الخبر وما وراء الخبر

في عصر بن سلمان: الأموال السعودية بين شراء الولاء الصهيوأمريكي وتمويل الحروب

1

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

24 نوفمبر 2025مـ –3 جماد الثاني 1447هـ

تكشف الوقائع الاقتصادية والسياسية المتلاحقة عن مستوى غير مسبوق من الاستنزاف المالي الذي تتعرض له السعودية في عهد محمد بن سلمان، حيث تُنهب ثروات الشعب تحت شعارات “الإصلاح” و“التحول الوطني”، بينما تتجه مئات المليارات إلى واشنطن كيان العدو الصهيوني ثمناً للحماية السياسية والعسكرية، على حساب التنمية الداخلية والاستقرار الاجتماعي.

وتحولت المملكة في سنوات قليلة إلى أكبر خزّان تمويل للمشروع الصهيوأمريكي، بعد أن أحكم الرئيس ترامب قبضته على القرار السعودي، منتزعاً تعهدات بلغت – بحسب ما كشفه هو نفسه – أكثر من 3.7 تريليونات دولار، وهي أكبر عملية تحويل ثروة تُفرض على نظام عربي في التاريخ الحديث، وتُستخدم في إنعاش الشركات الأمريكية العملاقة، وعلى رأسها شركات السلاح التي يرفد بها العدوان الإماراتي السعودي حربه العبثية على اليمن وساحات عربية أخرى ممتدة من السودان إلى سوريا وليبيا، وتمويل العدوان الصهيوأمريكي على محور المقاومة.

الأموال مقابل الحماية

الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي يؤكد أن هذه التحويلات الهائلة منحت الاقتصاد الأمريكي قدرة اصطناعية على الصمود، حيث قفزت القيمة السوقية للشركات السبع الكبرى من 3.4 تريليون إلى 21 تريليون دولار بعد الإعلان عن تلك التعهدات، في حين يعيش المواطن السعودي تحت وطأة الضرائب وارتفاع الأسعار، ورفع الدعم عن معظم السلع الأساسية.

ويشير الجعدبي في حديثة لقناة “المسيرة” إلى أن السعودية حرمت شعبها من فرص تنموية لا تُقدّر بثمن، فالمبلغ الذي التزم به بن سلمان يمكنه تغطية ميزانية الدولة 12 سنة متواصلة، وبناء ملايين المساكن، وتأسيس مئات المدن الصناعية، وتمويل الرواتب لعقود، بل وتمكين كل مواطن سعودي من أكثر من 100 ألف دولار مباشرة.

أما الخبير الاستراتيجي والاقتصادي عماد عكوش، فيرى أن السعودية تخلّت عملياً عن بناء اقتصاد منتج، واكتفت بدور المستهلك الدائم الذي يضخ أمواله في خزائن الغرب، مشيراً إلى أن مشاريع “رؤية 2030” تتهاوى تباعاً؛ فمشروع “ذا لاين” تقلّص من 170 كيلومتراً إلى 2.5 كيلومتر فقط، وتراجع عدد السكان المتوقع من 1.5 مليون إلى 300 ألف نسمة، فيما بقيت المنتجعات السياحية الضخمة شبه خالية، وهذا دليل على أن المملكة غير قادرة حتى على تمويل مشاريعها الداخلية، فكيف لها أن تموّل التزامات خارجية بتريليونات الدولارات؟

وتتزايد خطورة هذا المسار بعد تصريحات وزير المالية السعودي الأخيرة، الذي أقرّ بأن “المملكة تمرّ بمرحلة تتطلب إعادة ضبط الإنفاق واستهدافه بدقة”، وهو اعتراف واضح بأزمة سيولة خانقة، وتراجع القدرة على تمويل المشاريع الحكومية، وتفاقم العجز الذي وصل إلى 245 مليار ريال هذا العام، كما ارتفع الدين الحكومي من 17 مليار دولار عام 2015 م قبل العدوان السعودي الأمريكي على اليمن إلى 391 مليار دولار عام 2025م، في واحدة من أسرع موجات القروض الحكومية في العالم.

ومع تضاؤل قدرة صندوق الاستثمارات العامة على الاستمرار بتمويل المشاريع، تؤكد التقارير أن الصندوق يعاني نقصاً حاداً في السيولة رغم امتلاكه أصولاً تتجاوز التريليون دولار، لكنها أصول جامدة لا يمكن تسييلها، حيث وأبلغ ممثلو الصندوق عدداً من المستثمرين أنهم غير قادرين على تخصيص أي أموال إضافية للسنوات المقبلة، ما يعني عملياً أن رؤية 2030 باتت في مهب الريح.

تمويل صفقات سلاح مشبوهة

من جانبها تكشف صحيفة نيويورك تايمز في تقرير مطوّل أن جزءاً كبيراً من الأموال السعودية يتم توجيهه لتمويل صفقات سلاح “مشبوهة” لا تُستخدم للدفاع عن الأمة أو حماية المنطقة، بل تُسخّر في خدمة الأجندة الصهيونية الأمريكية، عبر تمكين العدو الإسرائيلي من توسيع نفوذه العسكري في المنطقة، توتثبت معادلة الاستباحة، في سوريا ولبنان والضفة وغزة، ودعم عمليات عسكرية تمتد من اليمن إلى ليبيا وسوريا والعراق ولبنان، وإيران،

وتوضح الصحيفة أن السعودية تحولت إلى ممول رئيسي لإستراتيجية الفوضى الموجّهة التي تعتمدها واشنطن والكيان الصهيوني الغاصب لإغراق المنطقة في الحروب والصراعات، وإبقاء الشعوب العربية تحت وطأة الانهيار الاقتصادي والأمني.

وتضيف الصحيفة أن صفقات السلاح السعودية لا تُدار وفق أي عقيدة دفاعية وطنية، بل ضمن خطة توزيع أدوار تشرف عليها الولايات المتحدة لتعزيز التفوق العسكري للعدو الإسرائيلي، فيما يتم استخدام جزء من الأسلحة لرفد أطراف مرتبطة مباشرة بالمحور الصهيوأمريكي، خاصة في الدول التي يعيش نفوذها حالة صراع مستمر.

وإلى جانب ذلك، يشير عكوش والجعدبي إلى أن السعودية تبني موازنتها على سعر 80 دولاراً للبرميل، فيما يتراوح السعر حالياً بين 60 و65 دولاراً، ما يعني عجزاً تلقائياً يفوق 100 مليار ريال سنوياً، ومع تراجع الأسعار وانخفاض حصة الإنتاج وفق اتفاقيات “أوبك+”، تتجه السعودية إلى مزيد من الاقتراض ورفع الضرائب، حيث ارتفعت ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15%، وارتفعت أسعار الوقود بنسبة تجاوزت 200%.

ويذهب الخبراء إلى أن التحركات السعودية ليست إجراءات اقتصادية، بل هي مدفوعات سياسية توفر حماية خارجية لبقاء بن سلمان في السلطة، بعد أن أصبح رهينة للقرار الأمريكي. فالرئيس ترامب استخدم هذه الأموال لانتشال الاقتصاد الأمريكي وإنقاذ شركات السلاح بعد خسائرها في البحر الأحمر وتراجع مبيعاتها، بينما وجد بن سلمان فيها مظلة سياسية تحميه من أي تهديد داخلي أو خارجي.

ويشير الجعدبي إلى مفارقة مؤلمة: “محمد بن سلمان يفرض الضرائب على المواطن السعودي، بينما يقدم التريليونات للولايات المتحدة”، مضيفاً ” أن هذه السياسة تنهك السعودية وتجعلها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها حتى في الملفات الإنسانية، ومنها رواتب أبناء الشعب اليمني التي كان يمكن تغطيتها لثماني سنوات كاملة بإيرادات النفط المنهوب وحدها.

تأكل رؤية 2030

إن مجمل المعطيات الواردة والشواهد الحية وأرقام الموازنات السعودية، تكشف بوضوح أن البلاد تقف اليوم أمام مفترق خطير لم يعد يحتمل التجميل الإعلامي أو وعود “الرؤية” التي تآكلت على وقع الأزمات، فالأرقام التي تحدّث عنها الرئيس ترامب، والتخبط المالي الذي أقرّ به وزير المالية السعودي، والانهيار الهيكلي لمشاريع الاستثمار، جميعها تؤسس لقراءة واحدة: السعودية تتعرض لعملية استنزاف ممنهجة، تُدار من واشنطن والكيان المؤقت، فيما يُدفع ابن سلمان إلى تحويل ثروة البلاد إلى وقود لمخططات الخارج.

وهذه المعطيات، حين تُقرأ مجتمعة، تؤكد أن المملكة تواجه أزمة مالية، وتعيش تحولاً بنيوياً خطيراً يهدد قدرتها على الاستمرار في تمويل مشاريعها الداخلية، ويقوّض استقرارها الاجتماعي، ويضع مستقبلها على حافة انهيار مفتوح، وفي المقابل، تتعاظم فوائد العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة، اللذين يحققان مكاسب اقتصادية وعسكرية مباشرة من النزيف السعودي، سواء عبر صفقات السلاح، أو دعم الحروب في المنطقة، أو تقويض أي مشروع نهضوي عربي مستقل.

إن ما تكشفه هذه المعطيات يعكس سوء الإدارة لأموال الشعب السعودي، والارتهان الكامل للقرار الصهيوأمريكي، ويجعل ثروات البلاد رهينة الخارج، ويجعل السياسات الداخلية مجرد انعكاس لإملاءات لا تمتّ لمصلحة الشعب السعودي بصلة.

وفي ظل استمرار هذا المسار، فإن مستقبل السعودية والمنطقة سيظل مفتوحاً على مزيد من الاضطرابات، ما لم تتوقف هذه السياسة التي تضع مقدّرات الأمة في خدمة أجندة لا تنتج سوى الفوضى وإشعال الحروب، وعلى الامة وشعوبها التعاضد والتعاون مع الأحرار في السعودية لتخلص من هذا الجنون والجامح لأبن سلمان ليصل إلى عرش المملكة، واللامبالاة بمعناة الشعب وكل أبناء الأمة.