الخبر وما وراء الخبر

برقية السيد القائد.. تعزيةٌ جهادية برمزية سياسية عميقة ورسائل شاملة لجبهات المحور

27

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

25 نوفمبر 2025مـ –4 جماد الثاني 1447هـ

وجّه السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- برقية عزاء وتهنئة إلى الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، ولكل اللبنانيين الأحرار، باستشهاد القائد الجهادي الكبير هيثم بن علي الطبطبائي “السيد أبو علي”، ورفاقه، مُقدّمًا هذا الواجب برمزيةٍ دينية سياسية موجّهة، حملّت في طياتها رسائل واضحة ومحورية لجبهات محور الجهاد والمقاومة.

برقيةٌ كان الكثير من المراقبين يتوقع أنّها ستأتي كما هو المعتاد من هذا القائد، بنبرته عالية الثقة وتصميمه المعهود؛ فجاءت بالفعل مستعرضةً الرؤية الشاملة للجبهة حول طبيعة المواجهة وأُفقّها ومسار الصراع وواقعه، والتي يُستشف منها أنّ الذي كان يخشاهُ العدوّ الإسرائيلي، وعبّر عنه في أكثر من مناسبة، بات أمرًا واقعًا؛ بأنّ اليمن سيكون إلى جانب لبنان وحزب الله إنّ تعرض لحربٍ صهيونية، وهذا ما بات محسومًا.

السيد القائد افتتح برقيته بالآيات القرآنية، ليؤكّد على التأطير الديني للمناسبة، ويُقرأ هذا على أنّه تثبيتٌ للمنهج؛ بأنّ المسيرة هي “جهاد في سبيل الله، وعطاء وعمل صالح”، وأنّ القائد الشهيد ارتقى ليحقق مصداق هذه الآيات القرآنية، في ربطٍ يرفع من رمزية القائد الطبطبائي ويجعله نموذجًا يُحتذى به داخل عموم المحور، حيث: “وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ”.

ويرى أنّ الشهيد “سيبقى خالدًا بعطائه وإسهامه الكبير في ساحة الجهاد”، كما غيرهُ ممّن سبقه في ذات الدرب، “شهداء على طريق القدس”، مُذكّرًا بأنّ مسيرته كانت “حافلة بالعطاء والإنجازات”؛ هو يهدف إلى ترسيخ روحية أنّ الاستشهاد دافعٌ لمزيدٍ من العمل وليس مدعاة للتراجع.

وفي رسالةٍ ترفض خيار التفاوض والمساومة على حساب الردّ والردع والمقاومة، قدّم السيد القائد تشخيصًا حادًا لطبيعة الصراع، ليُرسل إدانات مزدوجة للعدوّ الصهيوني وبعض الأنظمة العربية، ويلفت إلى أنّ عدوانية العدوّ متجذّرة، وما جريمة الاستهداف هذه، إلا برهان على أنّه “لن يفي بأيّة التزامات ولا اتفاقات” منذ وقف إطلاق النار.

وعندما يشدّد السيد القائد على أنّ العدوّ يحظى بـ “حمايةٍ ودعمٍ وغطاء أمريكي”، يحدّد بوضوح “رأس الأفعى” ويوجّه البوصلة ضد القوة الداعمة للكيان الصهيوني، موجّهًا انتقادًا مباشرًا لـ “تخاذل الحكومات والأنظمة وبعض المكونات” التي تتبنى “مطالب وإملاءات العدوّ الإسرائيلي”، وإدانة للأنظمة المتواطئة التي تسعى إلى التطبيع وتجريد الأمة من كل عناصر قوتها.

وأيضًا يوجّه اتهامًا صريحًا بمحاصرة المجاهدين، والسعي لتشويههم، وممارسة الضغط على حاضنتهم الشعبية بـ “الحصار الاقتصادي وغيره”، وهذه النقطة تعكس ما هو حاصل وتربط بين الحصار المفروض على جبهة المقاومة “سواء في لبنان أو اليمن أو فلسطين”، وبالرغبة الأمريكية الصهيونية في نزع القوة الذاتية للقوى المناوئة لمشاريعها في المنطقة.

كما خصص السيد القائد في برقيته جزءًا كبيرًا لتأكّيد الثقة المطلقة في حزب الله، وتُقرأ كرسالة تثبيت وتضامن عميقة، تشدّد على “الثبات والصلابة” المستمدة من “الإيمان ونهج جهادي أصيل” و”تجربة عملية حافلة بالنجاحات”؛ ما يمنح الحزب دعمًا معنويًا وسياسيًا من جبهة المقاومة الواسعة من جهة، ومن جهةٍ أخرى الإشارة إلى أنّ حزب الله لن يُترك وحيدًا في الميدان.

وهذا الأمر يمكّن ملاحظته في وصف السيد القائد لدور حزب الله بـ “المتميز والمتجذّر بعطائه العظيم، في جبهات محور الجهاد والمقاومة”؛ ما يُبرز مدى المركزية الاستراتيجية للحزب والتي يرى فيها أنّه يُشكّل العمود الفقري للمحور ككل.

وبالتالي يجدّد السيد القائد تأكّيد التضامن التام “بالفعل والقول”: “لنؤكّد تضامننا التام معكم وإلى جانبكم في مواجهة الطغيان الأمريكي الصهيوني المستهدف لكل أمتنا”؛ هي رسالة تُجسد متانة البنيان ووحدة الصف والمصير، وعمق الارتباط في مواجهة العدوّ المشترك للأمة.

وفيما يُشير إلى فشل “كل الخيارات التي ترمي إلى تدجين الأمة لذلك العدوّ”، يرفض السيد القائد رفضًا قاطعًا لخيار التطبيع أو الاستسلام؛ ويدفع كل أبناء الأمة إلى “الخيار الصحيح والواقعي والحق هو التحرّك الواعي المسؤول في مواجهة ذلك العدوّ، وحمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى”.

واختتم السيد القائد مُذكّرًا أنّ استشهاد القادة لا يعني نهاية الطريق، وإنّما هو نقطة انطلاقة جهادية نحو المستقبل، مرسخًا رؤية المحور الاستراتيجية النهائية، وهي الثقة بحتمية “تحقّق الوعد الإلهي بزوال الكيان الصهيوني”، وأنّ عتوّه وإجرامه “إنّما يقرّبه من الزوال أكثر”، وهذا ليس تحليلاً فلسفيًّا؛ بل هو الإطار الديني الذي يُغذي استمرار جبهات المقاومة دون يأسٍ أو قنوط.

وبالمحصلة؛ فبرقية السيد القائد اليوم، تُشكّل خارطة طريق متكاملة تعكس وحدة الرؤية وثبات الموقف وواحدية المصير بين مكونات محور الجهاد والمقاومة، وهي لا تعزي في شهيدٍ فحسب؛ وإنّما تُدين عدوًّا وتُحذّر من تخاذل، وتُعيد تأكّيد الثوابت الدينية والسياسية للجبهة، مُعلنةً التمسك بخيار المواجهة المسلحة كخيارٍ “صحيح وواقعي وحق” حتى تحقيق “الوعد الإلهي” بزوال الكيان المؤقت.