الخبر وما وراء الخبر

تعذيب وقتل عمد وسرقة للأعضاء.. فصول الإجرام الصهيوني بحق الأسرى الفلسطينيين

5

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

25 نوفمبر 2025مـ –4 جماد الثاني 1447هـ

يواصل العدو الصهيوني ارتكاب جرائمه المنظمة بحقّ الأسرى والمحتجزين الفلسطينيين في سجون الاحتلال ومراكز الاعتقال الميداني، في مشهدٍ يعيد للأذهان أبشع ممارسات الأنظمة العنصرية في التاريخ.

ومع تزايد أعداد الجثث التي تم نقلها من معتقلات الاحتلال إلى غزة والضفة، تتكشف فصول مروّعة من القتل العمد، والتعذيب، وسرقة الأعضاء، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، ولما تبقّى من ضميرٍ عالميّ صامت.

وتُظهر الجثث الفلسطينية التي أعادها الاحتلال خلال عامي 2024 و2025 علاماتٍ فاضحة لعمليات تعذيب وتشويه مقصود، فوفق بيانات وزارة الصحّة في غزة وتقارير حقوقية متعدّدة، فقد أُعيدت حتى أوائل نوفمبر 2025 نحو 270 جثة فلسطينية، تمكّنت السلطات الطبية من تحديد هوية 78 منها فقط، في حين دُفنت العشرات بشكلٍ جماعي لعدم التعرّف على أصحابها.

وكشفت تقارير طبية فلسطينية، مدعومة بشهادات من المركز الدولي للعدالة الانتقالية، أن عددًا كبيرًا من الجثث كانت مقيّدة الأيدي والأرجل، وبعضها أظهر علامات تشريحٍ قبل الوفاة أو انتزاع أعضاء داخلية بطريقة جراحية منظمة

ويؤكد الجراح الفلسطيني- البريطاني غسان أبو ستة، أن العديد من الجثث التي تم فحصها “لم تحمل آثار قصفٍ أو انفجار، بل تمّ قتلها عمدًا وانتُزعت منها أعضاء حيوية كالقرنيات والكِلى”، معتبرًا ذلك «نمطًا متكرّرًا لجرائم قتل بغرض التجارة بالأعضاء”.

الانتهاك القانوني.. مؤشر خطير

ووفقًا لتقرير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR)، فإن ما لا يقل عن 75 فلسطينيًا توفّوا أثناء احتجازهم لدى سلطات الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023 حتى 31 أغسطس 2025، بينهم 49 من قطاع غزة، و24 من الضفة الغربية، واثنان من فلسطينيي الداخل (1948).

واعترفت سلطات الاحتلال لاحقًا بوقوع 19 حالة وفاة إضافية دون تمكين أي جهة حقوقية من التحقق من الهويات أو ظروف الوفاة، ما يجعل الرقم الفعلي مرشّحًا للارتفاع، وهو ما وصفته الأمم المتحدة بأنه «مؤشّر خطير على اتساع ظاهرة القتل داخل الحجز”، ودليل على سياسة تعذيبٍ ممنهجة.

وتُعدّ هذه الأرقام جزءًا من نمطٍ أوسع لسياسات الإذلال والتصفية داخل السجون، خصوصًا في مراكز الاحتجاز الميداني مثل السجن المسمى “سدي تيمان”، حيث كشفت صحيفة The Guardian البريطانية أن أكثر من 135 جثة أعيدت من ذلك المركز وحده إلى غزة وهي تحمل آثار تعذيبٍ وتشويهٍ جسديّ فاضح، بما يشمل كسورًا في الجماجم واحتراق أجزاء من الوجوه.

ومن منظور القانون الدولي الإنساني، فإن ما يجري يُعدّ جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، إذ تنصّ المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة على أن قتل أو تعذيب أسيرٍ أو شخصٍ محتجز يُعدّ خرقًا جسيمًا للاتفاقية، بينما تجرّم المادتان (7) و(8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية كلّ فعلٍ من القتل أو الإخفاء القسري أو انتزاع الأعضاء أو التشويه المتعمّد للأسرى والمحتجزين.

وتندرج هذه الوقائع ضمن الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، ما يتيح قانونيًا ملاحقة مسؤولين صهاينة — سياسيين وعسكريين وطبيين — بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

لكن المعضلة، كما يشير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، تكمن في “غياب الوصول الميداني للمحققين الدوليين، واحتفاظ الاحتلال بالجثث أو دفنها في مقابر الأرقام، ما يعيق التوثيق الدقيق”، كما أن “الصمت الغربي” و”الفيتو الأمريكي” في مجلس الأمن يُكرّسان الإفلات من العقاب، ويجعلان العدالة رهينة الحسابات السياسية.

البعد السياسي والإنساني والأخلاقي

وتتجاوز هذه الممارسات البعد الإجرامي الفردي لتشكّل سياسة رسمية متكاملة تهدف إلى تحطيم المجتمع الفلسطيني معنويًا ونفسيًا، فاستهداف الأسرى والمحتجزين — كما يوضّح باحثون— ليس عملًا طارئًا وإنما امتدادٌ لاستراتيجية “الإبادة الصامتة” التي يعتمدها العدو منذ عقود.

ويشير مراقبون إلى أنّ سرقة الأعضاء هي الوجه الاقتصادي القذر لهذا العدوان؛ إذ تستفيد شبكات طبية وتجارية صهيونية من تجارة الأعضاء، التي تُقدّر بملايين الدولارات سنويًا، وسط تواطؤ مؤسسات طبية رسمية، كما أورد تقرير لقناة “الجزيرة” حول تجارة الأعضاء من جثث الأسرى، حيث يحول هذا النمط القتل إلى مورد مالي، ويكشف عمق الانحطاط الأخلاقي للمنظومة الصهيونية.

وتتحوّل معاناة العائلات الفلسطينية إلى مأساة مركّبة، فهي لا تعرف إن كان أبناؤها أحياء في الأسر أم قُتلوا، ولا تستطيع تسلّم جثثهم أو دفنها بكرامة، وقد دُفن أكثر من 38 جثة مجهولة الهوية في مقبرة جماعية بغزة في يوليو 2025، بسبب تدمير وثائق الهوية أو تشويه ملامح الجثث.

ويشكّل هذا الواقع، من منظور القانون الدولي، انتهاكًا لحقّ العائلات في معرفة مصير ذويها، وهو حقّ مكفول بموجب القانون الدولي الإنساني (المادة 32 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف).

ورغم توثيق الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية لهذه الجرائم، فإن ردّ الفعل الدولي ما يزال باهتًا، فالمقرّر الأممي الخاص المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، اكتفت بالقول إن “الأدلة تشير إلى معاملة لاإنسانية ومنهجية”، بينما لم يصدر أيّ إجراء عملي من مجلس الأمن أو محكمة الجنايات حتى اللحظة.

ويُعدّ الصمت الغربي، وخصوصًا الأمريكي والأوروبي، أمام جرائم التعذيب والقتل وسرقة الأعضاء، شراكةً قانونية وأخلاقية في الجريمة، فاستمرار الدعم العسكري والسياسي للاحتلال هو، بحسب خبراء القانون الدولي، تواطؤ مباشر في جرائم الإبادة.

ويرجّح حقوقيون أن تتحوّل قضية الأسرى والجثث المسروقة إلى ملفٍّ مركزي أمام المحكمة الجنائية الدولية في 2026، خصوصًا بعد تزايد الأدلة الموثقة من المنظمات الدولية.