكنه يستطيع ذلك بسهولة عندما ينجح في تفريقهم، وشق صفوفهم، وتحويلهم إلى جماعات متصارعة لا يجمعها هدف ولا توحدها قضية.

ومن إدراك المستعمر لأهمية الوحدة في صدّ أطماعه، كان أول ما يستهدفه هو النسيج الاجتماعي لأي بلد يريد إخضاعه، حيث يزرع الفتن، ويغذي الخلافات، ويصنع الانقسامات، ويخلق المشاريع الصغيرة المتنافسة، ويحوّل أبناء البلد الواحد إلى خصوم، وعندها فقط يصبح الطريق معبّداً أمامه للسيطرة والتحكم وفرض سيادته على الشعوب.

وتُجسّد وحدة الشعوب، في قول الشاعر: تأبى العصي إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحاداً”، وهكذا هي الشعوب اليوم، إذا اجتمعت على الحق، لا يهزمها مستعمر مهما بلغت قوته، وإذا تفرقت، صار العدو قادراً على اختراقها وإخضاعها بأبسط الأدوات، وهذه سنة التاريخ، ووحدة الشعوب هي أول خطوة في مواجهة كل غازٍ ومحتل.

هذه المشاهد المهيبة، وهذا الوعي الجمعي الذي تجسّده الحشود اليمانية الحرة، يمثّل اليوم أحد أهم عناصر القوة التي يعجز العدو عن كسرها أو تجاوزها، فحين تدرك الشعوب أن قوتها في وحدتها، وأن النصر يبدأ من وعي الإنسان وإيمانه وبصيرته، تتشكل حالة استثنائية كما نراها في ميدان السبعين ومختلف الساحات في المحافظات الحرة؛ حالة تجعل هذا الشعب عصيّاً على الكسر، ثابتاً أمام كل محاولات الاستعمار والعدوان.

إن مستوى الوعي الذي وصل إليه الشعب اليوم، يسقط كل مشاريع تمزيق الصف الوطني التي يعمل عليها الأعداء ليل نهار، فوعياً كهذا يبدّد أحلام الغزاة، ويجعل مشاريعهم وأطماعهم تتكسر على صخرة شعب صامد يعرف عدوه، ويدرك طبيعة المعركة، ويتمسك بحقه في الحرية والاستقلال.

الأعداء يدركون تماماً أن هذا الجمع الواعي هو الجدار الحامي لليمن، والذي تتحطم عليه كل المؤامرات، ولذلك تتجه جهودهم اليوم إلى محاولة تفكيكه وتمزيقه، لكن ما يغيظهم ويحبطهم ويصيبهم باليأس، هو رؤية الجماهير المليونية تحتشد بوعي وشجاعة وثبات، تعلن استمرار الجهاد والكفاح حتى دحر الغزاة والمحتلين.

الأعداء، وفي مقدمتهم الأمريكي والبريطاني، يدركون جيداً قيمة وحدة الشعوب ووعيها، ولذلك لا يزالون يعتمدون سياستهم الاستعمارية القديمة “فرّق تسد”، في محاولة لضرب اليمن من الداخل بعد أن فشلوا في المواجهة المباشرة، وهذا ما أكّد عليه السيد القائد في خطاباته الأخيرة، مشدداً على أن العدو يستعد لجولة جديدة من الحرب، وأن النصر مرهون بالاستعداد والجهوزية، وبالتمسك بالجبهة الداخلية وتقوية تماسكها.

ومنذ وقف إطلاق النار في غزة، كثّف الأعداء حربهم الدعائية والإعلامية ضد الداخل اليمني، مستغلين معاناة الشعب اليمني سبّبها العدوان والحصار، ومحاولين تضخيم أي مشكلة أو قصور إداري لتحويله إلى مادة للتشويه والإرجاف، كما يستغلون التعقيدات البيروقراطية في بعض المؤسسات، ليحوّلوها إلى فرصة للطعن في الموقف الوطني وتشويه صورة الشعب الذي يقف في مواجهة الصهاينة والأمريكيين.

ويعمل الأعداء أيضاً على تعميق المعاناة الاقتصادية عبر الحصار، ومنع دخول الغذاء والدواء، ورفع الأسعار، ونهب الثروات، وحرمان الموظفين من مرتباتهم، ثم استخدام هذه المعاناة كأداة للتأجيج وشراء الذمم وتجنيد العملاء، ولهذا فإن المرحلة تحتاج وعياً عالياً لدى المواطن والمسؤول والموظف، لأن كل فساد أو تقصير أو إهمال هو خدمة مباشرة للعدو وطعنة في ظهر الشعب.

وتبرز في هذه المرحلة أهمية الوعي الاستراتيجي الذي يحفظ البوصلة باتجاه الخطر الحقيقي: العدو الأمريكي-الصهيوني وأدواته، فبعض الناس يمتلكون وعياً آنياً، لكنه يتراجع عند أول ضغوط أو متغيرات حياتية، فيفقدون إدراكهم لطبيعة المعركة الوجودية التي يخوضها اليمن اليوم، أما الوعي الاستراتيجي فهو الذي يرفض التضحية بالثوابت الكبرى بسبب مشاكل فرعية، ويدرك أن الأعداء لا يستهدفون جزءاً من البلد بل يسعون لابتلاع اليمن كاملاً.

إن المرحلة تتطلب رؤية واسعة تتجاوز الهموم الشخصية، وإدراكاً للمصلحة الوطنية العامة، لأن أي انشغال بالتفاصيل الصغيرة على حساب الخطر الأكبر قد يخدم العدو دون قصد، وفي المقابل، فإن وحدة الصف والوعي والبصيرة هي السلاح الذي يمنع الأعداء من تحقيق مآربهم، وهي الطريق الحتمي نحو النصر.

 

شهيد القرآن رضوان الله عليه يؤكد أن قضية الشعوب مع العدو الخارجي لا تُحسم بميزان القوة العسكرية، بل بميزان الإيمان والثبات والتوكل على الله، مشدّدا على أن العدو، مهما امتلك من أسلحة وإمكانات، لن يمتلك ما يمتلكه المؤمن من قوة الصلة بالله، وهي القوة التي تُرجّح كفّة النصر مهما اختلّ ميزان السلاح.

ويشير رضوان الله عليه إلى أن النصر ليس رهن الإمكانات المادية، فلو كان معيار القوة محصوراً في السلاح، لما أمكن للشعب اليمني المؤمن، أن يقف في مواجهة ما تمتلكه أمريكا والعدو الإسرائيلي، ومع ذلك، شهد الجميع كيف فشل الأمريكي والعدو الإسرائيلي في كسر إرادة اليمن خلال معركة طوفان الأقصى، رغم ما يملكانه من ترسانة عسكرية ضخمة.

ويؤكد أن العامل الأساس في النصر هو الإيمان والتحرك بروح المسؤولية، والبحث عن رضا الله فوق كل اعتبار، وأن القلق الحقيقي ليس من العدو، بل من التقصير ومن سخط الله، ويضيف أن نتائج هذا النهج جاءت فوق توقعات الجميع، من الثبات إلى التأييد إلى الانتصار بفضل الله سبحانه وتعالى

 

 

يربط شهيدُ القرآن رضوانُ الله عليه بين الاهتمام بالداخل،والاهتمام بمواجهة أعداء الخارج، مؤكداً أن مواجهة العدو لا تكتمل ما لم يبدأ الإنسان والمجتمع بإصلاح الذات، فالأعداء، كما يوضح، لا يكتفون بالهجوم من الخارج، بل يسعون للتسلل إلى داخل المجتمعات، وإلى أعماق البيوت والأنفس، ومحاولة تفكيكها من الداخل.

ومن هنا يشدّد رضوان الله عليه على ضرورة النهوض الجاد، عبر تأهيل الذات أولاً، والتحرك لإصلاح المجتمع، والاعتصام الجماعي بحبل الله، بما يضمن وحدة الاتجاه وصلابة الموقف، وبعد هذا التأهيل الداخلي، يمكن للمجتمع أن يتحرك كأمة واحدة مقتدرة، تمتلك الوعي والقوة والانسجام الذي يمكّنها من مواجهة أعدائها بثبات وفاعلية.

 

 

المشهد السابق يجسد واحدًا من أهداف ونتائج نهضة ومشروع شهيد القرآن، رضوان الله عليه السيد حسين بدر الدين الحوثي، فبركة هذا العلم العظيم تتجلى في عظمة الشعب اليمني وعظمة موقفه التاريخي وغير المسبوق في تاريخ الأمة الإسلامية قديمًا وحديثًا.

منذ اللحظة الأولى لانطلاق المشروع القرآني وبدء مسار التوعية القرآنية، كان شهيد القرآن، رضوان الله عليه، يستشرف هذا المشهد ويرى هذا الشعب وقد تحول إلى أمة عظيمة مقتدرة، شجاعة وقادرة على مواجهة أعدائها وأعداء الإسلام، أمة قادرة على أن تتحرك في الداخل أولًا للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الخارج لمواجهة أعداء الله من الصهاينة والأمريكان.

كان شهيد القرآن حريصًا جدًا على أن تعي الأمة المجاهدة دورها ومسؤولياتها على مستوى الداخل والخارج، في مختلف مراحل ومستويات المواجهة مع الأعداء، حيث كان يؤكد بشكل كبير على أهمية التحرك من قبل المؤمنين الصادقين في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل المجتمع نفسه، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمثابة صمام الأمان والمضاد الحيوي لكل أشكال الفساد أو الانحراف أو الخلل التي قد تظهر أو تطرأ في حياة المجتمع المسلم نفسه، فهو عامل من عوامل المناعة ومقاومة الأمراض والعلل الطارئة والذاتية، أو تلك التي يكون سببها اختراق الأعداء وجهودهم لاستهداف الجبهة الداخلية بأساليبهم الكثيرة والمتنوعة.

 

 

الأعداء ليسوا على كل شيء قديرين؛ أمريكا وكيان العدو الإسرائيلي والغرب وكل من في الأرض لا يستطيعون هزيمة المجتمع المؤمن المتوحد الواعي، الذي يلتزم بتعليمات الله ويسير وفق هداه، ولذلك، فالمشكلة في تسلط الأعداء من اليهود على العرب والمسلمين، هي نتيجة تفريط العرب والمسلمين قبل أن تكون بسبب قوة وإمكانات الأعداء، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في حق اليهود: “ضُرِبَتْ عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس.”

 

 

شهيد القرآن رضوان الله عليه، يقول: إن على الناس أن يلتفتوا بجدية إلى واقعهم، وأن يتأملوا في ما حكاه الله عن بني إسرائيل، الذين اصطفاهم الله وفضّلهم في مرحلة من التاريخ، لكنهم عندما فرّطوا في المسؤولية، وانطلقوا في مسار العصيان والاعتداء، ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، وهكذا كل أمة تفرّط وتتخاذل؛ تصبح هي الضحية الأولى لتقصيرها.

ويبيّن شهيد القرآن أن أكثر من يدفع الثمن في حالات التفريط هم الشعوب غير الواعية، تلك التي تتعرض للاستباحة والظلم، بينما كثير من الحكام والنخب يفرّون عند الخطر، ويرتبون مصالحهم مع العدو، ويجدون لهم ملاذاً يحتمون به.

لذلك دعا الشعوب إلى أن تتحرك، وأن تتوحد في مواجهة الأخطار والأعداء، قبل أن يتمكنوا من استباحتها، لأن الشعوب هي من تدفع الثمن، وهي من يُنكَّل بأبنائها إن حصل التفريط.

وفي هذه المرحلة، حيث يتربص الأعداء، يؤكد شهيد القرآن أن التحرك والوعي والهمة هي الضمانة الوحيدة للنجاة والنصر والحرية والكرامة والاستقلال، ولا ضمانة أخرى في هذا العالم، فلا يجب على الشعوب أن تطمئن لوعود الأعداء وشعاراتهم، فهم لا يقدمون إلا الخداع والكذب.

 

 

مضمون حديث شهيد القرآن رضوان الله عليه يؤكد أن تحرّك الشعوب والمجتمعات هو الضمان الحقيقي لحمايتها، لأنه في حال التفريط أو التخاذل أو الانكسار أمام الأعداء، تصبح الشعوب هي الضحية الأولى التي تلحق بها الذلّة والإهانة والشر وجرائم الغزاة، بينما الحكومات والزعماء غالباً لا يشعرون بالضرر ولا يهتمون بمعاناة الشعوب.

وهذا ما تجلّى بوضوح في آخر الكوارث التي حلّت بالشعب السوري، فعندما هبت المحن، هرب الرئيس وعائلته إلى روسيا، بينما من دفع الثمن الحقيقي؟ ومن تكبد المعاناة؟ ومن تعرّض للإبادة والقتل وخطف النساء واستباحة الدماء والأملاك والكرامات؟ الشعب السوري بأكمله، سواء من الطائفة العلوية التي كان ينتمي إليها بشار الأسد، أو بقية الطوائف، هو من تحمل العبء الأكبر والمعاناة الحقيقية.

والدرس هنا، كما يشير شهيد القرآن، أن وعي الشعوب وتحركها وحراستها لذاتها هو الحصن الوحيد ضد الاستغلال والاعتداء، وأن الاعتماد على الحكام والزعماء وحدهم لا يكفي أبداً.

 

 

هذا المقطع يعكس أحدث جرائم الاستباحة التي يتعرض لها الشعب السوري، حيث تعرّض شيخ مسن، سائق تكسي كبير في السن، لمحاولة ذبح من قِبل شاب كان معه في السيارة، بعد أن أقرّ المسن بأنه من الطائفة العلوية، ولولا تدخل المارة، لما نجا الرجل من هذا الهجوم الوحشي الذي كان يهدف إلى انتزاع حياته، ما يعكس حجم العنف والإجرام الذي يمارسه التكفيريون في سوريا.

ويؤكد هذا الحادث، كما أشار شهيد القرآن رضوان الله عليه، أن الشعوب هي الضحية الأولى إذا لم تتحرك، ولم تتوحد، ولم تتحلَّ بالوعي لمواجهة مكائد وخداع الأعداء، لأن عدم اليقظة يؤدي إلى استباحة الحياة والأعراض والأراضي.

ومن هنا، يبرز موقف الشعب اليمني اليوم كرمز للحصانة والمنعة بفضل قيادته العظيمة، وحدته ووعيه وإيمانه الواعي، فمهما كانت التحديات والصعوبات، فإن الشعب الموحد يقف حصناً منيعا أمام الأعداء، ولا يسمح لهم بالاعتداء أو الإذلال، وهذا ما شدد عليه شهيد القرآن في إحدى محاضراته على أن الإيمان الواعي هو الأساس الذي يمكن من خلاله إدراك الأمور بمستوى أهميتها الحقيقية، بمعنى فهم طبيعة الخطر والسبيل لمواجهته بنجاح.

 

هذا شهيد القرآن رضوان الله عليه، مؤسس، المشروع القرآني، الذي عاش الجميع مراحل نشأته وجهاده وثباته، منذ خطواته الأولى وحتى ما وصل إليه اليوم من قوةٍ وتقدمٍ وإنجاز، وصولاً إلى المعركة المباشرة مع أعداء الله وأعداء الإنسانية، وتحقيق الانتصارات وصنع الملاحم والآيات التي لم تكن في حسبان أحد في هذا العالم.