قنديل يكشف في “جغراسيا” عن خطط إعادة هندسة غزة والسيطرة على نفط فنزويلا
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
6 ديسمبر 2025مـ –15 جماد الثاني 1447هـ
تستعرض الحلقة الثانية من برنامج “جغراسيا” قراءة معمقة للعناصر الجغرافية التي تُشكِّل الأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة والعالم، وربطها بملفات الصمود والمقاومة في غزة واليمن، محاولاً تفسيرها من خلال هذا المنظور الذي تعجز السياسة التقليدية عن تفسيره.
ويقدم المحلل اللبناني البارز ناصر قنديل في هذه الحلقة تحليلاً متكاملاً يتناول المشهد الجديد بعد إعلان اتفاق وقف العدوان على غزة، حيث تتحدث التقارير عن مشروع أمريكي صهيوني لإعادة هندسة القطاع جغرافياً وسكانياً، بقيادة جاري كوشنر ومستشارين دوليين، ضمن مشروع موسع يشمل الشركات العالمية الكبرى، ويُسلّط الضوء على ما يجري في السودان ونيجيريا وفنزويلا، وأوكرانيا.
ويوضح كيف تُمثِّل هذه الدول محوراً في الاستراتيجية الأمريكية الشاملة لإعادة ترتيب خريطة العالم وفق مصالح اقتصادية وجيوسياسية محددة، والسيطرة على الموارد الحيوية، وتحديد أولويات النفوذ العالمي.
وتتعمق الحلقة في قراءة أبعاد هذه التحولات وتأثيراتها على الصراع في المنطقة والعالم، وتكشف كيف أن سياسات القوى الكبرى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجغرافيا والموارد والمناطق الاستراتيجية، ما يجعل من فهم هذه الديناميكيات ضرورة لفك شيفرات الأحداث العالمية وفهم المستقبل وطبيعة الأحداث والتحولات، وفضح الخطط والمؤامرات.
صمود غزة ومصادر القوة التاريخية
يُحلِّل البرنامج صمود غزة لمدة عامين في مواجهة عدوان صهيوني أمريكي، وقدرتها على فرض شروطها رغم محاولات التهجير وتدمير البنية التحتية، ما أسقط المشاريع الأمريكية “الإسرائيلية” للسيطرة على القطاع.
ويُشير التحليل إلى أن صمود غزة يعكس قوة تاريخية وجغرافية لا تستطيع السياسة وحدها تفسيرها، فمساحة القطاع الصغيرة مقارنة بالولايات المتحدة اقتصادياً وجغرافياً لم تمنعها من تحدي آلة الحرب لأكثر من عامين.
ويطرح البرنامج تساؤلاً رئيسياً: ما مصادر القوة التي اعتمدت عليها غزة لتصمد في مواجهة حرب شاملة، ولماذا فشلت كل المشاريع التهويدية والتهجيرية؟
مشاريع الهندسة الجغرافية والسكانية في فلسطين
يتناول البرنامج المشهد الجديد بعد إعلان اتفاق وقف العدوان على غزة، حيث تتحدث التقارير عن مشروع أمريكي صهيوني لإعادة هندسة القطاع جغرافياً وسكانياً، بقيادة جاري كوشنر ومستشارين دوليين، ضمن مشروع موسع يشمل الشركات العالمية الكبرى.
ويتمثل جوهر المشروع في “المنطقة الصفراء” شرق غزة، التي يتم إفراغها من السكان وإعادة تأهيلها كمنطقة استثمارية للشركات الكبرى، مع إقامة مناطق صناعية ذكية ومطارات وموانئ وشبكات اتصالات متقدمة، وربط القطاع بالممر الاقتصادي الهندي الأوروبي، ليصبح غزة جزءاً من شبكة استثمارية ومراقبة متقدمة، بعيداً عن السكان الفلسطينيين الأصليين.
ويُشير التحليل إلى أن المشروع يعكس سوابق استعمارية قديمة، مثل تهجير السكان الأصليين واستقدام المستوطنين في أمريكا وجنوب أفريقيا وفلسطين، فيما تؤكد تقارير “فاينانشال تايمز” و”وول ستريت جورنال” أن الخطة تشمل دفع مبالغ مالية لنصف مليون فلسطيني لتسهيل عملية الإخلاء دون الإشارة إلى إعادة توطينهم، وهو ما يعكس ازدواجية السياسة الأمريكية في التعامل مع الشعوب.
اليمن وتحدي سيدة البحار
ينتقل البرنامج لتحليل قدرة اليمن، البلد الصغير والفقير، على فرض إيقاعه في مواجهة الولايات المتحدة في الحرب البحرية، التي تُسمّي نفسها “سيدة البحار”.
ويؤكد التحليل أن اليمن تمكن من هزيمة القوة الأمريكية البحرية وأجبرها على الانسحاب دون قيد أو شرط، بل وأملى شروطه في البحر، واستمر في دعم غزة من خلال قطع أي مساعدة أمريكية للسفن المتجهة لموانئ العدو، في موقف يعكس دور الجغرافيا كعنصر حاسم في تحقيق الانتصارات الاستراتيجية.
السودان ونيجيريا: الجغرافيا على مشرحة التقسيم
يُركِّز البرنامج على أفريقيا، مشيراً إلى السودان كنموذج تجريبي للسياسة الأمريكية في القارة، حيث انفصل الجنوب الغني بالنفط، في حين يواجه الغرب والشرق مخاطر تفكيك الوحدة الوطنية، مع تركيز خاص على الذهب واليورانيوم.
ويُستغَلّ الدعم السريع لتعزيز نفوذ المشاريع الأمريكية وتقسيم السودان، مع تثبيت خطوط التماس حول الموارد، ما يدفع البلاد نحو الإفقار والمجاعة، ويكشف الطبيعة الاستعمارية للتدخلات الغربية والخليجية تحت ذريعة الحل السياسي أو حفظ السلام.
وفي نيجيريا، الدولة الأكبر سكانًا في أفريقيا (220 مليون نسمة)، يرى البرنامج أن الجنوب المسيحي يُمثِّل القلب الاقتصادي للبلاد، فيما الشمال فقير ويعتمد على الزراعة، ويحتوي على أغلب التحديات الأمنية والتعددية الإثنية والدينية.
ويكشف التحليل أن الهندسة الأمريكية الاستعمارية تستخدم خطابات حماية المسيحيين كذريعة للتدخل، فيما تترك حقوق الفلسطينيين والمسيحيين في مناطق أخرى عرضة للتجاهل، في محاولة لإخضاع الموارد من النفط والغاز والموانئ الكبرى في دلتا النيجر، عبر الفدرلة والانفصال التدريجي، مستفيدة من التجربة السودانية كنموذج أولي قبل الانتقال إلى “الجائزة الكبرى”.
فنزويلا: النفط مقابل الاستقلال أو الأمن مقابل الدم
ينتقل البرنامج إلى فنزويلا، حيث تواجه البلاد عدواناً أمريكياً تحت ذريعة النفط مقابل الأمن أو الاستقلال مقابل الدم.
ويَرْصُد التحليل التوتر بين الولايات المتحدة وحكومة نيكولاس مادورو، مشيراً إلى استخدام واشنطن أدوات عسكرية وغير مباشرة، وتهديد الأساطيل، لإعادة الشركات الأمريكية للسيطرة على النفط الفنزويلي بعد قرار التأميم الذي اتخذه هوغو تشافيز.
[
]
وتعرض المعادلة الأمريكية خياراً لفنزويلا: إما بيع النفط مقابل الأمن، أو الدفاع عن الاستقلال بالدم، فيما يرى البرنامج أن المقاومة والدفاع عن السيادة الوطنية يُمثِّلان صراعاً جغرافياً استراتيجياً متجاوزاً أي خطاب سياسي أو إنساني.
فلسطين مفتاح الكون والجغرافيا مفتاح الصراع
يَخْلُص برنامج “جغراسيا” إلى أن الجغرافيا هي المفتاح لفهم الصراعات الكبرى، من صمود غزة واليمن إلى مشاريع التقسيم في السودان ونيجيريا، وصولاً إلى مواجهة النفط والاستقلال في فنزويلا، واستمرار الحرب في أوكرانيا، وأن فلسطين تُمثِّل القلب الاستراتيجي الذي يوضح التجربة الاستعمارية الحديثة بأبعادها الاقتصادية والسياسية والجغرافية، حيث تُستغَلُّ الذرائع الدينية والإنسانية لخدمة مشاريع السيطرة على الثروات والموارد العالمية، في مشهد يجمع بين المقاومة والصمود والتحدي أمام القوى الكبرى.
يُمثِّل الوضع في السودان ونيجيريا نموذجاً لما يحدث في مناطق أخرى، مثل غزة واليمن، حيث تُستغَلُّ الحروب والنزاعات لتأمين مصالح القوى الكبرى، مع استنزاف الموارد المحلية وإضعاف القدرة الوطنية على المقاومة.
هنا تتقاطع الجغرافيا والاقتصاد والسياسة مع أهداف الهيمنة العالمية، ليصبح الأمن والسيطرة الاقتصادية محور المعادلة، ولا معنى لمصالح الشعوب أو الحريات الدينية.
بينما تنتقل الأنظار إلى نيجيريا كحقل اختبار للتدخلات الأمريكية، وبشكل موازٍ إلى فلسطين وغزة واليمن، يظهر بوضوح أن الصراع في أفريقيا والمنطقة يمتد إلى التحكم بالموارد والثروات وإدارة ودعم النزاعات البشرية لصالح القوى الكبرى.
وفي الحلقة القادمة من “جغراسيا” سنستعرض السيناريوهات المحتملة لتقسيم نيجيريا، وآليات التحكم الأمريكية في مجريات الأحداث، وربط هذه التحركات بالمعادلات الإقليمية في منطقتنا العربية، مع التركيز على غزة واليمن كنموذج لسياسات الضغط والإخضاع الاقتصادي والسياسي.
